استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لبنان والقضاء و«كورونا» في لبنان

السبت 24 أبريل 2021 10:03 ص

لبنان والقضاء و«كورونا»

في لبنان الأمر يحتاج لأكثر من شجاعة قضائية فالقضاء هو أحد أركان الفساد الذي يطال المؤسسات السياسية والأمنية والمالية.

لبنان ربما يحتاج لتدمير كامل بنيته السياسية والمالية والأمنية والقضائية ليمكن البناء من جديد! أليست هكذا تبدأ كل حركات التجديد في الأمم؟

الفساد في لبنان مثل فيروس «كورونا» لا يكفي أن تقتل بعض نتوءاته بل عليك أن تمحو كل أثر لجميع النتوءات بل لكل الكرة التي يشبهون الفيروس بها.

*     *     *

أثارت القاضية غادة عون مشكلة غير مسبوقة في تاريخ القضاء اللبناني، عندما رفضت قرار مدعي عام التمييز غسان عويدات (وهو أعلى سلطة قضائية في لبنان) كفّ يدها عن مسائل تحقق فيها، وتتعلق بأمور مالية وأشخاص مسؤولين على رأسهم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، وشركات نقل الأموال من لبنان إلى الخارج وبالعكس.

والحدث هو في رفض القاضية عون القرار باعتبار أن التحقيق جارٍ ولا يمكن وقفه في منتصفه، وعلى المعنيين الاستجابة لطلبات القضاء ليأخذ العدل مجراه.

بمعزل عن ميول القاضية عون السياسية التي تعتبر مقربة من رئيس الجمهورية ميشال عون، فإن مسألة القضاء أثيرت للمرة الأولى من موقع التمرد على القضاء ليس حباً في التمرد؛ بل في التمرد على المؤسسة الحامية لمواقع مشتبه فيها بقوة.

 وبات اللبناني العادي يعرف حقيقة تورطهم مع زعماء الأحزاب السياسية والطوائف في حماية الفساد على مختلف الجبهات وفي مقدمتها جبهة القضاء.

منذ فترة طويلة كانت الآمال منعقدة على القضاء اللبناني ليأخذ العدل مجراه في قضايا الفساد في لبنان. وكان الجميع يشيرون إلى نموذج القضاء في إيطاليا، حيث عرّض عدد كبير من القضاة أنفسهم ليكونوا ضحايا الجريمة المنظمة و«المافيا» التي كانت أكبر من الدولة.

احتاج القضاء الإيطالي إلى قضاة شجعان يضعون حياتهم على أكفِّهم في أي لحظة؛ لذا كانت المعركة دامية وقاسية وطويلة، ولكن إيطاليا ارتاحت في النهاية، ونهائياً من بؤر الجريمة والابتزاز، وعادت للدولة حياتها العادية وللمجتمع دورة الحياة الطبيعية.

كان ذلك يحتاج إلى أبطال لا يخافون في الحق لومة لائم.

أما في لبنان، فالأمر يحتاج إلى أكثر من شجاعة قضائية؛ ذلك أن القضاء هو أحد أركان الفساد الذي يطال المؤسسات السياسية والأمنية والمالية.

وإذا كان اللبنانيون يشكون من تقاعس القضاء ويتهمونه بالفساد، فهم في واقع الأمر يضعون الأصبع على أحد الجروح ليس إلا؛ ذلك أن دولة الفساد في لبنان التي بات يضرب بها المثل، هي أشبه بفيروس «كورونا» الذي يصور بشكل كرة تخرج منها نتوءات مدببة تمسك بخلايا جسم الإنسان أينما تمكنت من ذلك.

والفساد في لبنان فعلاً، هو مثل فيروس «كورونا» لا يكفي أن تقتل بعض نتوءاته، بل عليك أن تمحو كل أثر لجميع النتوءات، بل لكل الكرة التي يشبهون الفيروس بها.

وتبدأ المسألة من بداية الحكاية، من بداية دخول الموظف إلى أحد أسلاك الدولة. والحاجز الأول الذي يواجهه الداخل إلى الامتحان هو ولاؤه الطائفي والسياسي. وحينها لا تعثر على ناجحين إلا من كان موصى بهم من جانب الزعامات السياسية والدينية. وهكذا تبدأ حكاية الألف ميل الفاسدة.

هكذا الأمر في القضاء وفي السلك العسكري والأمني والجمركي وفي المؤسسات المالية الرئيسية، وحتى في المهنة/ الرسالة؛ أي التعليم الجامعي والعادي.

لا يمكن لك أن تخرق «الأصول» إلا بالولاء المطلق للزعيم أو لرزم المال التي تذهب رشوة للنجاح. حتى إذا دخل الناجح «جنة» الدولة بكل مؤسساتها تبدأ رحلة الألف ميل الأخرى لتأكيد الولاء للزعيم أو لنهب مال الدولة لاستعادة ما كان دفعه الناجح رشوة لينجح.

وخلال سنوات معدودة لا تتجاوز العشر، تكون مواقع الدولة قد امتلأت بالزبائن الذين اشتُروا سلفاً، فلا يجد اللبناني المسكين نافذة يرى في آخرها نوراً ليتمكن من تحصيل حقوقه.

هكذا استفاق لبنان ذات يوم في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 ليجد أن أمواله في البنوك قد طارت قيمتها، فيما منع من سحب ما كان له بالعملة الصعبة فذهب جنى عمر المواطن العادي المسكين ضحية نهب السارقين الذي حوّلوا كل أموالهم إلى الخارج بحرية لا يمتلكها اللبناني العادي.

وحين تبدأ رحلة المساءلة والدعوة لمحاسبة المتورطين تُسد الأبواب كلها من الطبقة السياسية إلى العسكرية والأمنية والمالية وصولاً إلى القضاء، وبات اللبناني يجد نفسه ضحية أقوى «مافيا» عرفها بلد في التاريخ ولم تعرف مثيلاً لها حتى إيطاليا نفسها.

لذلك ترى أن أحداً لا يستطيع تأليف حكومة، وأحداً لا يتحمل المسؤولية حتى إذا ظهر قاض شجاع ولو لمرة واحدة، حوصر ولوحق ويكاد يذهب ضحية جرأته؛ ذلك أن قاضياً شجاعاً واحداً لا يكفي لإدراك أن فصل الربيع لم يأت بعد.

لبنان ربما يحتاج إلى تدمير كامل لبنيته السياسية والمالية والأمنية والقضائية لكي يمكن البناء من جديد. أليست هكذا تبدأ كل حركات التجديد في الشعر والأدب؟

 * محمد نور الدين كاتب وباحث لبناني

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

لبنان القضاء، كورونا، الفساد، المؤسسات، مافيا، البنوك، غادة عون، غسان عويدات، رياض سلامة،