هل يتحول النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا إلى حرب شاملة؟

الجمعة 12 مارس 2021 07:12 ص

يواجه السودان وإثيوبيا توترات غير مسبوقة بسبب نزاع حدودي تمتد جذوره لعقود من الزمن. وقضت الاشتباكات العنيفة حتى الآن على أي آمال في إيجاد أرضية مشتركة. ويدور الخلاف حول منطقة الفشقة، وهي منطقة من الأراضي الخصبة داخل الحدود الشرقية للسودان استقر فيها المزارعون الإثيوبيون، وتدعي أديس أبابا أنها تابعة لها.

واتهمت الخرطوم أديس أبابا بارتكاب "إهانة لا تغتفر"، بعد أن قالت وزارة الخارجية الإثيوبية في 17 فبراير/شباط الماضي إن الجناح العسكري للحكومة السودانية يروج لصراع لا يخدم سوى "مصالح طرف ثالث على حساب الشعب السوداني"، في إشارة إلى "جبهة تحرير شعب "تيجراي" التي تنخرط الحكومة الإثيوبية في صراع دامي معها منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ويأتي ذلك في أعقاب الجدل حول مشروع سد النهضة الإثيوبي على نهر النيل. ومنذ أن بدأت أديس أبابا بناء السد عام 2011، أعرب السودان ومصر عن قلقهما من المشروع، خشية أن يؤثر على حصصهما من مياه النيل. وفي فبراير/شباط الماضي، كرر السودان شكواه بشأن السد، ووصف وزير المياه السوداني "ياسر عباس" المرحلة الثانية لملء السد، والمقرر إجراؤها في يوليو/تموز، بأنها "تهديد مباشر للأمن القومي السوداني".

نزاع تاريخي

وبدأ النزاع الحالي باشتباك ميليشيات الأمهرة الإثيوبية وقوات الجيش السوداني على أجزاء من الفشقة تقع داخل حدود السودان المعترف بها دوليا. وأكد السودان حقه في الإقليم بالرغم أن الإثيوبيين استقروا هناك منذ فترة طويلة وزرعوا الأرض ودفعوا الضرائب للسلطات الإثيوبية.

ويمكن القول إن حدود الحقبة الاستعمارية خلقت غموضا حول المالك الشرعي للإقليم.

واتهمت إثيوبيا السودان بإرسال قوات إلى الفشقة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وبحلول ديسمبر/كانون الأول، قال الجيش السوداني إنه سيطر على معظم المنطقة. ومن وجهة نظر أديس أبابا، كانت الخرطوم تستفيد من تركيز إثيوبيا على نزاع تيجراي.

والتقى رئيس الوزراء السوداني "عبدالله حمدوك" نظيره الإثيوبي "آبي أحمد" في ديسمبر/كانون الأول 2020 لمناقشة النزاع الحدودي. ومع ذلك، لم يحرز الاجتماع تقدما يذكر، حيث تجددت الاشتباكات في أوائل يناير/كانون الثاني الماضي.

واتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية القوات السودانية بقتل العديد من المدنيين، بينما اشتبكت القوات السودانية والأمهرية مرة أخرى في وقت سابق في فبراير/شباط الماضي مع أنباء عن مقتل جندي سوداني.

وتتهم الخرطوم في المقام الأول ما تسميه الميليشيات الإثيوبية بمهاجمة مزارعيها، بينما نأت أديس أبابا بنفسها عن هذه القوات، واصفة إياها بالجماعات "الخارجة عن القانون"، وبالتالي تلقي باللوم على السودان لإذكاء صراع غير ضروري.

واستدعت وزارة الخارجية السودانية سفيرها لدى إثيوبيا في 17 فبراير/شباط الماضي، ما ينذر بخروج التوترات خارج نطاق السيطرة.

وقال "جوس ميستر" الباحث بمعهد "كلينجديل" إن الصراع الأخير في إثيوبيا بين الحكومة المركزية و"جبهة تحرير تيجراي" أظهر تحولا في موازين القوى داخل الائتلاف الحاكم في البلاد. وفي حين أن العديد من الجماعات العرقية كانت تسيطر على السلطة في السابق، فإن الحكومة المركزية تعتمد الآن بشكل شبه كامل على دعم الأمهرة في السياسة الداخلية.

تزايد المخاوف الإقليمية

وأثار فشل السودان وإثيوبيا في التقارب بينهما احتمالات الوساطة من القوى الخارجية. وتعد تركيا إحدى الأطراف المرشحة ليكون لها دور أكبر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، "دينا مفتي"، في مقابلة مع وكالة "الأناضول"، إن النزاع الحدودي لا يمكن حله إلا بالطرق الدبلوماسية، وحثت أنقرة على إخبار "إخواننا السودانيين" بأن الحرب ليست في مصلحة أي من البلدين.

ومع ذلك، ذكر "مفتي" أن القوات السودانية يجب أن تنسحب من منطقة الفشقة من أجل إحراز تقدم في المحادثات الدبلوماسية، ما يؤكد رغبة أديس أبابا في مواجهة الخرطوم. وفي غضون ذلك، سعت تركيا إلى تعزيز قوتها الناعمة في القرن الأفريقي، التي تتضمن استثمارات متزايدة في إثيوبيا، وبالتالي يمكنها دعم الوساطة لهذا السبب.

كما أبدى الاتحاد الأفريقي رغبته في التوسط. وأعلن الاتحاد عن إرسال الدبلوماسي الموريتاني "محمد حسن ولد لابات" لزيارة الخرطوم للمساعدة في تهدئة التوترات مع أديس أبابا، حسبما ذكرت صحيفة "الأخبار" الموريتانية يوم 17 فبراير/شباط الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، قال مصدر دبلوماسي أفريقي، في 19 فبراير/شباط الماضي، إن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، "موسى فقي"، اقترح مبادرة لاحتواء أزمة الحدود. وربط المصدر الدبلوماسي الخطوة بلقاء "لابات" برئيس مجلس السيادة السوداني "عبدالفتاح البرهان"، حيث سلمه رسالة خطية من "فقي"، بالرغم من عدم الكشف عن تفاصيل الخطاب. لكن المصدر أشار إلى أن رئيس الاتحاد الأفريقي ألقى باللوم على السودان في تفاقم الأزمة.

وقال "ميستر": "لا أعتقد أن لدى السودانيين، ولا الحكومة المركزية الإثيوبية، الرغبة في تصعيد الوضع الحدودي إلى حرب شاملة بين الدولتين. خاصة بالنظر إلى أن كلا النظامين أظهر درجة من التعاون في الصراع في تيجراي، ولديهما تداخل كبير من مؤيديهما الأجانب، وكلاهما يواجه مشاكل داخلية أكثر إلحاحا".

ويواجه السودان حاليا أزمة اقتصادية حادة، بدأت قبل الثورة التي أطاحت بـ"عمر البشير" في أبريل/نيسان 2019، وتفاقمت في ظل الحكومة الانتقالية اللاحقة التي تم تشكيلها في أغسطس/آب من ذلك العام.

وأدت جائحة الفيروس التاجي إلى تفاقم المشكلات الموجودة سابقا في البلاد، بما في ذلك تفاقم التضخم ونقص العملة الصعبة. كما تواجه الحكومة الانتقالية في الخرطوم احتجاجات مستمرة بسبب الظروف الاقتصادية والمعارضة العامة لشخصيات حكومية مرتبطة بجرائم حرب.

وفي الوقت نفسه، تعتبر إثيوبيا الصراع في تيجراي ضرورة ملحة للغاية. لذلك فإن القضايا المحلية لكلا البلدين ستفوق في الوقت الحالي أي رغبة في مواجهة بعضهما البعض بشأن قضية حدود الفشقة.

وأشار "ميستر" إلى أن "الحكومتين في وضع ضعيف لكبح جماح الفاعلين المحليين في كل من البلدين، ما يؤجج التوترات، خاصة مع أهمية هؤلاء الفاعلين في دعم النظام الحاكم في اللبلدين".

وإذا ظلت جهود الوساطة لحل الأزمة غير مجدية، فقد تظهر المزيد من التوترات طويلة الأجل بين السودان وإثيوبيا، خاصة مع عدم حل أزمة سد النهضة، ما قد يؤدي إلى زيادة الانقسامات السياسية داخل القرن الأفريقي.

المصدر | جوناثان هارفي | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الفشقة نزاع حدودي القرن الأفريقي الصراع السوداني الإثيوبي إقليم تيجراي

خبراء: نزاع الفشقة يزيد التوتر بين مصر والسودان وإثيوبيا

السودان يشيد جسرا في منطقة الفشقة المتنازع عليها مع إثيوبيا

من جديد.. السودان يعلن ضبط أسلحة مهربة بحدود إثيوبيا

السودان يضع شرطين للتفاوض مع إثيوبيا حول الحدود