معهد إسرائيلي: حان الوقت لتغيير سياسة تل أبيب والتحرك لإزاحة الأسد

الخميس 8 أبريل 2021 10:05 م

بعد عقد من الحرب الأهلية، تغير شكل سوريا عن تلك التي عرفناها منذ عام 1963 حتى 2011. وأصبحت البلاد مقسمة إلى مناطق نفوذ وسيطرة ترعاها دول أجنبية نتيجة القمع الشديد الذي انتهجه النظام بدعم عسكري ودبلوماسي من روسيا وإيران.

ويجعل هذا الواقع شعار "الحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السورية"، الذي ردده المسؤولون السوريون وبعض الدول الغربية، بلا معنى على الإطلاق. ويبدو أن سوريا ستبقى في المستقبل المنظور مسرحا منقسما وممزق الأوصال.

خريطة السيطرة

وتنقسم سوريا بحكم الأمر الواقع إلى عدد من الجيوب. وظاهريا، يسيطر رئيس النظام السوري "بشار الأسد"، بمساعدة عسكرية من روسيا وإيران ووكلائها، على ثلثي البلاد، خاصة العمود الفقري الذي يربط المدن الرئيسية في حلب وحمص ودمشق، وبدرجة أقل الجنوب.

وتشكل منطقة إدلب شمال غربي سوريا جيبا أخيرا للثوار. فيما تسيطر تركيا علي مناطق عديدة على طول الحدود السورية التركية. بينما تسيطر القوات الكردية بدعم أمريكي على معظم شمال شرق سوريا الذي يحتوي على غالبية الموارد الطبيعية. وتنشط خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" في وسط وشرق سوريا.

وتشير السيطرة على حدود سوريا أيضا إلى "فراغ السيادة"؛ حيث تسيطر قوات النظام نحو 15% فقط من الحدود البرية الدولية للبلاد. وتقع الحدود السورية اللبنانية تحت سيطرة "حزب الله". أمام الحدود العراقية السورية فتسيطر عليها من الجانبين ميليشيات شيعية تابعة لإيران. بينما يفتقد النظام وحلفاؤه السيطرة على الحدود السورية التركية.

الوضع الإنساني

فقد أكثر من نصف مليون شخص حياتهم خلال 10 أعوام من الحرب، وكانت وكالات الأمم المتحدة قد توقفت عن إحصاء الضحايا في فترة معينة. وفقد ما يقرب من 12 مليون شخص منازلهم وأصبحوا الآن نازحين أو لاجئين، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر.

ويسيطر "الأسد" على 12 مليونا من سكان سوريا المقدر عددهم بـ 17 مليونا. وتقع البلاد حاليا على حافة أزمة غذاء حيث يتفاقم النقص في السلع الأساسية، وخاصة الخبز والوقود. وتشير التقديرات إلى أن 11 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

البنية التحتية

وقد طال الدمار أكثر من ثلث البنية التحتية للدولة. وفي حربه ضد المعارضة المسلحة، هاجم النظام وحلفاؤه المراكز الحضرية باستخدام أسلحة مختلفة بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة، وذلك في إطار استراتيجية "الأرض المحروقة" للقضاء على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. وتقدر تكلفة إعادة الإعمار في سوريا ما بين 250 و350 مليار دولار. وحاليا لا يوجد طرف قادر على تمويل إعادة الإعمار أو راغب في ذلك.

الوضع الإقليمي والدولي

ما زال نظام "الأسد" منبوذا من قبل الغرب. ويبدو أن إدارة "بايدن" تواصل السياسة الأمريكية المتشددة تجاه "الأسد"، بما في ذلك العقوبات ضده وضد شركائه المقربين. ولا تعترف الإدارة الأمريكية بـ "الأسد" كحاكم شرعي. وسيتم استبعاد نتائج الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان ومايو/أيار طالما لم تلح في الأفق أي إصلاحات سياسية أو مؤشرات على الاستقرار وإعادة الإعمار وفقا لخارطة طريق الأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن رقم 2254.

ولدى "الأسد" عدد قليل من الأصدقاء في الشرق الأوسط، بالرغم أن عددا من الدول قامت ظاهريا بتطبيع علاقاتها معه، مثل عُمان والبحرين والإمارات، بينما قبلت مصر والأردن استمرار حكم "الأسد" ودعوا مؤخرا إلى تخفيف العقوبات على سوريا. ومع ذلك، ما تزال سوريا خارج جامعة الدول العربية.

وتدرك روسيا أن الإصلاحات الحكومية والاقتصادية في سوريا ضرورية لكي يحصل النظام على الاعتراف بشرعيته، ومع ذلك لم تنجح موسكو في الوصول إلى تسوية سياسية. وبالنسبة لروسيا، فإن إنهاء حكم "الأسد" سيؤدي إلى تكلفة سياسية باهظة، لأنها لا ترى لاعبا آخر قادرا على أن يحل محله. وفي ظل هذه الخلفية، تحاول موسكو تسويق نظام "الأسد" القاتل للمجتمع الدولي كحكومة شرعية.

الشيطان الذي نعرفه.. لماذا يجب أن يتغير هذا الموقف؟

منذ أن بدأت روسيا مشاركتها في الحرب في سوريا أواخر عام 2015، قبلت إسرائيل استمرار نظام "الأسد"، نتيجة قناعتها بأن "الشيطان الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه". وبخلاف الهجمات المتقطعة التي تستهدف القدرات الإيرانية على الأراضي السورية، اختارت إسرائيل المشاهدة وتجنب المشاركة في الصراع بين الفصائل السورية المتناحرة. لكن الوضع الحالي يتطلب قد تحتاج إسرائيل إلى إعادة تقييم سياستها، خاصة مع إدراك أن سياسة عدم التدخل لم تعد صالحة للأسباب التالية:

أولا، منح "بشار الأسد" إيران فرصة لتوسيع وترسيخ نفوذها في سوريا على المدى الطويل، ما يشكل تحديا أمنيا كبيرا للغاية لإسرائيل على حدودها الشمالية. ودعمت طهران "الأسد" بشكل رئيسي من خلال "حزب الله" اللبناني والميليشيات التي تم تجنيدها بين السكان الشيعة في العراق وأفغانستان وباكستان.

وفي العامين الماضيين، ركزت إيران على تجنيد المقاتلين السوريين ودمجهم في ميليشيات محلية تدربها وتسلحها. وتعمل إيران على تعميق نفوذها من خلال تدريب كبار القادة في قوات النظام، والمساعدة في تعزيز قوة "حزب الله" للسيطرة على الحدود السورية اللبنانية، وتأسيس خلايا في هضبة الجولان. كما تجهز إيران قواعد في شمال سوريا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، ما يسهل الانتشار السريع الطارئ للقوات وأصول إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار التي تستهدف إسرائيل.

ولم تمنع الهجمات الجوية الإسرائيلية من تنامي النفوذ الإيراني في سوريا. حيث تستهدف هذه الهجمات فقط عرقلة خطط إيران لبناء جبهة هجومية ضد إسرائيل في الأراضي السورية. لكن ما دام "الأسد" في السلطة، فإن هذا التحدي الأمني ​​الذي يواجه إسرائيل سيستمر في التصاعد.

ثانيا، لا يمكن توقع حل سياسي للأزمة في سوريا طالما بقي "الأسد" في السلطة. وهناك جزء كبير من الشعب السوري لا يعتبره حاكما شرعيا، وما تزال علامات الاحتجاج واضحة بالفعل، حتى في المجتمع العلوي، الذي يعاني أيضا من الفقر ونقص الموارد والجوع. وبالتالي، فإن احتفاظ "الأسد" بالسلطة يضمن المزيد من أعوام عدم الاستقرار ويفاقم من سوء الظروف التي أدت إلى اندلاع الحرب في المقام الأول.

ويشكل رفض "الأسد" للإصلاحات الحكومية والتنازلات السياسية عقبة أمام أي جهد لتحقيق تقدم نحو تسوية بوساطة الأمم المتحدة أو بقيادة روسيا. وبالرغم من امتناع الولايات المتحدة عن الدعوة الصريحة لتغيير النظام، إلا أن مطالبها تشير إلى أن هذا هو هدفها.

وفي ظل غياب التنازلات السياسية، تواصل إدارة "بايدن" الخط الذي دعت إليه إدارة "ترامب" بعرقلة أي مساعدة اقتصادية لإعادة الإعمار والضغط من أجل العودة إلى خارطة طريق الأمم المتحدة. علاوة على ذلك، فإن احتفاظ "الأسد" بالسلطة يضمن عدم عودة معظم اللاجئين إلى سوريا، لأنهم يخشون الاعتقال أو التجنيد الإجباري في قوات للنظام. كما أنهم يخشون العودة إلى بلد سُرقت فيه ممتلكاتهم، ويتخبط فيه الاقتصاد في حالة خراب دون فرص للتوظيف.

ثالثا، فإن الحجج المؤيدة لاستمرار "الأسد" كلاعب مسؤول على رأس القيادة فقدت قيمتها، حيث لا يمارس "الأسد" سيطرة فعلية حتى على المناطق التي استعاد السيطرة العسكرية عليها. ويعتبر جنوب سوريا حالة اختبار مهمة. ومنذ استعادت قوات النظام السيطرة على المنطقة في صيف 2018، سادت الفوضى هناك، حيث تتقاتل فصائل مختلفة فيما بينها ولم يتمكن النظام من كبح جماحها. وتشمل هذه الجماعات: المعارضة، والميليشيات الخاضعة للنفوذ الإيراني أو الروسي، والجماعات المحلية التي تتمتع بدرجة معينة من الاستقلالية عن الحكومة المركزية.

وأخيرا، وبعيدا عن التقييمات الاستراتيجية للوضع، ينبغي النظر في الجانب الأخلاقي من قبل صانعي القرار في المنطقة والمجتمع الدولي. ولن يكون الاعتراف بشرعية زعيم ارتكب جرائم حرب لأعوام واستمر في الإساءة إلى المدنيين أقل من وصمة عار على أولئك الذين يسعون لقبوله في النظام الإقليمي والدولي.

الخلاصة

تم دحض 3 افتراضات إسرائيلية، الأولى، أن الهجمات ستمنع إيران من تعزيز موقفها العسكري في سوريا. الثانية، أن روسيا ستساعد في الجهود المبذولة لطرد وكلاء إيران من سوريا وتقليل نفوذ طهران في البلاد. ثالثا، أن الحكومة المركزية في بلد موحد، حتى تحت قيادة "الأسد"، أفضل من تقسيم السلطة.

وتدرك إسرائيل الآن أن سوريا ستبقى منقسمة، وأنه طالما بقي "الأسد" في السلطة، لا يمكن إخراج إيران ووكلائها من البلاد. لذلك قد تشجع إسرائيل مبادرة واسعة النطاق لإزاحة "الأسد" من السلطة مقابل جهد دولي لإعادة الإعمار في سوريا بمشاركة دول الخليج العربي.

وإلى أن يتم إعادة تشكيل سوريا، ستخاطر إسرائيل على المدى القصير من أجل منع إيران ووكلائها من السيطرة على سوريا. وستكثف إسرائيل نشاطها في 3 مجالات استراتيجية ذات أهمية حاسمة:

جنوب سوريا

من أجل منع إيران من استخدام وكلائها لإنشاء حدود مسلحة عالية الاحتكاك في مرتفعات الجولان، قد تستغل إسرائيل ضعف نظام "الأسد" والتنافس على النفوذ بين إيران وروسيا كفرصة لتبني نهج استباقي في المنطقة. وبالتنسيق مع موسكو، يمكن لإسرائيل مهاجمة الوكلاء الإيرانيين، بما في ذلك قوات "حزب الله"، مع تعزيز القوات المحلية السنية والدرزية. ويمكن تكوين روابط مع مجموعات سكانية محلية معارضة للنظام، مع منحها مساعدات إنسانية، في صورة غذاء ووقود وخدمات صحية، من شأنها أن تساعد في توليد نفوذ إسرائيلي، وبالتالي إحباط الخطة الإيرانية لتعزيز وجودها في المنطقة.

في شمال شرق سوريا

مع التركيز على الحدود العراقية السورية، تستعد إسرائيل لانسحاب محتمل لقوات الولايات المتحدة. وتستعد إيران لاستغلال الفراغ الناتج للسيطرة على المنطقة من أجل إنشاء جسر بري من العراق إلى سوريا ولبنان. وقد تقوم إسرائيل بتطوير قنوات تعاون سرية مع القوات الكردية وتزويدها بالمساعدات العسكرية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه بناء منصة للنشاط العملياتي المستمر في مسرح العمليات من أجل منع سيطرة إيران على هذه المنطقة الاستراتيجية الغنية بالطاقة والموارد الزراعية.

على الحدود السورية اللبنانية

امتد الردع المتبادل بين "حزب الله" وإسرائيل (نتيجة القلق من التصعيد على الحدود الإسرائيلية اللبنانية) إلى الأراضي السورية في محيط الحدود السورية اللبنانية. وتعد هذه المنطقة، التي يسيطر عليها "حزب الله"، بمثابة فرصة هائلة للحزب من أجل نقل الأسلحة إلى لبنان بمساعدة إيرانية، وكذلك نشر الأسلحة لاستخدامها ضد إسرائيل عندما يحين الوقت.

وقد تمكن "حزب الله" بسيطرته على الحدود المفتوحة على مصراعيها بين سوريا ولبنان (وهو انعكاس لضعف إسرائيل الاستراتيجي) من بناء قواته في أعقاب حرب لبنان الثانية. ويعد ذلك بمثابة حافز للحزب لممارسة النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي في سوريا. لذلك قد تكثف إسرائيل نشاطها العملياتي في المنطقة، وفي الوقت نفسه تشجع التدخل الدولي لعرقلة سيطرة الحزبه على الحدود بين سوريا ولبنان، باعتبار أن هذا الإجراء ضروري من أجل إعادة الإعمار في لبنان وإضعاف للجماعات المتطرفة في المنطقة بأسرها.

المصدر | كارميت فالينسي و أودي ديكيل/معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرب الأهلية السورية بشار الأسد إعادة الإعمار النفوذ الإيراني الهجمات الإسرائيلية هضبة الجولان

معالم تفاهمات روسية ــ إسرائيلية حول سوريا