ناشيونال إنترست: تنامي النفوذ التركي في آسيا الوسطى فرصة هائلة لبايدن

الثلاثاء 9 مارس 2021 01:53 ص

بينما كان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" يراقب بفخر طائرة بلاده المسيرة "بيرقدار TB2" في استعراض النصر في باكو مع نظيره الأذربيجاني "إلهام علييف"، ترددت أصداء نجاح تركيا في دعم شركائها في ناجورنو كاراباخ بين قادة آسيا الوسطى الذين يجمعهم اللسان التركي، والذين أصبحوا يرون الآن أنقرة كخيار بديل لموسكو.

وبعد 30 عاما من الاحتلال الأرمني المدعوم من روسيا والعديد من محاولات المجتمع الدولي الفاشلة للوصول إلى حل، أصبحت فكرة تحرير ناجورنو كاراباخ حقيقة، بعد أن كانت ضربا من الخيال. وقد لعب الدعم الدبلوماسي والعسكري التركي دورا رئيسيا في الحرب التي انتهى بوقف إطلاق نار توسطت فيه روسيا.

وفي حين أن أذربيجان كانت الفائز الأكبر، فقد استفادت تركيا بوجود عسكري في القوقاز مع ممر كانت ترغب فيه من خلال نخيتشيفان، والذي سيقوم بربط تركيا مباشرة مع أذربيجان وجمهوريات آسيا الوسطى.

صحوة تركية

بالرغم من الروابط الثقافية العميقة واللغة التركية والأجداد المشتركين، فإن قرنًا من الهيمنة الروسية خلال العصر السوفيتي، منع تطور العلاقات بين تركيا وجمهوريات أسيا الوسطى. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، توقعت واشنطن أن تلعب أنقرة دورا في مواجهة موسكو على الأراضي التي كانت تحتلها روسيا سابقًا.

ومع ذلك، فإن قبضة موسكو على جمهورياتها السابقة ظلت كبيرة جدا فيما انشغلت تركيا بمجموعة من القضايا المحلية؛ بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية ومكافحة الإرهاب.

والآن بعد 3 عقود من سقوط الستار الحديدي، تسعى هذه الجمهوريات إلى خلع جلدها السوفيتي في الوقت الذي تشكل فيه هوياتها الوطنية وتتخذ خطوات نحو مزيد من الديمقراطية وتعيد صياغة اقتصاداتها.

وكان خط أنابيب باكو-تبليسي-جيحان خطوة أولى مهمة في توفير منفذ للغاز الأذربيجاني للأسواق الأوروبية وإعطاء باكو استقلالًا اقتصاديًا أكثر، وقد يسعى نفط كازاخستان والغاز التركماني قريبا إلى اتخاذ طرق عبر تركيا للوصول إلى أوروبا.

تمثلت اللحظة الفاصلة في تشكيل منظمة تجمع هذه الحكومات وهي "المجلس التركي" في عام 2009، وقد كان لذلك تأثير كبير في العلاقات بين هذه الدول حيث أعرب قادتها عن إرادتهم السياسية لوضع الأساس للتعاون ككتلة بدلا من التعاونات الثنائية. وعبرت محادثات أعضاء "المجلس التركي" بوضوح عن رؤية لإنشاء اتحاد جمركي بدون فيزا بحلول عام 2040.

وترددت أصداء نجاح تركيا في دعم شركائها في سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ بين قادة آسيا الوسطى، الذين يرون الآن أنقرة كخيار بديل لموسكو. وسيؤدي هذا الفهم إلى وضع تركيا كلاعب مؤثر في منطقة تضم فئة سكان شابة تصل لما يقرب من 200 مليون شخص وناتج محلي إجمالي مشترك يقارب 2 تريليون دولار.

وهناك مؤشرات على هذا التوجه المتزايد من خلال التبديل المخطط له من السيريلية إلى الأبجدية اللاتينية في كازاخستان وأوزبكستان، والاهتمام بحيازة الطائرات بدون طيار التركية ومفاوضات خطوط الأنابيب المستقبلية، وزيادة التجارة الثنائية مع تركيا.

كما إن تعزيز سيادة واستقلال تلك الدول وتحديث جيوشها سيكون أولوية بالنسبة لتركيا خلال العقد القادم، باعتبار ذلك ضروريا من أجل منظومة الأمن الإقليمي للمنطقة. ويبدو أن جمهوريات آسيا الوسطى حريصة على ترقية العلاقات مع أنقرة، حيث من المقرر عقد قمتين على مستوى القادة في مارس/آذار وأكتوبر/تشرين الأول من هذا العام.

موازنة المنافسة الروسية الصينية

وبالرغم أن الكثير من جمهوريات آسيا الوسطى كانت مساحة احتكار لموسكو، فقد شهد العقد الماضي تقدم بكين في هذه المساحة في ظل مبادرة الحزام والطريق الصينية. ويعد أحد خطوط النقل الاستراتيجية في المنطقة، والمعروف باسم ممر "الممر المتوسط عبر-قزوين- شرق-غرب"، أقصر وأسرع وصلة للأسواق الأوروبية، ويتجاوز الطريق روسيا ويسير عبر كازاخستان وأذربيجان وتركيا.

وستشهد السنوات القادمة المزيد من الاستثمارات والانخراط الصيني حيث تسعى بكين إلى تأمين شرايين إمبراطوريتها اللوجيستية داخل المنطقة. وبدأت الصين بالفعل مغازلة تركيا لسحبها إلى مدارها بعيدا عن الولايات المتحدة، ولكن روسيا سترغب في مواجهة النفوذ الصيني وإعادة تأسيس نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة.

وكان هناك توجه روسي لزعزعة الاستقرار في المنطقة التي كانت خاضعة للسوفيت من جورجيا وكريميا إلى دونباس وكاراباخ، حيث تمكنت موسكو من جني فوائد جيوسياسية من هذه السياسة ووسعت نطاق بصمتها العسكرية فيها.

وتعد آسيا الوسطى مسرحًا به العديد من النزاعات المجمدة والنزاعات التي يمكن للكرملين أن يعيد إشعالها ويستغلها. وقد تواصل موسكو هذا السلوك للحفاظ على قبضتها على المنطقة. وستوفر المنافسة على النفوذ بين روسيا والصين فرصا لبلدان آسيا الوسطى، لكن الصراع سيخلق أيضا توترات والعديد من التحديات.

وستفرض هذه السيناريوهات المستقبلية على البلدان الإقليمية غالبًا أن تتصرف ككتلة، وسيوفر النفوذ المتزايد لتركيا في هذه المنطقة والقنوات الدبلوماسية مع روسيا والصين توازنًا للمنافسة على النفوذ بين القوتين العظميين، وحليف مهم وجدير بالثقة يمكنه التوسط خلال أوقات التصعيد.

وبينما يبدو دور أنقرة حاسما لتوفير الاستقرار في المنطقة، فإن غياب ثقل الولايات المتحدة واضح للغاية.

فرصة مهمة لأمريكا

تعتبر آسيا الوسطى منطقة غير مستغلة نسبيا بالنسبة للولايات المتحدة، فقد تسبب قرن من الحكم السوفيتي في جعل الدبلوماسية مستحيلة، فيما حافظ الكرملين على قبضة قوية على جمهورياته السابقة رغم تحولها إلى الحكم الذاتي.

لكن توسع نفوذ تركيا يبدو فرصة لواشنطن للمشاركة في حوار حقيقي مع المنطقة ذات القيمة الاستراتيجية العالية والآفاق الاقتصادية التي لا حدود لها. ومن منظور جغرافي، تقع آسيا الوسطى بين أكبر اثنين من المنافسين لأمريكا، وهما روسيا والصين،ما يعني أن أي نفوذ ستكتسبه واشنطن سيكون على حساب موسكو أو بكين.

وبينما تتوجه أمريكا نحو آسيا في محاولة لاحتواء نفوذ الصين، سيؤدي صعود النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى إلى إنشاء جبهة غربية غير متوقعة تعزز استراتيجية واشنطن لمواجهة الصين.

ويعد البحر الأسود مجالًا مهمًا آخر للتعاون المحتمل، ويمكن لإشراك أذربيجان أن يضاعف قدرات الناتو بالقرب من الشواطئ الروسية. وتوفر المنطقة الغنية بالموارد أيضا العديد من الفرص للشركات الأمريكية حيث تسعى بلدان آسيا الوسطى إلى تحسين البنية التحتية وتحديث جيوشها وتطوير أصول الطاقة. وبعد مئة عام من الحكم الشيوعي، ستجد القوة الناعمة الأمريكية شعوبًا تواقة لاعتناق القيم الغربية.

توافق مصالح تركي أمريكي

تعتبر آسيا الوسطى منطقة تتوافق فيها المصالح الأمريكية والتركية وبينما يتوسع نفوذ تركيا بسرعة في المنطقة، إلا أن أنقرة لا تزال تتخذ خطواتها بحذر لأن روسيا هي الطرف المهيمن في المناطق التي كانت خاضعة لها سابقًا. ومن شأن دعم أمريكي أن يوفر لتركيا مزيدا من الثقة للتعمق في هذه المنطقة الجغرافية.

ويمكن أن تكون استراتيجية تركيا تجاه المنطقة جزءا من الاستراتيجية الأمريكية الأوسع نطاقا ليتضاعف تأثيرها. كما يجب على واشنطن أن تستغل جهود تركيا لدعم وحدة آسيا الوسطى وخلق كتلة تركية في المنطقة. وإذا كانت أمريكا تريد تأثيرًا ووجودًا ذا مغزى في المنطقة، فيمكنها الاستفادة من الفضاء الدبلوماسي الذي أنشأته أنقرة.

وفي حين أن تركيا لديها مجموعة من المصالح المشتركة مع روسيا والصين، فإن رغبتها في الحفاظ على توازن في هذه المنطقة يمكن أن يكون فرصة للولايات المتحدة من أجل إنشاء غرفة عمليات لها في المنطقة.

ويمكن أن يكون للتعاون التركي الأمريكي في هذه المنطقة تأثير إيجابي على العلاقات الثنائية بين عضوي الناتو الحليفين. وبدلا من التعمق في خوض القضايا الخلافية بينهما مثل شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية "إس 400" أو الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، فيمكن أن يكون التعاون في آسيا الوسطى ملفا جديرا بالنقاش في الاجتماع الأول بين الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ونظيره التركي "رجب طيب أردوغان".

لقد أثبتت الأحداث واقعية الدور الذي كانت أمريكا تأمل أن تلعبه تركيا في آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فهل ستستفيد واشنطن من هذه الديناميكية المتغيرة أم ستصبح فرصة ضائعة أخرى؟

المصدر | يوسف إيريم/ ناشونال انترست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الولايات المتحدة أذربيجان آسيا الوسطى جو بايدن العلاقات التركية الأمريكية

خروج 100 مليار دولار من إيران في 9 سنوات.. وتركيا أكبر المستفيدين

آسيا من جديد.. توجه استراتيجي متعدد الأهداف للسياسة التركية

هل تفلح أفغانستان في إذابة جليد العلاقات التركية الأمريكية؟