استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التنوع الديني والحاجة إلى الدولة

الاثنين 8 مارس 2021 10:05 ص

التنوع الديني والحاجة إلى الدولة

كان صدام «عادلاً» في قمع معارضيه من العراقيين دون تمييز طائفي أو ديني!

هل الأنظمة السلطوية أقدر على صون التنوع الديني من حكومات ديمقراطية تقوم على تمثيل انتخابي حر وتنافس على السلطة وفق معايير اصطفاف وتصادم؟

حكم «حزب البعث» العراق منذ نهاية الستينيات كنموذج للتعايش والتضامن بين العراقيين على أساس أيديولوجي سياسي يتجاوز الانتماءات الدينية والمذهبية.

عربيا لا يزال مشروع الدولة مطروحا والأنظمة الأحادية قوضت مكاسب حققتها تجارب سياسية أولى تمت باحتضان القوى الاستعمارية السابقة.

أضعفت الأنظمة الحكم الاندماج الوطني والمؤسسات العمومية فكان طبيعيا أن يؤدي انفتاح سياسي مفاجئ ومنافسة انتخابية لتدمير السلم الأهلي وتأجيج صراع عقدي وعرقي.

*     *      *

خلال زيارته للعراق، كرر البابا فرنسيس موقفه المدافع عن التنوع الديني والإثني الذي كان العراق طيلة قرون طويلة مثالاً حياً له، وقد تعرض في السنوات الأخيرة لموجة عاتية من التطرف الراديكالي ذهب ضحيتها المكونان المسيحي والإيزيدي في المجتمع العراقي، مع استمرار الصراع الطائفي الداخلي الذي تغذيه الجماعات الراديكالية من الطرفين.

لقد سمعت كثيراً من المثقفين والسياسيين العراقيين يتحدثون باستغراب شديد عن حالات التعصب والعدوانية في المجتمع العراقي الحالي، وبعضهم يذهب إلى حد القول إن الدولة العراقية المعاصرة كانت دولة مستبدةً، لكنها لم تكن يوماً طائفية أو معادية لدين أو مذهب.

وقال لي مرة حسن العلوي، الكاتب العراقي البارز الذي كان مقرباً من الرئيس الأسبق صدام حسين، قبل أن يتحول معارضاً شرساً ضده: إن صدام كان «عادلاً» في قمع معارضيه من العراقيين دون تمييز طائفي أو ديني، بل إن «حزب البعث العربي الاشتراكي» الذي حكم العراق منذ نهاية الستينيات كان نموذجاً للتعايش والتضامن بين العراقيين على أساس أيديولوجي سياسي يتجاوز الانتماءات الدينية والمذهبية الضيقة.

هل نستنتج من التجربة العراقية التي لها حالات مماثلة في عدة بلدان عربية أخرى أن الأنظمة السلطوية أكثر قدرة على صون التنوع الديني والطائفي من الحكومات الديمقراطية التي تقوم على مبدأ التمثيل الانتخابي الحر، وما يقتضيه من منافسة على السلطة والقرار على أساس هوياتي ووفق معايير الاصطفاف والتصادم؟

قد يبدو السؤال غريباً، فمن المعروف أن الآليات الديمقراطية ظهرت في المجتمعات الأوروبية الحديثة في سياق متطلبات الخروج من الحرب الدينية الأهلية الطويلة، وما فرضته من الاعتراف بحالة التعددية والتنوع العقدي والفكري تحقيقاً للسلم الأهلي والاستقرار السياسي.

أما البلدان العربية التي مرت في السنوات الأخيرة بصدمة الانتقال السياسي واعتمدت النظام التمثيلي الانتخابي مسلكاً سياسياً، فقد عانت في مجملها من مأزق الصراع الأهلي والفتنة الداخلية، وبدت فيها الحلول الديمقراطية عاجزة عن تأمين السلم المدني الذي هو أفق الديمقراطية التعددية.

والواقع أن الأمر لا علاقة له بطبيعة الخيارات والنظم السياسية، بل ببناء الدولة وتركيبة المجال العمومي في علاقته بالمجتمع الأهلي. فالدولة الديمقراطية في الغرب قبل أن تتبنى النظم التمثيلية الانتخابية حققت مطلب الاندماج الوطني، وبنت مؤسسات عمومية صلبة، وبلورت أطراً عقلانية بيروقراطية للنظام السياسي غدت هي المحددة لطبيعة الخيارات الدستورية والقانونية اللاحقة.

فليس من الصحيح أن الفكرة الديمقراطية هي التي صاغت طبيعة النظام السياسي في الدول القومية الغربية، بل الصحيح أن الديمقراطية نفسها كانت نتاجاً تاريخياً طبيعياً للتحولات النوعية التي مرت بها الدولة في علاقتها بالمجتمع وفي وظائفها العملية والإدارية.

وتتجلى هذه الحقيقة في كون الأفكار الأساسية التي تأسس عليها العقل السياسي الحديث برزت خارج وقبل النظم الديمقراطية، وأهمها مفهوم «السيادة» الذي هو الميزة الكبرى للدولة الحديثة في مقاربتها لهويتها الدستورية والقانونية وفي سمتها الشمولية الكلية، ومفهوم «التمثيل» الذي تشكل أولاً خارج القوالب الانتخابية ليعني قدرة الدولة من حيث هي جسم عمومي على التعبير عن الهوية المجتمعية المشتركة.

كما أن مفهوم «الحالة المدنية» الذي طرحه فلاسفة الأنوار لحل المعضلة الدينية السياسية كان سابقاً على التجارب الديمقراطية المعاصرة، وإن كان شرطاً لفاعليتها ونجاعتها.

إن إدراك هذه المعطيات التاريخية ضروري لمقارنة تجارب الانتقال السياسي الناجحة في أوروبا والتجارب المتعثرة في عالمنا العربي.

لقد نجحت الموجة الثانية من التحول الديمقراطي في جنوب أوروبا، والتي تمت في السبعينيات دون مصاعب نوعية (إسبانيا والبرتغال واليونان)، كما حدث الأمر خلال الموجة الثالثة التي مرت بها دول أوروبا الشرقية (الاشتراكية سابقاً) بعد نهاية الحرب الباردة في مطلع التسعينيات..

لأن عموم هذه البلدان باستثناء حالة المجال البلقاني الخاصة، مرت بنفس مسارات تشكل الدولة وبناء المجال العمومي التي مرت بها الديمقراطيات الغربية العتيدة.

أما في البلدان العربية فلا يزال مشروع بناء الدولة مطروحاً، والواقع أن الأنظمة الأيديولوجية الأحادية قوضت المكاسب التي حققتها التجارب السياسية الأولى التي تمت باحتضان القوى الاستعمارية السابقة، فأضعفت دوائر الاندماج الوطني، وأوهنت مؤسسات المجال العمومي، ومن ثم كان من الطبيعي أن تؤدي إجراءات الانفتاح السياسي المفاجئ وآليات المنافسة الانتخابية إلى تدمير السلم الأهلي، وتأجيج أنماط الصراع العقدي والعرقي.

ولا شك في أن الحالة العراقية الراهنة هي المثال الأوضح على صحة هذه الملاحظة.

* د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

  كلمات مفتاحية

العراق، التنوع، الديني، الطائفي، الأنظمة، السلطوية، الأيديولوجية، الدولة، المجال العمومي،