استراتيجية الإمارات الدفاعية.. طموح واسع يصطدم بحقائق الواقع

الجمعة 26 مارس 2021 11:01 م

قبل أن تتوحد تحت علم واحد في عام 1971، واجهت المشيخات السبع التي شكلت دولة الإمارات غارات واحتكاكات داخلية لا حصر لها. ولم يجدوا السلام والاستقرار إلا بعد أن وقّعت المشيخات على الاتفاقية الحصرية لعام 1892 مع بريطانيا العظمى. ولكن القرار البريطاني في عام 1968 بسحب القوات من "شرق السويس"، أثار قلق المشيخات السبع ودفعها إلى إنشاء دولة الإمارات بقيادة أبوظبي بحلول عام 1971.

ولم تكن دولة الإمارات مصدر قلق كبير لصانعي السياسة الغربيين في أوائل السبعينات، فقد كانوا أكثر قلقا بشأن إيران والسعودية، التي اعتبروها مفاتيح استقرار الخليج بعد انسحاب بريطانيا. في الواقع، شعرت الإمارات أيضًا بالتهديد من قبل جارتيها (السعودية وإيران) في الشرق والغرب.

خاضت إيران حربًا طويلة الأمد مع العراق، وهيمنت السعودية على مجلس التعاون الخليجي، ولذلك كان على الدولة الوليدة أن تحمي نفسها. ولكن مثل معظم الدول الصغيرة ذات الطموح المفرط، فإن إمكاناتها تبقى محدودة.

تعود الأصول الحديثة للقوات المسلحة الإماراتية إلى عام 1951 مع تشكيل كشافة "عمان المتصالحة"، وهي مجموعة شبه عسكرية شكلها البريطانيون والتي أصبحت قوة الدفاع الرئيسية لدولة الإمارات بعد توحيد المشيخات السبع.

وعلى مدى العقود العديدة الماضية، لعبت باكستان دورًا رئيسيًا في تطوير القوات المسلحة الإماراتية. ففي عام 1968، طلب الأب المؤسس لدولة الإمارات، الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان"، من باكستان المساعدة في تدريب قوته الدفاعية، وتسارعت وتيرة التعاون بعد أن تأسست دولة الإمارات في عام 1971، وتوحدت مليشيات الإمارات السبع في عام 1976، وأنشأت القوة البرية مقرها في أبوظبي في عام 1989.

دربت باكستان وحدات المدفعية والمدرعات الإماراتية، وفي عام 2003 حصلت الإمارات على أول دبابة قتال رئيسية. وقد ساعدت باكستان في تدريب القوات الجوية الإماراتية، حيث أرسلت عشرات الخبراء والمدربين لتدريب الطيارين الإماراتيين. وقد وقع البلدان اتفاقية تعاون دفاعي في عام 2006.

أقنع غزو العراق للكويت عام 1990 الإمارات بتعزيز قواتها المسلحة. وبالإضافة إلى هدف الدفاع عن وحدة أراضيها، تطمح الإمارات أن تصبح رائدة إقليميا تتمتع بقدرة على إبراز القوة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تضم القوات المسلحة الإماراتية حوالي 65 ألف فرد، 4 آلاف منهم  في القوات الجوية و2500 في القوات البحرية الوليدة. وبالرغم من إدخال التجنيد الإجباري للمواطنين في عام 2013، تعتمد القوات المسلحة الإماراتية بشكل كبير على المغتربين. فمثل معظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، يوجد لديها عدد قليل من السكان الأصليين والكثير من الموارد المالية.

ومن المعلوم أنه من بين سكان الإمارات البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، 12% فقط هم مواطنون إماراتيون. لذلك، تقوم الدولة بتجنيد الأجانب من البلدان النامية، في الغالب كجنود مشاة، بالرغم أن البعض يقوم بعمليات معقدة، بما في ذلك تدريب الطيارين وإصلاح المعدات وصيانتها. ويعتبر ما نسبته 70% من القوات الإماراتية من عمان واليمن. هناك أيضًا بضعة آلاف من المتعاقدين من تشاد وتشيلي وكولومبيا والنيجر والصومال والسلفادور وليبيا وأوغندا.

وتعد الإمارات مستوردا كبيرا للأسلحة، وتأتي في المرتبة الثانية بعد السعودية في الشرق الأوسط. وبلغ إجمالي ميزانية الدفاع الإماراتية 16.4 مليار دولار في عام 2019. وتمتلك القوات المسلحة الإماراتية مجموعة متنوعة من المعدات العسكرية، بما في ذلك 77 طائرة مقاتلة من طراز "إف-16" و 63 طائرة مقاتلة من طراز "ميراج-2000" و 436 دبابة قتال رئيسية من نوع "ليكلرك" فرنسية الصنع.

ويتكون الأسطول البحري للإمارات من 9 طرادات وكاسحتي ألغام وعشرات من زوارق الدورية والهجوم. وفي عام 2019، طلبت الإمارات طرادات فرنسية الصنع من طراز "جويند". وبالنظر إلى الحجم الكبير للقوات الجوية والبحرية لدولة الإمارات فإن الأرقام الرسمية لعدد الأفراد في قواتها المسلحة يجب أن يتم التدقيق فيها، فقد لا تكون الإمارات راغبة في الاعتراف بأن تواجد الأجانب في قواتها المسلحة أكبر بكثير مما يتم إعلانه.

أطلق وزير الدفاع الأمريكي السابق "جيمس ماتيس" ذات مرة على الإمارات لقب "إسبارطة الصغيرة"، لكن هذه المقارنة فيها مبالغة للغاية فلم يتم اختبار جيش الإمارات في ميدان المعركة. في الواقع، لم تتضمن بعثات حفظ السلام الأجنبية التي انضمت الإمارات إليها قتالًا. ولم تشارك قواتها البرية المنتشرة في اليمن في القتال.

ولم تكن أي من الخسائر في الأرواح التي تكبدتها الإمارات في اليمن مرتبطة بالقتال. وعندما لقي 52 من أفراد الخدمة الإماراتيين مصرعهم في سبتمبر/أيلول 2015 كان ذلك جراء صاروخ حوثي أصاب مستودع ذخيرة في محافظة مأرب. وقد نتجت جميع الخسائر الأخرى عن الألغام الأرضية وحوادث الطرق ونيران العدو دون قتال مباشر.

وفضلا عن ذلك، فإن العمليات القتالية للإمارات في اليمن (وكذلك ليبيا وسوريا) هي حملات جوية فقط. وتعتمد الإمارات في اليمن على الحلفاء والوكلاء، وخاصة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، للقتال نيابة عنها والمساعدة في تأمين سيطرتها على الساحل اليمني على بحر العرب وخليج عدن.

وقد تكون القدرات العسكرية لدولة الإمارات محدودة لكن طموحاتها ليست كذلك، حيث أطلقت أبوظبي مشاريع باهظة مثل استكشاف المريخ وعدد من مشاريع البنية التحتية العملاقة مثل مطار "آل مكتوم" الدولي في دبي، وبرج "خليفة" وميناء "جبل علي"، ومشروع القناة الترفيهية و"الاتحاد أرينا". ونظريا فإن أي دولة صغيرة تستثمر بكثافة في مثل هذه المشاريع لا تكون مهتمة بخوض الحروب.

ومع ذلك، فإن الإمارات مهتمة بإبراز قوتها في الخارج. ففي عام 2018، احتلت الإمارات جزيرة سقطرى اليمنية ذات الموقع الاستراتيجي بالقرب من القرن الأفريقي. وتعد الجزيرة من الأصول الرئيسية لأبوظبي، خاصة بعد أن ألغت خططًا لبناء قاعدة في بربرة في أرض الصومال العام الماضي، كما فككت قاعدتها في ميناء "عصب" بإريتريا الشهر الماضي وسط مخاوف أمريكية بشأن مشاركتها في حرب أديس أبابا ضد تيجراي. ونقلت الإمارات معداتها من "عصب" إلى جزيرة ميون اليمنية وقاعدة "سيدي براني" المصرية قرب الحدود الليبية.

وينشط سلاح الجو الإماراتي في قتال الجيش المصري ضد الجماعات التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال سيناء. كما أن الطيارين الإماراتيين الذين كانوا في مهمة تدريبية مع القوات الجوية الإسرائيلية قصفوا غزة في عام 2018. وقد وصف مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق "ريتشارد كلارك" الإمارات بأنها "قوة من أجل السلام"، بالرغم أن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" بذل قصارى جهده لقمع الانتفاضات العربية ومنع سقوط الطغاة العرب. وقد قالت المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، "تمارا كوفمان ويتس"، إن الولايات المتحدة خلقت "فرانكشتاين صغير" (وحش صغير) من خلال تسليح الإمارات.

ومنذ تعيينه سفيراً في واشنطن في عام 2008، أعطى "يوسف العتيبة" انطباعًا بأن الولايات المتحدة والإمارات حليفان وثيقان. وقال "العتيبة": "نحن مختلفون عن جيراننا العرب، ونحن أفضل أصدقاء للأمريكيين في هذا الجزء من العالم".

وقد أحاط "العتيبة" نفسه بفريق علاقات عامة قوي، بما في ذلك مسؤول أمريكي سابق، وأقام حفلات مبهرة وقدم مساهمات سخية لمراكز الفكر والسياسة البارزة. لقد جعله "كرمه" رجلًا قويًا في واشنطن، ما مكنه من التأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة ورسم صورة لدولة الإمارات كفاعل موثوق به من أجل الاستقرار الإقليمي.

انضمت الإمارات إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، وقدمت أكبر دعم جوي للقوات الأمريكية في البلاد. كما شاركت في قوة حفظ السلام التابعة للناتو في كوسوفو وقوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان. وأظهرت استعدادًا للذهاب إلى أي مكان تريده الولايات المتحدة. ولعل هذا هو السبب في أن قرار الرئيس "جو بايدن" بتعليق بيع طائرات "إف-35" وطائرات بدون طيار "إم كيو 9"  جاء بمثابة صدمة لأبوظبي.

ومن غير المرجح أن تقطع الولايات المتحدة علاقاتها مع الإمارات. ومع ذلك، ستسعى الإدارة الجديدة في واشنطن إلى كبح سياسة أبوظبي الإقليمية العدوانية، والتي لم تؤد إلا إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ويعكس قرار أبوظبي تفكيك قاعدتها في عصب إدراكها بأن "بايدن" غير راضٍ عن دورها في الحملة العسكرية لإثيوبيا في تيجراي وعلاقاتها المتنامية مع روسيا والصين.

المصدر | هلال خاشان | جيبوليتكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاستراتيجية الدفاعية الإمارات طائرات اف 35 الجيش الإماراتي العلاقات الإماراتية الأمريكية

الإمارات وروسيا تبحثان التعاون في إنشاء صناعة عسكرية مشتركة

إعلام عبري: إسرائيل تسعى لإجراء مناورة عسكرية مع الإمارات

فرنسا تخسر عقد تدريب بحرية الإمارات على طرادات جويند.. من المستفيد؟