ماذا تبني إسرائيل في موقع ديمونة النووي؟

الثلاثاء 9 مارس 2021 09:26 ص

أصدرت منظمة غير حكومية دولية مهتمة بوقف انتشار الأسلحة النووية مؤخرا صور أقمار صناعية تظهر أن إسرائيل منخرطة في بناء جديد في موقعها النووي في "ديمونة" للمرة الأولى منذ عقود. ويقوم المفاعل الإسرائيلي، الذي بدأ نشاطه في منتصف الستينيات، بتصنيع البلوتونيوم اللازم لمخزونها المكون من 80 رأسا نوويا حسب ما يتم تداوله من معلومات.

وأثار هذا الكشف فضول الخبراء النوويين ووكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم. وبعد أن استمر مفاعل "ديمونا" في العمل لفترة طويلة رغم الوصول لعمره الافتراضي المتوقع، تكهن البعض بأن إسرائيل ربما تبني مفاعل بلوتونيوم جديد. ويبدو ذلك غير مرجح، لأن هذا العنصر طويل الأمد، وقد أنتجت إسرائيل بالفعل ما يكفي لتلبية الاحتياجات الحالية أو المستقبلية. 

وإذا لم تكن إسرائيل بحاجة إلى مفاعل جديد ليحل محل المفاعل القديم، فما الذي يمكن أن تبنيه هناك الآن؟ حسنا، في مقابلة مؤخرا مع وكالة "أسوشييتد برس"، أشار "داريل كيمبال"، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة ومقرها واشنطن، إلى عنصر حاسم آخر في الرؤوس الحربية النووية، وهو "التريتيوم"، وهو أحد نظائر الهيدروجين المستخدمة لزيادة إنتاجية الرؤوس الحربية النووية. كما أنه يجعل التفاعل الانفجاري أكثر فاعلية، لذلك تكون هناك حاجة إلى وقود أقل.

وسمح "التريتيوم" بإحداث تقدم في تصميم الأسلحة، كما أنه يستخدم في القنابل النيوترونية المصممة لقتل البشر مع تقليل مساحة الانفجار. وقال "كيمبال" لوكالة "الأسوشييتد برس" إن "إسرائيل قد ترغب في إنتاج المزيد من التريتيوم، وهو منتج ثانوي مشع سريع التحلل نسبيا يستخدم لتعزيز القدرة المتفجرة لبعض الرؤوس الحربية النووية".

ويتم تصنيع التريتيوم، مثله مثل البلوتونيوم والمواد الأخرى المستخدمة في إنتاج الأسلحة النووية، في مفاعل نووي. ويمكن أن يتم إنتاجه عبر تشعيع معدن الليثيوم. ويعتبر هذا النظير أقل استقرارا من البلوتونيوم، ما يعني أنه يتطلب التجديد بشكل مستمر لاستخدامه في الترسانة النووية.

وتكهن الخبير النووي البارز "أفنير كوهين"، أنه إذا تم إيقاف تشغيل مفاعل "ديمونة" القديم، فستحتاج إسرائيل إلى مصدر جديد لإنتاج التريتيوم، أو ربما بناء مفاعل خصيصا لهذا الغرض. ويبدو أن البناء قد بدأ، وفقا لتحليل صور الأقمار الصناعية، التي تم التقاطها في وقت ما في أواخر عام 2018 أو أوائل عام 2019. ويعني هذا أن العمل قد تم على الأرجح منذ حوالي عامين. وتشير الصور الحالية بشكل أساسي إلى أعمال الحفر، ولكن لم يكن قد تم تشييد أي مباني بعد.

لكن لماذا تسير العملية ببطء شديد؟ حسنا، يمكن أن يشير ذلك إلى عدم اتخاذ قرار بين صانعي السياسات حول التوقيت وما إذا كان سيتم إغلاق المفاعل القديم، أو ربما تمنع قيود الميزانية تسريع وتيرة البناء.

الخطر النووي الحقيقي

ولكن لماذا أصبحت الصور متاحة للعامة الآن فقط بعد عامين من التقاطها؟ بالنظر إلى الخلاف الذي يلوح في الأفق بين إسرائيل والرئيس الأمريكي "جو بايدن" حول إحياء المفاوضات النووية مع إيران، من الممكن أن ترغب الإدارة الأمريكية في تذكير العالم بمكان الخطر النووي الحقيقي، وهو ليس في إيران.

والمفارقة في مشروع "ديمونة" هي أنه لا أحد يشكك في حق إسرائيل في صنع أسلحة نووية أو تحسين القدرة الفتاكة لترسانتها. ومع ذلك، في حالة ظهور جزيء واحد من اليورانيوم في إيران، يبدأ المجتمع الدولي بأسره في التأكيد على أن طهران على بعد أسابيع قليلة من الاختراق النووي والكارثة الوشيكة.

فلماذا الكيل بمكيالين إذن؟ لماذا يعتقد العالم أن لإسرائيل الحق في مثل هذه الترسانة الهائلة، وأنها ستحافظ عليها بشكل مسؤول، بينما لا يحق لإيران حتى الحصول على سلاح واحد، وأن الأخيرة إذا صنعت واحدا فإنها ستفجر العالم؟ ما الذي فعلته إسرائيل لتستحق مثل هذه المصداقية، وما الذي فعلته إيران حتى تستحق هذا المستوى من الاتهام؟

السيطرة على الأعداء

واعتبر "كوهين"، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" هو الأكثر حرصا على الطاقة النووية منذ "ديفيد بن جوريون"، الذي أسس البرنامج النووي للبلاد. وقد أبدى "نتنياهو" اهتماما كبيرا بالمشروع النووي وألقى العديد من الخطب، في كل من "ديمونة" وقبر "بن جوريون" القريب في "سديه بوكير"، مهددا إيران بالتدمير النووي.

ولا يعني هذا بالضرورة أن "نتنياهو" سيستخدم مثل هذه الأسلحة أكثر من رؤساء الوزراء السابقين. بل يعني هذا أنه يرى حاجة ماسة لإسرائيل لامتلاك قوة ردع نووي موثوق بها لإبقاء أعدائها تحت السيطرة. وهذا عنصر أساسي في استراتيجية إسرائيل الجيوسياسية، ووسيلة لإبراز القوة وضمان الهيمنة الإقليمية وصد تهديدات القوى المعادية في إيران وسوريا والعراق.

وفي الماضي، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "مناحيم بيجن" بشن هجوم على مفاعل نووي عراقي، وأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود أولمرت" بشن هجوم على مفاعل سوري يجري بناؤه في صحرائها الشرقية.

وينبع هوس "نتنياهو" ببرنامج إيران النووي من كرهه لأن يكون أول زعيم إسرائيلي يسمح لعدو بالانضمام إلى النادي النووي.

وعلى مدى العقد الماضي، لعبت الولايات المتحدة وإسرائيل دور الشرطي الجيد والشرطي السيء فيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني. واستخدم الرؤساء الأمريكيون مزيجا من التخريب السري والدبلوماسية العامة لتعزيز سياسة تقييد إيران، بينما دعت إسرائيل، في بعض الأحيان، إلى شن هجوم عسكري مباشر. وتعاون كلاهما في صنع البرمجيات الخبيثة السرية "ستوكس نت" التي دمرت أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.

لكن الولايات المتحدة لم تكن أبدا مستعدة للانضمام إلى هجوم على إيران، بالرغم من ضغط "نتنياهو". فهل يتحلى الزعيم الإسرائيلي بضبط النفس، أم يختبر تصميم "بايدن" والتزام إيران بالمفاوضات من خلال الاستمرار في اغتيال العلماء النوويين وتقويض النهج الدبلوماسي لحل الأزمة؟

لقد تعلم "بايدن" من التجارب السابقة لـ باراك أوباما" ألا يثق بـ "نتنياهو". وهو وضع لا يُحسد عليه أن يضطر المرء إلى عدم الثقة في كل من عدوه (إيران) وحليفه (نتنياهو).

المصدر | ريتشارد سيلفرشتاين/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الترسانة النووية الإسرائيلية مفاعل ديمونا مفاعل ديمونة الاتفاق النووي الإيراني بنيامين نتنياهو التريتيوم البلوتونيوم

تخفيها عن واشنطن.. صور أقمار صناعية تكشف أكبر منشأة نووية إسرائيلية

صور أقمار صناعية تكشف توسعات إسرائيلية كبيرة في مفاعل ديمونة النووي