استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السلطوية وتحديات المرحلة

الخميس 8 أبريل 2021 07:58 ص

السلطوية وتحديات المرحلة

المواطن الفاقد للحقوق والقابل بدون حدها الأدنى هو المواطن النموذجي للحالة التسلطية.

منطلق النظام التسلطي: المنع أولا ثم الرفض ثانيا وقمع كل مظاهر النقد والرفض بل إن كل منع يجر لمنع جديد.

مقدرة التسلط على إيقاف فساد الأقلية غير ممكنة لأن ذلك الفساد جزء من طبيعة النظام وطبيعة التحالفات التي ينشؤها.

استمرار فرض القهر السياسي والفكري على المجتمعات العربية هو الأساس لدول فاشلة وأنظمة مفككة ومقدمة لحركات احتجاج يصعب إيقافها.

هل نزداد حصانة من خلال ثقافة القمع؟ هل نتقدم أم نتأخر؟ هل نحن أفضل حالا من غيرنا؟ هل النموذج العربي للتسلطية قدم العرب خطوة نحو الأمام؟

الشعب في الفهم السلطوي عاجز عن المشاركة والاختيار والحل لمسألة الحكم والسلطة في الدولة وفق التصور التسلطي حكم فردي قائم على فرد حاكم.

*     *     *

السلطوية عكس الديمقراطية، فإن قالت الديمقراطية بحكم الشعب ودوره في تقرير مصيره عبر ممثليه، فالسلطوية تؤمن بعدم مقدرة الشعب على تقرير مصيره، فالشعب في الفهم السلطوي عاجز عن المشاركة والاختيار، وأن الحل لمسألة الحكم والسلطة في الدولة، وفق التصور التسلطي، هو الحكم الفردي القائم على الفرد الحاكم.

إن التداخل كبير بين التسلطية وبين ما يقال في وسائل الإعلام، فالتسلطية لا تستطيع إلا أن تسيطر على الإعلام بكل أنماطه، وذلك لتعميق أفكار محددة في صفوف العامة كالشعور بالعجز والخوف والإتكالية.

وإن لم تستطيع التسلطية السيطرة المطلقة فهي تحاصر الإعلام وجميع محاولاته للتحرر من القيود من خلال القوانين المانعة والعقوبات المتدفقة.

إن النظام التسلطي في المرحلة الأولى من عمره وتطبيقاته يقدم وعودا كثيرة لضمان قبول الناس، لكن بمرور الوقت والزمن تنكشف الحقائق مما يجعل الجيش والأمن والأجهزة القمعية تزداد شراسة وتجاوزا للحقوق، بل يتطلب الأمر رفع درجة السيطرة على مؤسسات التعليم والتربية، بل تصبح القصة والرواية والشعر والكتب بحد ذاتها خطرا أمنيا.

مع الوقت يصبح كل شيء أمنيا، ولكل شيء خطوط حمر تزداد كل يوم إحمرارا، وتضاف إليها كل ساعة خطوط جديدة تدور في معظمها حول مزيد من السيطرة على كل مساحة مهما صغرت. ان المواطن الفاقد للحقوق والقابل بالحد الأدنى منها هو المواطن النموذجي للحالة التسلطية.

إن منطلق النظام التسلطي هو: المنع أولا، ثم الرفض ثانيا، والقمع لكل مظهر من مظاهر النقد والرفض. بل نجد أن كل منع يجر لمنع جديد.

والملاحظ أن التسلطية تنغمس في غض النظر عن الفساد، فأمام تردي النظام الاقتصادي والخوف من نشوء طبقة وسطى فاعلة ومستقلة يصبح الاعتماد على حفنة من الأفراد الموالين هو الحل الأمثل لإدامة التسلطية. ان مقدرة التسلطية على إيقاف فساد الأقلية غير ممكنة لأن ذلك الفساد جزء من طبيعة النظام وطبيعة التحالفات التي ينشأها.

وبينما تتطور المجتمعات يصبح الأسلوب القمعي مجال للرفض لأنه لا يقوم على السياسة والقانون العقلاني والحقوق الطبيعية للناس. إن قوانين وإجراءات المنع والرقابة والقمع معركة فاشلة وسبب ذلك عدم مقدرة التسلطية على تلبية مطالب المجتمع التي تزداد كثافة وحدة وعمقا.

ومن هنا سنجد بأن اشكالية النظام العربي هي الأعمق في الانظمة السياسية في العالم. فالتحكم والسيطرة أساس النظام العربي وأحد أسس بقائه، واحتكار السلطة لمصلحة فئة قليلة من الناس هو الأكثر انتشارا في واقعنا العربي.

ولهذا بالتحديد الدولة العربية التسلطية هي دولة أمنية مضطرة لحماية أسوارها بإستخدام العنف والقانون والسجون والقمع والقوانين القاسية بحق من يعبر عن مروية مغايرة وفكر مختلف او يطالب يتغيرات جذرية.

لكن السؤال الأكبر كعرب هل نزداد حصانة من خلال ثقافة القمع هذه؟ هل نتقدم أم نتأخر؟ هل نحن أفضل حالا من غيرنا؟ وهل النموذج العربي للتسلطية قدم العرب خطوة نحو الأمام؟.

فنحن نسقط في الامتحان تلو الامتحان، ونواجه مصاعب حقيقية في إدارة دولنا بل وفي الابقاء على حدودها وحقوقها المائية واستقلالها السياسي.

إن كل جيل من الأجيال العربية الشابة و الصاعدة يبدع طرق جديدة للتعامل مع القمع، كما ويزداد غضبا من عجزه وواقعه، وهذا بحد ذاته يدفع نحو التمرد باتجاهات عديدة.

التمرد جزء من الشخصية التي تعاني القمع الشديد، ومع التمرد قلما تسود العقلانية التي كان قد قضى عليها بالأساس الأسلوب التسلطي.

من جهة اخرى لا يحاول أي من الذين يطالبون بزيادة القمع في المجتمع التنبه الى أن التسلط مسـؤول اولا واخيرا عن زيادة حدة الإحتجاج وعمق وجذرية المطالب.

إن الخارج لن يتغير، والعالم المفتوح سيبقى مفتوحا، والانترنيت لن تختفي، والسينما لن تقل جرأتها بل ستزداد، والعقل لن يتوقف، والسعي للحريه السياسية بصفتها ام الحريات ينتشر في كل مكان، هذا مسار أخذته البشرية منذ عصر التنوير حتى الآن وهو لازال يسير بخط تصاعدي.

إن الإستثناء العربي لن يبقى لوحده، بل تبدو علامات التغير في كل عنوان وفي كل دولة، هذه العلامات واضحة، أجاءت من نخب سياسية مؤثرة ضمن النخب الحاكمة أم من بين تيارات سياسية و تجمعات شبابية.

إن الاستمرار في فرض القهر السياسي ثم الفكري على المجتمعات العربية ما هو إلا الأساس لدول فاشلة وأنظمة مفككة وبنفس الوقت إنه مقدمة لحركات احتجاج يصعب إيقافها. بطبيعتها الناس ستتمرد على من يتحدى طبيعتها المائلة للحرية وقول الكلمة والبحث عن الحكم العادل والمشاركة.

فالناس ستفكر كما تريد، وتقرأ ما تحب لكنها فوق كل شيء كائنات سياسية تعنيها المشاركة وانتخاب قادتها التنفيذيين وتخفيف غلواء الدولة عندما تتجاوز الحقوق والأصول. هكذا يحب الأفراد وخاصة الشباب أن يشعروا انهم احرار و امام خيارات حقيقيه في التعامل مع ما يمس مستقبل بلادهم وواقعها الأليم.

* د. شفيق ناظم الغبرا استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السلطوية، القهر السياسي، حركات احتجاج، دول فاشلة، الاستثناء العربي، التسلط،