فورين أفيرز: أحداث فلسطين بداية لعهد أكثر اشتعالا حتى لو توقف إطلاق النار

الجمعة 21 مايو 2021 12:36 ص

في وقت ما قريبا ستنتهي المعركة العسكرية الحالية بين إسرائيل و"حماس"؛ لكن تداعيات هذه المواجهة العسكرية وتصاعد العنف بين العرب واليهود في مدن الخط الأخضر والضفة الغربية، ستكون طويلة الأمد وعميقة. وفضلا عن ذلك، ستعزز هذه التطورات الشعور بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومعظم المجتمع الدولي بأن البحث عن حل سلمي للصراع قد انتهى في المستقبل المنظور.

ولم تكن المعركة التي بدأت في أوائل مايو/أيار مخططا لها، فقد كانت تتويجا لخطوات صغيرة ولكنها خطيرة. ويمكن القول أن مزيجا من الديناميكيات السياسية المحلية الإسرائيلية والفلسطينية، والإخفاقات الدولية، والعلاقات المتدهورة بين الجانبين، خلقت الظروف المناسبة للمعركة الأخيرة.

وبالرغم أن المعركة جاءت بشكل عرضي، فمن المرجح أن يكون لها عواقب دائمة. وستخرج "حماس" من المعركة أقوى، وستخرج السلطة الفلسطينية ورئيسها أضعف. وبالرغم أن العنف بين العرب واليهود داخل إسرائيل سيتراجع في نهاية المطاف، لكن تصورات العرب عن التمييز المنهجي ستنمو، وكذلك الاعتقاد بأن البحث عن المساواة داخل إسرائيل غير مجد بطبيعته.

وسوف تترسخ رمزية القدس، ما يعمق الأبعاد الدينية للصراع. وبحسب الإسرائيليين والفلسطينيين، تشير هذه التطورات إلى العودة إلى مرحلة قديمة من الصراع، فقد عزز الأسبوعان الماضيان الاعتقاد بأن علاقتهما وجودية وصفرية وأن الدبلوماسية لا طائل من ورائها وأن المواجهة المسلحة أمر لا مفر منه.

أزمة تتطور

وتتكشف المواجهة الحالية عبر 4 مسارح، أولها غزة التي دمرت إسرائيل البنية التحتية المدنية فيها وقتل أكثر من 230 شخصا نصفهم من النساء والأطفال فيما قتلت صواريخ غزة 12 إسرائيليا.

أما المسرح الثاني فهو داخل إسرائيل التي تشهد صدامات طائفية غير مسبوقة بين العرب واليهود. وتنفرد القدس بالمسرح الثالث حيث تتصاعد استفزازات الجماعات اليمينية المتطرفة حول الأماكن الإسلامية المقدسة فيما تنتظر للعائلات العربية من حي الشيخ جراح ما ستسفر عنه الأيام المقبلة بخصوص قرار إخلائهم.

أما المسرح الرابع فهو الضفة الغربية التي تصاعدت التوترات فيها بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية 4 متظاهرين فلسطينيين وأصابت العشرات في 18 مايو/أيار، وهو يوم احتجاج وإضراب اجتاح المدن الفلسطينية الكبرى. ومع ذلك، لا تزال التوترات هناك تحت السيطرة بفضل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

وأخذت هذه الديناميكيات تتراكم منذ الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014. وكانت تلك الحرب بمثابة نهاية لأي أمل حقيقي في التوصل إلى صفقة ما لإنهاء الصراع، كما كان وزير الخارجية الأمريكي آنذاك "جون كيري" يأمل في القيام به. وبعد عام 2014، تضاءلت احتمالات حل الدولتين تدريجيا.

ومع إدراك أن النتيجة السلمية مستحيلة، بدأ اليمين الإسرائيلي في إظهار نفسه خاصة بعد انتخاب "دونالد ترامب" رئيسا للولايات المتحدة عام 2016. وشجعت سياسات "ترامب" العديد من المحافظين الإسرائيليين ومهدت الطريق لمناهضة شديدة لأي سياسات تنصف الفلسطينيين.

وبدأ المستوطنون الإسرائيليون بالتوسع في مناطق جديدة من الضفة الغربية، وبدأت إسرائيل بشكل روتيني في مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل على طول الطريق. وبحلول أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020، بدأ العديد من الإسرائيليين في المطالبة بضم مساحات واسعة من الأراضي في الضفة الغربية.

ومما زاد الطين بلة، أن العديد من الدول العربية بدأت أيضا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأبرمت في نهاية المطاف ما يسمى بـ "اتفاقات إبراهيم" عام 2020. ومع تراجع تضامن الدول العربية مع القضية الفلسطينية، شعر الفلسطينيون أن الجميع قد تخلى عنهم.

وتجلت هذه الضغوط بشكل خاص في القدس. وبعد اعتراف واشنطن عام 2017 بالمدينة كعاصمة لإسرائيل، زادت إسرائيل من وتيرة الضم غير القانوني وكثفت جهودها لتغيير الوضع الراهن في الأماكن المقدسة في المدينة القديمة.

وقيدت الشرطة الإسرائيلية وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى، وحاولت إسكات الأذان، وأعطت الضوء الأخضر لأعداد أكبر من اليهود الإسرائيليين لتوسيع أنشطتهم في الأماكن الإسلامية المقدسة. كما تحركت السلطات لإخلاء السكان الأصليين في القدس الشرقية من منازلهم وبدأت في فرض أجندة يهودية قومية دينية مهيمنة في جميع أنحاء المدينة.

وداخل إسرائيل نفسها، اتخذ الجناح اليميني المتطرف أيضا خطوات لتهميش المواطنين العرب، كان أبرزها ما يعرف بقانون يهودية الدولة عام 2018، والذي يعتبر إسرائيل وطنا لليهود فقط، ويؤسس اللغة العبرية كلغة رسمية فقط، ويؤكد أن المستوطنات اليهودية هي "قيمة وطنية".

ويحرص السياسيون اليمينيون، بمن فيهم رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، على بث الكراهية ضد العرب داخل إسرائيل وممثليهم في الكنيست. علاوة على ذلك، يؤدي الارتفاع الهائل في معدلات الجريمة في المجتمعات العربية إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة بالفعل.

وعلى مدى الأعوام العديدة الماضية، قوضت السلطة الفلسطينية ثقة الجمهور في قدرتها على الحكم. وفضلا عن عدم إجراء أي انتخابات منذ عام 2006، فقد أضرت السلطة الفلسطينية بسيادة القانون وأضعفت القضاء وقلصت الحريات الإعلامية وقوضت المجتمع المدني. وكانت النتيجة هي زيادة السخط العام والمطالبات برحيل "محمود عباس". 

مسار تصادمي

وقبل أسبوعين، اصطدمت أخيرا هذه الديناميكيات المتضاربة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبين الفلسطينيين وبعضهم البعض. وكان السبب الأول والأكثر وضوحا هو سياسات إسرائيل تجاه الأماكن المقدسة الإسلامية في البلدة القديمة بالقدس ومعركتها الديمغرافية ضد الفلسطينيين في بقية القدس الشرقية المحتلة. ومهد ذلك الطريق لمواجهات صغيرة خلال شهر رمضان، بين الفلسطينيين من ناحية والشرطة الإسرائيلية والمتطرفين اليمينيين من ناحية أخرى، في البلدة القديمة حول التغييرات في الحرم الشريف والوصول إلى باب العامود.

وكانت الشرارة الثانية في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وفي نمط يتكرر في جميع أنحاء المدينة المحتلة، واجه العديد من السكان الفلسطينيين إخلاء وشيكا من منازلهم من قبل المستوطنين اليهود. واحتشد سكان القدس الشرقية وفلسطينيون آخرون والعديد من العرب داخل إسرائيل ردا على ذلك، وأطلقوا سلسلة من الاحتجاجات المحدودة والسلمية.

وكان هناك دافع منفصل وهو القرار الإسرائيلي بمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية في القدس الشرقية، بالرغم من التزامها بتسهيلها بموجب شروط اتفاقيات أوسلو التي تم التوصل إليها عام 1993.

ويبدو أن القرار الإسرائيلي لا علاقة له بالانتخابات نفسها؛ فقد أعلنت إسرائيل أنها لا تنوي التدخل في العملية ككل، ولكن هذه الخطوة كانت محاولة لإنكار المطالبات الفلسطينية بالقدس الشرقية المحتلة، بالرغم أن إسرائيل قد اعترفت بالفعل بها في 3 انتخابات سابقة. وكانت هذه الخطوة الإسرائيلية هي الأكثر صلة بتوقيت المواجهة الحالية.

وردا على قرار إسرائيل، قرر "عباس" إلغاء انتخابات السلطة الفلسطينية التي كان من المقرر عقدها في مايو/أيار الماضي، وأدى ذلك إلى زيادة التوترات الفلسطينية الداخلية. ورفضت جميع القوائم الانتخابية الفلسطينية والمرشحون الآخرون تقريبا القرار، بما في ذلك "حماس". ورأت معظم الأحزاب أن الدافع الحقيقي هو إدراك "عباس" أنه سيخسر الانتخابات وسيضطر لتقاسم السيطرة على البرلمان مع 3 منشقين بارزين عن فتح، وهم "محمد دحلان" و"مروان البرغوثي" و"ناصر القدوة".

وقال معارضو "عباس" إن الفلسطينيين يجب ألا يمنحوا إسرائيل حق النقض على انتخاباتهم. وبدلا من ذلك فضلوا إجبار إسرائيل على قبول التصويت في القدس الشرقية من خلال الحملات الانتخابية غير العنيفة وحملات التصويت في الأقصى وغيرها من المساجد والكنائس وبعثات الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية.

وكان المحفز الأخير للتصعيد الحالي هو عجز "حماس" عن تشكيل تحالف مشترك ضد إلغاء "عباس" للانتخابات، بالرغم من المعارضة الواسعة له. ومع أن "حماس" مدت يدها إلى قوائم انتخابية أخرى لتشكيل تحالف ضد قرار "عباس"، إلا أن هذه القوائم لم ترغب أن يُنظر إليها على أنها حليفة لـ"حماس". وقد وجه ذلك ضربة قوية لاستراتيجية "حماس" على المدى الطويل. ومن خلال إعادة دمج نفسها في العملية السياسية للسلطة الفلسطينية عبر الانتخابات، سعت "حماس" إلى استعادة شرعيتها وتحرير نفسها من عبء حكم قطاع غزة.

ومع تعثر هذه الاستراتيجية، أصبحت قيادة "حماس" أكثر غضبا. وقد أتاح تصعيد الشرطة الإسرائيلية في الأقصى وعمليات الإخلاء الوشيك في الشيخ جراح الفرصة لتحقيق هدفين، الأول هو معاقبة "عباس" وإخراجه من المشهد، والثاني هو معاقبة إسرائيل على سياساتها المعادية للفلسطينيين في القدس الشرقية وقرارها وقف الانتخابات في المدينة.

ومن أجل تحقيق هذين الهدفين، سعت حماس إلى أن تثبت للفلسطينيين ولآخرين أنه بينما يهرب "عباس" من خوض معركة لأجل القدس، فإن "حماس" ستقف مع سكان القدس وكل المدن الفلسطينية. وفي الواقع، كانت الحركة مستعدة للمخاطرة بالحرب في غزة للدفاع عن المدينة والمسجد الأقصى.

وفي نهاية المطاف، في 10 مايو/أيار، أصدرت حماس إنذارا نهائيا، يقول إنه إذا لم تسحب إسرائيل أفراد الشرطة والجيش من المسجد الأقصى والشيخ جراح، فإن الحركة ستوجه ضربات لإسرائيل. وبعد دقائق من انتهاء المهلة، بدأت "حماس" في استهداف البلدات الإسرائيلية بصواريخ أطلقت من قطاع غزة، ما فتح الباب للعملية العسكرية الجارية.

آفاق السلام

لم تبدأ "حماس" للمواجهة الحالية من العدم، فقد استفادت فقط من التوترات المتصاعدة لإثبات شرعيتها. وأدى قرار إسرائيل بإلغاء الانتخابات في القدس الشرقية وخطوة "عباس" اللاحقة بإلغاء العملية برمتها إلى سلسلة من ردود الفعل لم يتوقعها أي من الطرفين.

ولو جرت الانتخابات كما هو مخطط لها، لكانت المواجهات في القدس الشرقية قد اشتدت ولكن كان من المرجح أن تظل سلمية. وكانت حماس وفتح وقوائم انتخابية أخرى ستنشغل أكثر بتعبئة ناخبيها، ولم تكن حماس لتخاطر بشن حرب في غزة كان من الممكن أن توقف الاستعدادات الانتخابية، وبالتالي تقضي على فرصتها في إعادة الاندماج في العملية السياسية الرسمية. لكن بدون انتخابات، كانت الساحة مهيأة لاندلاع المعركة.

فكيف ستؤثر المواجهة الحالية على آفاق سلام طويل الأمد؟ حسنا، على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية، ربما تلقى حل الدولتين ضربة قاتلة. وبالنظر إلى الجهود الإسرائيلية لتهميش "عباس" والسلطة الفلسطينية، فلن يكون من السهل إبعاد الضفة الغربية عن الصراع القادم أو حتى الصراع الحالي. ولن يكون التنسيق الأمني ​​بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية كافيا لاحتواء النيران المتصاعدة. وبالنظر إلى الخطاب حول الضم، لن تكون أي حكومة يمينية إسرائيلية مستعدة أو قادرة على تجديد عملية سياسية تتطلب مفاوضات مع قيادة السلطة الفلسطينية، حتى لو كانت خطوات تدريجية صغيرة.

وفي الداخل، لن يتمكن "عباس" من البقاء في منصبه إلا إذا كان قادرا على منع إجراء الانتخابات. ولكن مع تزايد السخط الشعبي، تتضاءل قدرة أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية على الحفاظ على السيطرة وتهدئة السخط. وقد تجد السلطة الفلسطينية نفسها هدفا لجمهور غاضب. وسيخسر "عباس" والسلطة الفلسطينية الثقة القليلة التي ما زالوا يحتفظون بها. ولا تزال الانتخابات والإصلاحات السياسية هي الوسيلة الوحيدة لجعل النظام شرعيا.

أما أولئك الذين يرفضون الانتخابات لأن "عباس" سيخسر أو لأن العملية قد تضفي الشرعية على حماس، فيجب أن يأخذوا العواقب بعين الاعتبار. فتجاهل المشكلة وإبقاء حماس محاصرة في قطاع غزة ليس حلا.

ولا يجب التعويل على دور المجتمع الدولي هنا. وفي أحسن الأحوال، يمكن لبعض الدول العربية بالإضافة للولايات المتحدة، المساعدة في إدارة الصراع فقط من خلال جعل الوضع الراهن مستداما. ومع ذلك، لا تمتلك هذه الأطراف القدرة أو الإرادة السياسية لإجبار إسرائيل على احترام القانون الدولي أو إجبار "عباس" والسلطة الفلسطينية علي احترام معايير الحكم الرشيد. وبالرغم من صعوبة الأمر، يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين القيام بذلك بأنفسهم.

المصدر | خليل شكاكي/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سيف القدس غزة تحت القصف الانتخابات الفلسطينية الشيخ جراح القدس الشرقية الضفة الغربية كتائب القسام حركة حماس محمود عباس محمود عباس

حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات حماس بالضفة الغربية

11 شهيدا و500 إصابة برصاص إسرائيلي في الضفة.. واعتقال الخطيب

موقع عبري: إسرائيل تعيد فتح معبري بيت حانون وكرم أبو سالم مع غزة الجمعة

لدعم وقف النار.. مصر ترسل وفدين إلى تل أبيب والأراضي الفلسطينية

ترحيب أممي ودولي بوقف إطلاق النار في غزة