استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العودة إلى المبادئ الناظمة للعلاقات الدولية

الثلاثاء 20 أبريل 2021 10:54 ص

العودة إلى المبادئ الناظمة للعلاقات الدولية

عودة مفاهيم السيادة والاستقلال وحق تقرير المصير ومبادئ العلاقات الدولية هي سبيل إنهاء حقبة الانفلات الدولي.

مؤشرات تظهر العالم على أعتاب عودة الصراع الدولي الحادة نتيجة اختلال موازين القوة الدولية الذي ساد بالعقود الماضية.

وضع التوسع الاستعماري لبنات العولمة الأساسية فهذا التوسع حقق اندماج الدول التي وقعت تحت الاحتلال الأوروبي في اقتصاداته.

الدول التي تبنت قيم الحداثة بأوروبا هي التي خرقتها خارج النطاق الأوروبي في تناقض فاضح بين ممارسة الحداثة بالمركز ونقيضها بالعالم المقهور.

اندماج قسري لاقتصادات الدول المتخلفة بالاقتصادات الصناعية كإحدى صور العولمة التي لم تكن سياسيا واقتصاديا نتاج تطور تاريخي، بل تمت قسرًا!

رغم الزعم بأن العولمة تمثل عالم ما بعد الحداثة فإن التعبير غير دقيق إلا إذا نُظر له بالتسليم بالمركزية الأوروبية لا على قاعدة نظام دولي يستند لندية وتكافؤ الدول.

خلافات حادة بين أمريكا وبين الصين وروسيا ستؤدي لتسعير التنافس الاقتصادي والعسكري بين الشرق والغرب وقد تؤدي لعودة مناخات الحرب الباردة.

*     *     *

ليست الحداثة سوى مقولة تاريخية، ارتبطت بنشوء الدولة الأمة، أبرز ملامحها نشوء الدول، وهزيمة الإقطاع وانتصار الثورة الصناعية. وقد وضعت الثورة الفرنسية المدماك الأقوى، في انهيار النظم القديمة، القائمة على قاعدة الحق المقدس، وسيطرة الكنيسة.

برزت مؤشرات التراجع السياسي للكنيسة، بعد بزوغ حركة الإصلاح الديني، التي قادها مارتن لوثر وجون كالفن. ولينهي هيمنتها السياسية انتصار اليعاقبة في فرنسا، والمتطهرين (البيوريتان) في انكلترا. والتأكيد على العقد الاجتماعي وشيوع مبادئ احترام السيادة وحق تقرير المصير.

أهم خواص تلك المرحلة، نشوء الدول القومية، وكسر الحواجز الجمركية، داخل الأمم الناشئة، والبحث عن أسواق جديدة، خارج أسوار الأمم، حديثة التشكل. وقد وضعت تلك المقدمات الأساس لبداية العهد الاستعماري، الباحث عن الثروة والموارد، في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وهكذا، فإن الدول التي تبنت قيم الحداثة داخل أوروبا، هي التي خرقتها، خارج النطاق الأوروبي. وقد كشف ذلك عن تناقض فاضح، بين ممارسة الحداثة بجدارة في المركز، وممارسة نقيضها، من قبل تلك الدول، في العالم المقهور.

 وضع التوسع الاستعماري، اللبنات الأساسية، لما يطلق عليه الآن بالعولمة. فهذا التوسع، حقق اندماج الدول التي وقعت تحت الاحتلال الأوروبي، في اقتصاداته.

وقد كانت قراءة ذلك موضوعاً أثيراً لعدد من مفكري أمريكا اللاتينية، ولاحقاً لمفكرين من القارات الثلاث. وأساس تنظيراتهم، هو وجود مراكز وأطراف، وأن المركز يفرض سياساته ومناهجه الاقتصادية على الأطراف ويقوم بابتزازها.

وحين انطلقت تنظيرات «مدرسة التبعية» لم يكن الحديث عن العولمة قد ترسخ. لكن ذلك لم يمنع عملية إدماج اقتصادات العالم الثالث باقتصادات الدول المتقدمة.

لقد أدى الهجوم الكاسح للصناعات الأوروبية، إلى تدمير الصناعات الحرفية للبلدان النامية، وأخضع منتجاتها الزراعية لصالح دول المركز. وجاء اكتشاف رأس الرجاء الصالح، ليضاعف الأزمة الاقتصادية لبلدان عربية، كمصر وبلاد الشام.

حيث انتهى عملياً دور موانئ بيروت واللاذقية والإسكندرية، كحلقات اتصال، في الملاحة البحرية الدولية. وبذلك حدث اندماج قسري لاقتصادات الدول المتخلفة، بالدول الصناعية. وتلك كانت صورة من صور العولمة.

المفهوم الحديث للعولمة، رغم الزعم بأنه يمثل عالم ما بعد الحداثة، فإن التعبير غير دقيق إلا إذا تم النظر له، من خلال التسليم بالمركزية الأوروبية، وليس على قاعدة نظام دولي يستند إلى الندية والتكافؤ بين الدول.

وذلك وفقاً للنصوص التي عبرت عنها، بعد الحرب العالمية الأولى مبادئ عصبة الأمم المتحدة، ولاحقاً بعد الحرب العالمية الثانية، مبادئ هيئة الأمم المتحدة، التي أكدت على استقلال وسيادة الدول وحقها في تقرير المصير.

وعلى هذا الأساس، فإن القول بنهاية الدول وانتهاء الحدود، واعتبار العالم فضاءً واحداً، لم يكن أمراً جديداً، فقد مارسه الاستعمار التقليدي لعدة قرون، لكن فكرة الاستقلال والسيادة ترسخت وتعززت تاريخياً، ومن أجل صيانتها قدمت الشعوب التضحيات الجسام.

نمو الصين الاقتصادي الكبير، وتفردها بالنمو في ظل وباء «كورونا»، وتوسع روسيا في أسواق السلاح العالمية، واختراقه لمناطق جديدة، لم تكن ضمن مناطق مصالحه الحيوية من قبل، بضمنها أعضاء في حلف الناتو، كلها مؤشرات بأن الهيمنة على الاقتصاد الدولي، لم تعد حكراً على أمريكا.

لقد شهد العالم، في الشهور الأخيرة، خلافات حادة بين أمريكا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، من شأنها إذا ما تصاعدت، أن تُسهم في تسعير التنافس الاقتصادي والعسكري، بين الشرق والغرب. وربما أدت إلى العودة مجدداً لمناخات الحرب الباردة.

إن جملة من المؤشرات تشي بأن العالم على أعتاب عودة حادة للصراع الدولي، نتيجة للاختلال في موازين القوة الدولية، الذي ساد في العقود الماضية.

وقد برزت ملامح ذلك الاختلال منذ أكثر من عقد من الزمن، وعبرت عنه، عودة هونغ كونغ إلى الصين، وعودة القرم لروسيا الاتحادية، والدور الروسي النشط في أوكرانيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، ووجود الأساطيل الروسية، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

 لم تكن العولمة في بعديها السياسي والاقتصادي، نتاج تطور تاريخي، بل تمت بالقسر. لقد غيّب الحديث عن حقبة نهاية السيادة والاستقلال، صراع الإرادات، وقوة الثقافات. والحديث الذي تكرر إثر سقوط المعسكر الاشتراكي، عن نهاية الدولة والسيادة، يدحضه عودة روسيا بقوة، للساحة الدولية، ونمو الصين الاقتصادي الكاسح.

عودة مفاهيم السيادة والاستقلال وحق تقرير المصير، والمبادئ الناظمة للعلاقات الدولية هي السبيل لإنهاء حقبة الانفلات الدولي. والعولمة في بعدها الإيجابي هي منجز إنساني ينبغي أن يكون في خدمة البشرية جمعاء.

* د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

أمريكا، العلاقات الدولية، السيادة، العولمة، تقرير المصير، الانفلات الدولي، روسيا، الصين، الدول القومية، التوسع الاستعماري، الدولة الأمة، العقد الاجتماعي،