كيف نجح السيسي في جذب انتباه بايدن؟

السبت 29 مايو 2021 02:00 ص

بعد سريان اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة الأسبوع الماضي، شكر الرئيس الأمريكي "جو بايدن"  نظيره المصري "عبدالفتاح السيسي"، واصفًا إياه بأنه "لعب دورا حاسما في هذه الدبلوماسية".

ويستطيع أي مراقب للوضع أن يرصد تغير خطاب القاهرة عن فلسطين وغزة و"حماس" في الفترة التي سبقت التوصل لاتفاقية وقف إطلاق النار، ولكن لماذا؟

قبل الاتفاقية ببضعة أسابيع، أدانت وزارة الخارجية المصرية اقتحام الجنود الإسرائيليين للمسجد الأقصى في رمضان، وانتقدت خطبة الجمعة في مسجد الأزهر بشدة إسرائيل، مستشهدة بالحاجة إلى "قوة ردع إسلامية" لتحرير القدس من الاحتلال.

وأظهرت البرامج التلفزيونية المصرية مقدمي البرامج والبرلمانيين المؤيدين للنظام وهم يعربون عن تضامنهم مع فلسطين، في الوقت الذي أدانوا فيه إسرائيل باعتبارها عدوًا محتلًا، فيما لم يتم توجيه انتقادات لـ"حماس".

في الوقت نفسه، نشرت مصادر مصرية أخبارًا بأن معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة تم فتحه من أجل المساعدات الإنسانية، وشوهدت شاحنات تحمل صورة "السيسي" في طريقها إلى غزة، كما وعد "السيسي" بعد ذلك بتخصيص 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة.

ويعد ذلك تناقضًا صارخًا مع الرواية التي جرى الترويج لها تقليديًا في عهد "السيسي"، والتي تصور "حماس" كمنظمة إرهابية، وتتهمها بشكل مستمر بتنفيذ هجمات في سيناء وتهريب الأسلحة إلى جماعة "الإخوان المسلمين".

وفي حين أن هذه الاتهامات كانت دون أساس، إلا إن مصر ظلت ترى "حماس" كامتداد لـ"الإخوان"، وكتهديد لاستقرار النظام المصري.

الانخراط مع إسرائيل

على عكس الرؤساء المصريين السابقين، لم يتدخل "السيسي" لوقف الاعتداء الإسرائيلي على غزة في 2014، ولم يضغط دبلوماسيا لوقف إطلاق النار، تاركًا غزة تعاني من أسابيع من الضربات الجوية قبل ترتيب وقف إطلاق النار. وكان انخراط مصر في اتفاقيات وقف إطلاق النار هامشيًا خلال فترات التصعيد في السنوات التي تلت ذلك.

كما دعم "السيسي" أيضا "صفقة القرن" التي رفضها الفلسطينيون بإجماع، ولم يوجه أي انتقاد لاعتراف الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" بالقدس كعاصمة لإسرائيل، على عكس الإدانات القاسية التي أعربت عنها الأردن وتركيا وقطر الدول الأخرى ذات الأغلبية الإسلامية.

وجاء التصعيد الحالي في الوقت الذي كانت فيه مصر تحاول إعادة تموضعها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واستعادة نفوذها الإقليمي، لكن إعادة التموضع كانت تحتاج إلى مبرر منطقي لكي تصبح مقبولة داخليًا، كما كانت هناك حاجة لاستيعاب الغضب الشعبي ضد الاعتداءات الإسرائيلية في القدس.

وخلال السنوات الماضية، تراجع النفوذ الإقليمي لمصر، فقد جاء جزء من نفوذها من خلال معاهدة السلام لعام 1979 مع إسرائيل، والتي كانت حجر الزاوية في النظام الإقليمي. وجعل ذلك مصر في وضع يمكنها من التوسط بين إسرائيل و"حماس" خلال أوقات التصعيد، حتى في الوقت الذي ظل فيه الانخراط مع إسرائيل من المحرمات بالنسبة لدول المنطقة.

ولكن مع اندلاع الربيع العربي، تدهورت علاقات مصر مع إسرائيل وتم اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة وسط احتجاجات هائلة في عام 2011. وفي السنة القصيرة التي حكم فيها الرئيس الراحل "محمد مرسي"، دعمت مصر غزة بشكل غير مسبوق، وأرسلت رئيس وزرائها إلى القطاع المحاصر عندما شنت إسرائيل عملية عسكرية في أواخر عام 2012.

ومع ذلك، لعبت حكومة "مرسي" دورا حاسما في التوسط في اتفاقية وقف إطلاق النار، وكان النفوذ الإقليمي لمصر متصاعدًا آنذاك.

قمع المعارضة

لكن مصر شهدت تحولًا كبيرًا في عهد "السيسي"، فقد حسنت علاقاتها مع إسرائيل وسمحت سرا بالغارات الجوية الإسرائيلية على الجماعات المسلحة في سيناء. كما تخلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهي خطوة أثارت الجدل محليا وتم اعتبارها على نطاق واسع لصالح إسرائيل.

ولم تحصل مصر في المقابل على الكثير، وإنما حصلت على بعض الدعم المستمر من اللوبى الإسرائيلي في الولايات المتحدة والذي دفع واشنطن لتقبل النظام القمعي في مصر.

وكان هناك هامش من الحرية في مصر في عهد "مبارك" لكن النظام الحالي قضى على هذا الهامش. وسابقا، كانت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطين تملأ شوارع القاهرة خلال فترات العدوان الإسرائيلي. لكن نظام "السيسي" شن حملة على جميع أشكال المعارضة؛ حتى أصبح رفع العلم الفلسطيني ​​سببا كافيا للاعتقال أو الاختفاء القسري.

ومن خلال تصدر النظام المصري للموقف المناهض للعدوان الإسرائيلي، فإنه لا يترك أي فرصة لحشد شعبي ضد النظام، كما يحاول إثبات أنه ما يزال فاعلًا في ظل أفول نفوذه الإقليمي، خاصة في ظل أزمة سد النهضة مع أثيوبيا.

جذب اهتمام "بايدن"

جاء "بايدن" بوعود تتضمن إعادة التزام الولايات المتحدة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تجنب بالفعل التواصل مع "السيسي" في البداية. ولكن لم يعد بإمكان "بايدن" تجاهل "السيسي" بعد معركة غزة، وبالفعل جرت أول مكالمة هاتفية بينهما في الأسبوع الماضي، قبل وقف إطلاق النار في غزة.

وبعد ذلك بأيام، اعترف "بايدن" في مكالمة أخرى بمخاوف مصر بشأن سد النهضة واستشهد بالحاجة إلى "حل دبلوماسي". وستكشف الأيام المقبلة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستساعد حقا مصر في قضايا أمنها المائي، لكن المهم أن مصر تعرف الآن ما يجب القيام به للحصول على اهتمام "بايدن".

ومع ذلك، فإن تسليط إدارة "بايدن" الضوء على مصر، سيجلب سجلها القاتم في حقوق الإنسان إلى النقاش العام والمحادثات المستقبلية.

وقد أكد "بايدن" خلال مكالمته الثانية على "أهمية حوار بناء بشأن حقوق الإنسان في مصر"، بالرغم أن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة في مصر تجاهلت هذا الأمر.

ومع ذلك، فبدون ضغط حقيقي من واشنطن، يبدو من المستبعد للغاية إحراز أي تقدم بشأن قضايا حقوق الإنسان في مصر.

المصدر | مصطفى سلامة | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر فلسطين الولايات المتحدة غزة سد النهضة السيسي إدارة بايدن العلاقات الأمريكية المصرية

خلال اتصال مع السيسي.. بن زايد يشيد بدور مصر في وقف إطلاق النار بغزة

يديعوت أحرونوت: اتصال بايدن بالسيسي جاء بضغط من إسرائيل

الموقف المصري من غزة.. هل ينجح السيسي في استرضاء بايدن؟

مناورات مصر للعودة إلى مركز الصدارة الإقليمية.. فرص النجاح والفشل

و.بوست: بايدن أمام اختبار مصري حاسم لإثبات جديته في الدفاع عن الديمقراطية

و. بوست: بايدن يدعم الحكم الاستبدادي للسيسي وليس حقوق الإنسان

تغيير أم استمرارية؟.. سياق حقوق الإنسان في العلاقات الأمريكية المصرية بعهد بايدن