تركيا: تداعيات انشقاقات الأحزاب السياسية الكبرى

الأحد 7 مارس 2021 09:21 ص

تركيا: تداعيات انشقاقات الأحزاب السياسية الكبرى

تشكيل كثيف لأحزاب سياسية جديدة يعيد رسم المشهد السياسي في البلاد!

ستصبح التحالفات سمة جديدة للتركيبة السياسية التركية بعدما تفرد حزب العدالة والتنمية بالحكم منفردا.

يتوقع ظهور تحالف سياسي ثالث يتشكل من الأحزاب الجديدة وهو ما سيجعل من التركيبة السياسية في البلاد أكثر تعقيداً من السابق.

سيعاد رسم الخريطة الحزبية والسياسية مما يجعل التكهن بنتيجة الانتخابات المقبلة أمراً معقداً لحين اكتمال المشهد السياسي الجديد في البلاد.

*     *     *

تعيش تركيا في الأشهر الأخيرة حالة غير مسبوقة من الانشقاقات في الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد وسط تشكيل كثيف لأحزاب سياسية جديدة تعيد رسم المشهد السياسي الداخلي في البلاد وتجعل من التحالفات سمة جديدة للتركيبة السياسية التركية بعدما ساد لسنوات طويلة تفرد حزب العدالة والتنمية بالحكم بمفرده.

ورغم أن الانشقاقات وتشكيل أحزاب سياسية جديدة بتوجهات فكرية وسياسية مختلفة يعبر عن حالة ديمقراطية طبيعية، إلا أنها تنذر بأزمة حقيقية تواجه الأحزاب والحياة السياسية في البلاد وذلك لما يمثله هذا من تشتيت لأصوات الناخبين وتعقيد أكبر للتركيبات البرلمانية المقبلة.

ورغم أن تحول البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أبعد شبح الحكومات الائتلافية التي كانت تنتج عن تشتت أصوات الناخبين لأحزاب سياسية مختلفة وما نتج عنه من انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

إلا أن انعدام قدرة حزب سياسي واحد أو حتى حزبين فقط على تأمين الأصوات اللازمة لانتخاب الرئيس في الانتخابات المقبلة، يتوقع أن يولد حالة مشابهة من حيث اضطرار الرئيس لتشكيل تحالف مما لا يقل عن ثلاثة أحزاب سياسية من أجل الفوز وتشكيل حكومة.

ومنذ سنوات، لم يعد حزب العدالة والتنمية في الحكم بمفرده، وإنما بتحالف أساسي مع حزب الحركة القومية وعدد من الأحزاب الصغيرة الأخرى، في المقابل، فإن المعارضة شكلت تحالفاً آخر وهو الذي تمكنت من خلاله الفوز ببعض البلديات الكبرى في البلاد بالانتخابات البلدية الأخيرة، وذلك قبيل الانشقاقات الأخيرة التي عصفت بمعظم الأحزاب.

وعقب هذه الانشقاقات، يتوقع أن تتراجع حصة الأحزاب الكبرى، ليذهب جانب من أصواتها إلى الأحزاب الجديدة وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى حاجة تحالفي الموالاة والمعارضة إلى ضم أحزاب جديدة إلى تحالفاتهم، كما يتوقع أن يظهر تحالف سياسي ثالث جديد يتشكل من عدد من الأحزاب لا سيما الجديدة منها، وهو ما سيجعل من التركيبة السياسية في البلاد أكثر تعقيداً من السابق.

وفي أحدث الانشقاقات، أعلن النائب عن الحزب الصالح "أيي بارتي" أميت أوزداغ استقالته من الحزب، مؤكداً أنه بصدد تشكيل حزب سياسي جديد، حيث هاجم قيادة الحزب الحالية، حيث يتوقع أن يتبع ذلك استقالة نواب آخرين من الحزب وربما من أحزاب أخرى للانضمام إلى الحزب الذي ينوي أوزداغ تشكيله قريباً.

وسبق ذلك بأسابيع قليلة، إعلان محرم إنجي القيادي البارز في حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية استقالته من الحزب، قبل أن يعلن 4 نواب عن الحزب في البرلمان استقالتهم، وسط توقعات بمزيد من الاستقالات استعداداً للانضمام للحزب الجديد الذي ينوي إنجي تشكيله قريباً.

وخلال العام الماضي، أعلن القيادي البارز في حزب الشعب الجمهوري مصطفى ساري غول الانشقاق وتشكيل حزب جديد باسم حزب التغيير التركي، كما انشق القيادي بالحزب أوزتورك يلماز مشكلاً حزبا جديداً باسم حزب التجديد"، وهو ما أدى إلى انخفاض لافت في عدد نواب حزب الشعب الجمهوري في البرلمان.

هذا الحراك الكبير داخل أطر حزب الشعب الجمهوري، سبقه حراك أكبر داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي انشق عنه عدد ليس قليل من القيادات التاريخية الكبيرة، حيث انشق رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو مشكلاً حزب المستقبل.

قبل أن ينشق وزير الاقتصاد السابق علي باباجان مشكلاً حزب التقدم والديمقراطية، وسط ابتعاد للرئيس السابق عبد الله غول وعدد من القيادات عن العدالة والتنمية، وتكهنات بإمكانيات انضمام الأحزاب الجديدة المنشقة من رحم العدالة والتنمية إلى تحالف المعارضة الانتخابي أو تشكيل تحالف انتخابي ثالث.

وسبق ذلك أيضاً، الانشقاق الذي عصف بحزب الحركة القومية حليف أردوغان في السلطة، حيث انشقت نهاية عام 2017 القيادية البارزة ميرال أقشنار مشكلة الحزب الصالح الذي نجح في دخول البرلمان والتحالف مع المعارضة التركية، وحديثاً توجد تكهنات حول إمكانية حصول حراك داخل حزب الجيد الذي قد يشهد هو الآخر انشقاقاً جديداً.

ورغم أهمية كافة الانشقاقات السابقة، إلا أن الحراك المتصاعد داخل أروقة حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) يعتبر الأبرز في هذه الفترة، حيث تدور تكهنات حول إمكانية حصول انشقاق كبير داخل أروقة الحزب بسبب الاتهامات له بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، وهو الانشقاق الذي قد يمهد الطريق أمام الحكومة لإغلاق شق الحزب الأصلي، حيث أن أي انشقاق داخل البيت الكردي -الشعوب الديموقراطي- سيعزز رواية الحكومة بأن أجنحة بالحزب تقدم الدعم فعلياً لتنظيم بي كا كا.

ومن شأن أي انشقاق أو إغلاق لشق من الحزب أن يؤدي لأكبر تغيير في التركيبة السياسية في البلاد، حيث كانت أصوات الأكراد في الانتخابات المختلفة في السنوات الأخيرة هي المتغير الأهم والحاسم، ومن شأن تفكك حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وارتباك دعمه لتكتل المعارضة أن يؤدي إلى تسهيل مهمة أردوغان في حسم أي انتخابات مقبلة.

وبشكل عام، فإن هذه الانشقاقات وما نتج وسينتج عنها من أحزاب جديدة سيفرض بلا شك على التكتلات الكبرى إعادة حساباتها وتكتلاتها الانتخابية كما يتوقع بقوة أن تفرز تكتلا انتخابيا ثالثا بعيداً عن تكتلي الموالاة الذي يضم العدالة والتنمية والحركة القومية، وتكتل المعارضة المدعوم من حزب الشعب الجمهوري والحزب "الصالح" و"الشعوب الديمقراطي"، ليعاد رسم الخريطة الحزبية والسياسية في البلاد من جديد، وهو أمر يجعل من تكهن نتيجة الانتخابات المقبلة أمراً معقداً لحين اكتمال المشهد السياسي الجديد في البلاد.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تركيا، انشقاقات، أحزاب، انتخابات، التركيبة السياسية، حزب الشعب الجمهوري، الحزب الصالح، الشعوب الديمقراطي، بي كا كا/