استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العراق 2021: العيب

الجمعة 7 مايو 2021 07:17 م

العراق 2021: العيب

العطب ليس في جهل الواقع بل في تمكّن بنًى مفترسة منه!

ملايين الناس بالعراق يرفعون الصوت محتجين وثائرين ضد الظلم الواقع عليهم والمهدّد لمجتمعاتهم مرتضين دفع أثمان مواقفهم من حيواتهم.

دمار العراق أنجز الإخلال بكل التوازنات التي كانت قائمةً في مجمل المنطقة وعرّاها أمام نفوذ قوى إقليمية لها طموحاتها ومطامعها، ومكّنها من أن تستهين بها.

بعض إمارات الخليج تتباهى بنفسها وتستقوي لأجل ذلك بإسرائيل وحقق الدمار لهذه الأخيرة حلماً أساسياً، لديها ألف سبب للتمسك به والسعي إليه. 

*     *     *

صار تقليداً آلياً أن يجيب المسؤولون العراقيون على المصائب التي تحلُّ ببلدهم بإجراءات "إدارية": كفّ يد فلان، إقالة علاّن.. هكذا كان يحدث وراء كل مجزرة بشعة يسقط فيها ضحايا خلال انتفاضات الناس العارمة، والتي لم تتوقف منذ 2014، أو بعد وقوع اغتيالات لشخصيات معروفة.

نجد إقالات لمسؤولين مدنيين وعسكريين من أصحاب المناصب الرسمية، تتم بلهجة عابسة يراد منها الإيحاء بالصرامة. وهي لعبة سخيفة لا تستدعي سوى السخرية. فهولاء يُنقلون من مكان إلى آخر، أو من مهمة إلى أخرى، أو ينالون تعويضات مالية مجزية تكافئ فشلهم.

ويبدو أنها صارت عادةً في المنطقة كلها، وليس في العراق وحده، فهذا ما حدث مع المسؤولين عن حوادث القطارات في مصر  التي لا يكاد يمر يومٌ خال منها. وهكذا كان، وهكذا صار مؤخراً ومجدداً، كنتيجة لـ"التحقيق" في حريق مشفى ابن الخطيب  الذي لا تكفُّ أعداد ضحاياه عن الارتفاع.

ولأن وضع العراق مأساوي، ولأن كل أموره تدار بلا محاولة حتى للحفاظ على اللياقة ولو شكلياً، فقد أقر البرلمان ميزانية 2021، التي تنطق أرقامها بنفسها، ولا تحتاج إلى شرح وتحليل.

يكفي إيرادها لرسم صورة عن البلد الغني بشكل هائل والبائس بشكل مهول، الذي انتفض شبابه اليائسون حين تساوت لديهم الحياة والموت، فقتلت منهم الميليشيات وأجهزة الأمن أكثر من 700 منتفض، وأصابت بجروح وأعطاب ما يقدر بـ 25 ألفاً، وخطفت واعتقلت العشرات ممن لا يزال مصيرهم مجهولاً.

. . . .

تقول الأرقام المتداولة إن 40 في المئة من ميزانية 2021 العراقية التي أقرّها البرلمان في نهاية آذار/مارس الماضي– وتحمل أرقاماً فلكية– تذهب لمرتبات أفراد الوظائف العليا في الدولة، وحماياتهم وأسفارهم.

وأن هناك 23 وزيراً يحيط بهم 325 نائب وزير! وهناك 511 موظفاً من الدرجة "أ" (وكيل وزير أو سكرتير ومستشار في الرئاسات الثلاث وسفراء) و5030 موظفاً من الدرجة "ب" (مدراء عامون).

وهو ما لا وجود له في أي دولة أخرى في العالم، بما فيها الدول العظمى، والتي يزيد عدةَ أضعاف عددُ سكانها ومساحاتها عن عدد سكان العراق، وهم 40 مليوناً، 40 في المئة منهم يقبعون عند خط الفقر أو تحته!

ومعظم محافظات العراق ما زالت محرومةً من الكهرباء، لتلف المنشآت سواء بالحروب أو بالإهمال وعدم الاكتراث، بل ولأن ذلك بابٌ للمكاسب لفلان وعلاّن هؤلاء، ومحرومةً من كل البنى التحية، ويعاني التعليم فيها بكل مستوياته بؤساً موصوفاً، وأما العناية الصحية فملغاةٌ بكل بساطة في العراق.

وأما هؤلاء السادة، من المسؤولين أصحاب "الدرجات الخاصة"، فيتقاضون مرتبات شهرية تصل رسمياً إلى أكثر من عشرة آلاف دولار لواحدهم، في حدها الأدنى، عدا المكافآت والتعويضات وبدلات الضيافة وما يسمى "مخصصات إضافية".. إن لم نتكلم عما هو "تحت الطاولة".

يهاجر الشباب العراقيون، أصحاب الكفاءات منهم بالطبع، ومعهم كل من يتمكن من الرحيل. ويحدث هذا في بلد لم يعتد طيلة حياته على الهجرات، بل هو تاريخياً مستقبِلٌ لموجاتها، ويصبح سريعاً مستقراً لها ويستوعب ناسها ضمن بناه.

ولأن الوضع هو على هذه الشاكلة، فكل المناصب مطروحة في سوق المزايدة، بما فيها الوزارات والنيابات، وينالها أولاً، وبتقاسم الحصص، من يتبع بالولاء إلى أقطاب القوى المتنفذة، وعليه ثانياً، وبين متنافسين كثر، أن يدفع "ثمنها"، وهو يصل أحياناً إلى أرقام من ست خانات، يعرف مشتريها أنها ستعوض بسرعة!

وبالطبع فذلك يحمل في طياته انحطاط المستوى في كل شيء: في الكفاءة والمعرفة، وكما في الضوابط القيمية، وأخيراً في هَمّ إنجاز العمل (الافتراضي!) نفسه.

وأما أبواب الهدر وأشكال الرشوة المجتمعية الأخرى، فتخص مثلاً الرواتب المقرة للتعويض عن سنوات الاعتقال في فترة حكم صدام حسين - وقد كاد أن يكون عدد الذين سجلوا كمعتقلين يفوق عدد سكان البلد في حينه! أو حتى كبدل للوجود خارج البلاد.

ومن ينسى "الفضائيين" وهم جنود وهميون كان مسئولون وضباط يستلمون مرتباتهم "عنهم"، وقد افتُضح أمرهم عند اجتياح داعش للموصل وما حولها.. وهناك أيضاً مرتبات أعضاء الحشد الشعبي وما فيه من ميليشيات.

بلاد الرافدين دُمرت عمداً، ومع سبق الإصرار. بدأ نظام صدام حسين بسحق المجتمع ونزع حيويته وقدرته على المبادرة، خشية تبلور بدائل لهيمنته. ثم جاء البرابرة الجدد، ودمروه بالمعنى الحرفي وبإمعان، وسبّوه، وأعلنوا بصراحة نيتهم إعادته إلى العصر الحجري.

وهو، هذا الدمار، ما أنجز الإخلال بكل التوازنات التي كانت قائمةً في مجمل المنطقة (ولو أنها كانت هشّةً ومريضة)، وعرّاها أمام نفوذ قوى إقليمية كإيران وتركيا، لها طموحاتها ومطامعها، ومكّنها من أن تستهين بها.

وأفلتت إمارات الخليج تتباهى بنفسها وتستقوي لأجل ذلك بإسرائيل وحقق لهذه الأخيرة حلماً أساسياً، لديها ألف سبب للتمسك به والسعي إليه. 

* نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية، رئيسة تحرير "السفير العربي".

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

العراق، سياسات حكومية، طائفية، غزو العراق، فساد، محاور إقليمية، توازنات،