استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«كُشَري» التدخل الروسي في سوريا

الاثنين 19 أكتوبر 2015 04:10 ص

أحدث التدخل الروسي في سوريا انقلاباً في الموازين السورية والإقليمية، ومازالت مفاعيله وتطوراته مفتوحة على مروحة واسعة من الاحتمالات. خلط التدخل الروسي في سوريا نابل التوازنات السورية الداخلية بحابل الحسابات الإقليمية للأطراف المنخرطة في الصراع في سوريا وعليها، حتى بدا المشهد المعقد والمختلط أشبه ما يكون في شكله ومضمونه بأكلة «الكُشَري» المصرية.

يُعَدّ «الكُشَري» الأكلة الشعبية المصرية الأكثر انتشاراً، ويتضمّن صحن «الكُشَري» خليطاً يبدو متنافراً من مكوناته الأساسية: الأرز والشعيرية ونوعين من المعكرونة، مضافاً إليها بمقادير أقل العدس وحبّات الحمص وشرائح البصل المقلي. ويضاف للأكلة عند التقديم كمية من صلصة البندورة المبهّرة بجوز الطيب لتسهل على الآكلين ابتلاع الكميات الجافة نوعاً، وفي النهاية تضاف الشَّطَة الحارة السائلة والخل المختلط بالثوم ضماناً لمذاق حار ووقتاً أقل في التهام «الكُشَري» متنافر المكوّنات.

وبخلط المكونات مع بعضها البعض، يتوحّد المذاق تحت عنوان رئيس هو المذاق الحار الذي تُضفيه الشطة. بعد الانتهاء السريع من أكل «الكُشَري» يأتي دور صحن صغير من الأرز بالحليب، لمصالحة لسانك بالمذاق الحلو، بعدما أرهقه المذاق الحار. بخلاف الطعم الاستثنائي للأكلة، يمكنك التمتع بمتابعة مهارة أسطى «الكُشَري» الواقف على منصة عالية وأمامه صواني المكونات، حيث يتنقل بمغرفته بين الصواني بسرعة وإحكام، متحكماً في مقادير المكونات التي يضعها في الصحن، ومستعيناً على رتابة حركته المتكررة والمتنقلة بين الصواني بالطَّرق على حافة أحدها مرتين بالمغرفة لتقطيع الحركة. وفي النهاية تكلف الأكلة بمستتبعاتها أقل من دولار واحد في أرقى محال «الكُشَري» بالمدن المصرية، ما يجعلها مرغوبة ولا ترهق الميزانية.

«كُشَري» بوتين

أما التدخل العسكري الروسي في سوريا فقد أفرز مشهداً إقليمياً متنافر المكونات والمذاقات، مثل أكلة «الكُشَري» المصرية تماماً. لكن قبل استعراض التنافر في مكونات خطة بوتين السورية، تنبغي ملاحظة أن العامل الأساس في حسابات بوتين كان السعر السياسي المنخفض التكاليف ـ نسبياً ـ لتدخله في سوريا، تماماً مثل أكلة «الكُشَري».

بمعنى أن روسيا ـ تمثل أقل من 3 في المئة من الاقتصاد العالمي ـ يناسبها استغلال الثغرات في مواقف أميركا ـ القطب الدولي الأوحد المتراجع الذي يمثل أكثر من 20 في المئة من الاقتصاد العالمي ـ والمساحات التي تركتها في الشرق الأوسط والنظام الدولي؛ للضغط عليها بتكاليف زهيدة لجرجرتها إلى طاولة تفاوض تتناول ملفات جيوسياسية واسعة تبدأ بسوريا ولا تنتهي عند أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

وللوصول إلى هذه المقايضة الصعبة والتي تتمنّع عنها واشنطن حتى الآن، يستخدم بوتين أكثر أنواع البهارات الحرّيفة المتاحة ـ شطّة «داعش» ـ ليحاصر أوباما ويظهر نفاقه وعدم رغبته في محاربة التنظيم الإرهابي بالجدية اللازمة.

هنا تلعب القدرات العسكرية الروسية الكبيرة دورها في مواجهة التنظيم الإرهابي والفصائل المسلحة للمعارضة على الأرض السورية، لكونها لا تملك سلاح طيران ولا وسائل الدفاع الجوي. ولكن مع التسليم بالقدرة المجرّبة للبهارات الحريفة في توحيد المذاق والتغلب على غدد التذوّق في الفم، إلا أن التنافر الواضح لمكوّنات البيئة الإقليمية التي يطبق عليها بوتين خطته، أي الشرق الأوسط، يجعل من مهمته صعبة بالفعل.

تنافر المكوّنات والمذاقات الإقليمية

تحاربت القوى الإقليمية بالوكالة في ساحات المنطقة من قبل التدخل الروسي في سوريا بسنوات، فأصبح الاصطفاف الإقليمي قائماً بين ما يُسمّى «محور الممانعة» وما يُسمّى «محور الاعتدال».

خطة بوتين تضرب ذلك الاصطفاف الإقليمي وتخلخل أسسه وتكشف الثغرات في شعاراته، بعد أن تخلط المكوّنات على نحو فريد. ومثله مثل أسطى «الكُشَري» يضيف بوتين المقادير متضاربة المذاق بسرعة ومهارة، ويقطع حركته المتواصلة بتصريحات مدروسة التضارب لتكريس التوازنات الجديدة في سوريا والمنطقة عبر خلط المكونات والمذاقات الإقليمية المتضاربة.

صحيح أن لما يُسمى «محور الاعتدال» مصلحة في إظهار الامتعاض والتململ من أوباما وسياساته الشرق أوسطية، وحاول في السنتين الأخيرتين خطب ودّ روسيا بوسائل شتى لذلك السبب، إلا أن المصالح العميقة لهذا المحور ودوره في النظام الدولي وسوق الطاقة العالمية تصبّ وتتأطر ضمن التحالف مع واشنطن وليس غيرها.

كما أن إيران قائدة ما يُسمّى «محور الممانعة»، أبرمت الاتفاق النووي مع واشنطن قبل غيرها، لفتح الأبواب أمام نفوذها الإقليمي بضوء أخضر أميركي، برغم علاقاتها الوثيقة مع روسيا خلال السنوات السابقة.

دخل بوتين سوريا استجابة لطلب رسمي من «الجهات السيادية السورية»؛ فكان أن نسق دخوله منذ البداية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تلافياً لاشتباكات جوية بين الطائرات الروسية الداعمة لـ «السيادة السورية» والمستجيبة لطلباتها بالتدخل، وبين الطائرات الإسرائيلية المنتهكة لـ «هذه السيادة».

وإذ يرسم بوتين خططه العسكرية في سوريا بالتعاون مع «محور المقاومة» الذي يضم إيران والعراق والنظام السوري و«حزب الله» اللبناني من ناحية، ودولة الاحتلال الإسرائيلي من ناحية ثانية، تلك التي يؤمن لها التعاون مع روسيا المشاركة في رسم مستقبل التوازنات على الأرض وبالتالي نتائجها التفاوضية.

في المقابل، يثمّن «محور الاعتدال» الموافقة الضمنية الروسية على الحرب التي يشنها أركان هذا المحور على الحوثيين في اليمن والامتناع عن استعمال «حق النقض» في مجلس الأمن ضد القرار 2216، الذي يضفي غطاء شرعياً على هذه الحرب، لكن المحور ذاته يعود للتنديد بالتدخل الروسي في سوريا.

كما ينعى «محور الاعتدال» على بوتين تدخله في الشؤون السورية باعتبار أن ذلك التدخل ضد «مصلحة الشعب السوري»، وكأن التدخل الأميركي الجوي في سوريا كان لمصلحة الشعب السوري ذاته. ومثله مثل «الكُشَري»، فقد أفقد التدخل الروسي في سوريا الاصطفافات الإقليمية في المنطقة مذاقاتها وحتى مسمّياتها، بعدما خلط حابل المكونات متنافرة المذاق بنابل الاشتعال العسكري المحسوب في سوريا، فلم يعُد الأرزّ أرزّاً أو المعكرونة كذلك، ومثلهما لم تعد «الممانعة» و «الاعتدال» على حالهما السابق.

«ممانعة» ضد مَن وروسيا تضم الخصمين إيران وإسرائيل في خطة واحدة حريفة المذاق؟ و»اعتدال» مقابل مَن وتنظيم «داعش» يضرب بجذوره الفكرية والعقائدية في أرضية مشتركة مع قيادة هذا المحور؟

في انتظار المستتبعات

يستحضر بوتين بتصميم واضح ما تبقى في جعبته من نوستالجيا سوفياتية لإصابة أهداف ثلاثة: مقارعة واشنطن إعلامياً وسياسياً، وتصبير مواطنيه على ضيق المعاش، ومغازلة شعوب المنطقة التواقة لعالم متعدد الأقطاب. برع بوتين حتى الآن ـ والحق ينبغي دوماً أن يُقال ـ في خلط المكوّنات وفي المزج بين استخدام النوستالجيا السوفياتية مع الشطة والبهارات الحريفة لإنتاج «كُشَري» من نوع فريد يجمع بين الأضداد، ويختلف في مكوّناته ومذاقه الحاد عن سلاسة «مجدرة» و «مدردرة» أهل الشام.

لا يصحّ تناول صحن «الكُشَري» من دون مستتبعاته: إما «الكِمَالة» أي صحن إضافي أصغر للاستزادة، أو الوصول إلى النهاية مع الأرز بحليب لغسل غدد التذوق المنهكة بفعل المذاق الحار بآخر حلو.

لا يعلم أحد المدى الزمني لعمليات روسيا العسكرية في سوريا، فذلك أمر مرتهن بعوامل كثيرة لا تنحصر في خطط بوتين أو رغباته وحده وإنما أيضاً بخطط أوباما المضادة.

وبسبب غموض وتردد أوباما في المواجهة أو التفاهم مع بوتين، تدلّ شواهد الأمور على أن المنطقة لن تكتفي ـ على الأرجح ـ بازدراد صحن واحد من «كُشَري» بوتين الحار، بل ستطلب «الكِمَالة» حتى اتضاح صورة الوضع النهائية.

وحتى ذلك الحين سينشغل الجميع بماهية أرزّ بوتين بالحليب ومدى حلاوته وقدرته على غسل ما أصاب غدد التذوق والمنطقة من إنهاك. التوصيف الأدق للوضع الآن: «خبصة»، كما يقول أهلنا في الشام، أو «كُشَري»، كما نقول في مصر!

  كلمات مفتاحية

سوريا روسيا إيران إسرائيل السعودية محور الممانعة الدولة الإسلامية التدخل الروسي العسكري

فصائل سنية تتعهد بمحاربة القوات الروسية إذا دخلت العراق

الضربات الروسية في سوريا .. بين تأييد مصر وصمت الأردن والعرب