تركيا والجيش الوطني السوري.. معادلة صعبة ومستقبل غامض

الجمعة 19 مارس 2021 02:54 ص

أطلق الجيش التركي 4 حملات عسكرية في شمال سوريا منذ صيف 2016 وحتى أوائل 2020. كانت الحملة الأولى، عملية "درع الفرات"، وهي المرة الأولى التي قامت فيها إحدى دول "الناتو" بنشر تشكيلات تقليدية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية". واستهدفت الحملتان الثانية والثالثة، وهما عملية "غصن الزيتون" وعملية "نبع السلام"، حزب العمال الكردستاني والجماعات التابعة له في سوريا. وقد أدى ذلك إلى خلافات خطيرة بين تركيا وحلفائها الغربيين. وكانت الحملة الأخيرة، عملية "درع الربيع" ضد قوات النظام السوري ردا على مقتل 36 جنديًا تركيًا في غارة جوية روسية - سورية مشتركة.

ولطالما تجنبت السياسة الخارجية التركية التدخل في الشؤون العربية الداخلية، لكن سوريا كانت نقطة التحول. فبعد عدة سنوات من اندلاع الحرب الأهلية السورية، تبنت تركيا أولويات دفاع وطني أكثر رصانة، والتي تضمنت أولاً وقبل كل شيء، القضاء على التهديدات الإرهابية على عتبة تركيا، بما في ذلك تنظيم "الدولة الإسلامية"، وإجهاض مساعي إنشاء دولة كردية يقودها حزب العمال الكردستاني على طول الحدود التركية السورية.

ولم يعمل الجيش التركي بمفرده خلال هذه الحملات العسكرية فقد دعمت تركيا عددا من فصائل المعارضة المسلحة بما في ذلك الجيش السوري الحر. ومع اندماج الفصائل الموالية لتركيا في كيان أكبر وهو الجيش الوطني السوري في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ركزت أنقرة على الاستثمار في هذا الجيش باعتباره كيانًا عسكريًا مؤسسيًا حليفا للجيش التركي في شمال سوريا.

الطريق إلى تشكيل جيش وطني

يعتبر أفضل وصف للجيش الوطني السوري هو "اتحاد لجماعات المعارضة المسلحة" مع حوالي 40 فصيلا شاركت جميعها في اندماج أكتوبر/تشرين الأول 2019. وفي الوقت الحاضر يقدر أن الجيش الوطني السوري قادر على تعبئة 70 ألف مقاتل.

ويهيمن العرب على الجيش الوطني الذي يتمتع بتمثيل جغرافي واسع من جميع أنحاء سوريا، ومع ذلك فإن العنصر التركماني فيه مهم. وقبل الاندماج في 2019، كان لدى التركمان السوريين من أصل تركي ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف مقاتل في صفوف المعارضة المسلحة. ولكن ثقل هذه المجموعات أكبر بكثير من عددها حيث تتمتع بصلابة قتالية ولديها انضباط ودوافع عالية للقتال.

وعلى سبيل المثال، فخلال الهجوم الأخير لعملية "درع الفرات" في مدينة الباب، استولت فرقة "السلطان مراد"، وهي تشكيل قتالي تركماني معروف، على المناطق المحيطة بالصوامع في جنوب المدينة. ومن وجهة نظر عسكرية، فقد وضعت الفرقة نفسها بشجاعة في منطقة اشتباك متعددة الجبهات بين مقاتلي "الدولة الإسلامية"، الذين كانوا في الشمال وقوات النظام السوري في الجنوب الشرقي. ومكنت مناورة الفرقة الحملة التركية في الباب من السيطرة على أكثر المرتفعات أهمية في منطقة العمليات، جبل عقيل.

ما هو القادم بالنسبة للجيش الوطني السوري؟

كان مستقبل الجيش الوطني، لا سيما بعد انتهاء الحرب، القضية الأكثر أهمية التي تحتاج إلى دراسة من قبل صناع القرار الأتراك. فقد قاتلت عدة مجموعات في الجيش السوري الحر سابقا (موجودة الآن في الجيش الوطني السوري) إلى جانب الجيش التركي في حملاته العسكرية في سوريا، وقامت تركيا بتدريبهم وتسليحهم والاستثمار فيهم بشكل استراتيجي. بمعنى آخر، من الصعب التفريط في هذا المجهود. 

وتشير معلومات استخبارية مفتوحة المصدر إلى أن تركيا بدأت في تنفيذ إصلاحاتها الخاصة بقطاع الأمن داخل صفوف المعارضة المسلحة. على سبيل المثال، افتتحت "فرقة الحمزة" (وهي مكون سابق لبرنامج التدريب والتجهيز الأمريكي في سوريا وجزء من التحالف الموالي لتركيا) أول أكاديمية عسكرية للقوات الخاصة في بلدة أعزاز شمال سوريا في أواخر عام 2020. وبالمثل، قامت فرقة "السلطان مراد" بتشغيل مركز تدريب عسكري في بلدة عفرين، تم الاستيلاء عليه من حزب العمال الكردستاني في عملية "غصن الزيتون" عام 2018.

وبالرغم من خارطة الطريق التي وضعتها نحو إضفاء الطابع المؤسسي على الجيش الوطني، تواجه تركيا تحديات مختلفة. أولاً، هناك تنافسات داخل الجيش الوطني تجعل تماسكه مصدر قلق كبير لتركيا. فقد ظهرت توترات عنيفة بين بعض الفصائل المنضوية في الجيش بشكل يهدد وحدته. فعلى سبيل المثال، اشتبكت "أحرار الشام" و"أحرار الشرقية" مع بعضهما البعض عدة مرات.

ثانيًا، تثير الأيديولوجيات المتنوعة داخل الجيش الوطني مخاوف بشأن قبولها بين الدول الغربية. فلا تشترك كل العناصر داخل الجيش في نفس النظرة للعالم، حيث إن القضية الوحيدة التي يجتمعون عليها حاليا هي كفاحهم ضد قوات النظام. لذلك فإن أهدافهم من التسوية السياسية ما بعد الحرب مختلفة بشكل كبير.

والأهم من ذلك، أن الحلفاء الغربيين التقليديين لتركيا ليس لديهم آراء إيجابية فيما يتعلق بأطراف معينة داخل الجيش الوطني. فلا تزال "أحرار الشام"، على سبيل المثال، من بين أكبر الفصائل داخل الجيش، في الوقت الذي يعتبرها بعض الخبراء "طالبان السورية'' بسبب أيديولوجية الجماعة وطموحاتها الجيوسياسية. إضافة إلى ذلك، يصف البعض "أحرار الشرقية"، بأنه "جماعة متطرفة"، وبغض النظر عما إذا كانت هذه التقييمات دقيقة أم لا، فإن هذه الآراء تمثل وجهة النظر السائدة في الغرب والتي تؤثر بعمق على المجتمعات السياسية عندما يتعلق الأمر بأي سيناريو ما بعد الحرب.

ومن المرجح أن تبقى هذه التصورات وتحد من الدبلوماسية التركية وقدرات الاتصالات الاستراتيجية وسط توترات أنقرة المتزايدة مع العواصم الغربية.

أخيرًا، هناك شكوك فيما يتعلق بدمج الجيش الوطني في عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة المتوقعة بعد الحرب. فبالمقارنة مع الغرب، فإن روسيا وإيران لديهما مواقف أكثر سلبية تجاه جماعات المعارضة السنية المسلحة في سوريا. وبالنظر إلى الموقف الطائفي للنخبة العلوية في النظام السوري، فإن دمج أي مكونات من الجيش الوطني السوري مع قوات النظام سيكون أمرًا شاقًا للغاية، إن لم يكن مستحيلًا تمامًا. علاوة على ذلك، لا تزال "أحرار الشام" تعتبر الإطاحة بنظام "الأسد" البعثي هدفها الأيديولوجي الرئيسي. وبالتالي، يبقى أن نرى ما إذا كان الجيش الوطني بأكمله على استعداد لتوقيع عقد اجتماعي أوسع نطاقاً في فترة ما بعد الحرب.

وإذا لم يشارك الجزء الأكبر من الجيش الوطني بشكل مباشر في إعادة هيكلة القوات المسلحة ما بعد الحرب، فسيتعين على تركيا التعامل مع عبء هائل لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. وقد يكون هذا أكثر صعوبة من دمج الجيش الوطني في قطاع أمني سوري أوسع. إن نزع سلاح الآلاف من القوات شبه العسكرية الذين ظلوا يقاتلون منذ أكثر من عقد هو مهمة شبه مستحيلة. والأسوأ من ذلك، أن سوريا أصبحت بالفعل أكبر مستودع أسلحة في العالم. وبالتالي، يمكن لهذه الجماعات أن تجعل ساحة المعركة أكثر عنفًا إذا اختارت القيام بذلك.

ويعتبر نزع سلاح فصائل الجيش الوطني، والذي سيكون الشرط الأول لأي عملية إعادة هيكلة، خارج نطاق الخيارات الواقعية لتركيا. علاوة على ذلك، هناك اقتصاد الحرب حيث تتمتع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء سوريا، بدءًا من الميليشيات الموالية للنظام إلى فصائل المعارضة المسلحة، بفوائد اقتصادية معينة من القتال الذي خاضوه منذ سنوات. لذلك، من الصعب إقناعهم بالتكيف مع اقتصاد عادي في زمن السلم. والأهم من ذلك، لا يمكن اعتبار ولاء فصائل الجيش الوطني أمرًا مفروغًا منه إذا طلبت تركيا منهم إلقاء السلاح.

تحديات أمام الخيار الأسوأ في تركيا

يظل الجيش الوطني المشروع الأكثر طموحًا لتركيا في شمال سوريا. لقد تطورت القدرات القتالية لعناصره على مر السنين، ووصلت إلى مستوى كبير في الوقت الحاضر، حتى أن تركيا نقلت بعض هذه الجماعات شبه العسكرية إلى الجبهة الليبية.

ويمكن مقارنة القوة البشرية المتوفرة في الجيش الوطني بتلك الموجودة في قوات النظام، بالرغم من افتقار الجيش الوطني إلى عناصر القوة الاستراتيجية التي تتمتع بها قوات "الأسد"، بما في ذلك القوة الجوية والقوات الصاروخية وقدرات الحرب الكيماوية والدروع الثقيلة.

وقدم نظام "البعث" في سوريا منذ عهد حافظ "الأسد"، مساحة صغيرة للأغلبية السنية في وحدات النخبة في الجيش النظامي. وهكذا، عندما اندلعت الحرب الأهلية واكتسبت بسرعة طابعًا طائفيًا، كان على المعارضة المسلحة ضم آلاف المقاتلين ذوي المهارات القتالية القليلة. وقد استغلت شبكات متطرفة كثيرة هذا الفراغ، وكان أبرزها تنظيم "الدولة الإسلامية".

في الوقت الحالي، قد تؤتي جهود تركيا لتوحيد وتدريب المعارضة المسلحة ثمارها إذا تمت إدارة عملية إصلاح قطاع الأمن بعد الحرب بحكمة. ومع ذلك، إذا فشلت جهود نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، فقد يأتي اليوم الذي يجب فيه نزع سلاح فصائل الجيش الوطني بالقوة. وفي تلك المرحلة، سيتعين على الإدارة التركية التعامل مع معركة شاقة.

المصدر | جان قصاب أوغلو/ جيمس تاون – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

درع الفرات الجيش السوري الحر الدور التركي في سوريا أحرار الشام الجيش الوطني السوري

تعرف على "الجيش الوطني السوري" المساند لتركيا في نبع السلام