استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في التصحر والوحدة الثقافية العربية

الثلاثاء 15 يونيو 2021 06:52 ص

في التصحر والوحدة الثقافية العربية

هل كانت الصحارى العربية عناصر كابحة تعرقل قيام الوحدة الثقافية العربية وتحول دون نجاح التجارب الوحدوية؟

كيف تمكن جيش الفتح بقيادة خالد بن الوليد في فترة لم تتجاوز عامين من توحيد عموم مناطق الجزيرة العربية عبر الصحراء؟

قراءة التاريخ وجغرافية العالم القديم والمعاصر لا تدعم فرضة التصحر كعائق للوحدة فقد أنجزت أمم عريقة وحدتها ولم تمنع الصحارى تحقيق ذلك.

فكرة الأمة الواحدة بقيت حلما يراود كثير من العرب واستمرت الهوية تحمل ثنائية ممزقة بين انتماء إلى كيان خاص وانتماء معنوي آخر إلى الأمة.

مع كل حالة ضعف عاشتها الكيانات المحلية كان الشعور بالانتماء إلى الأمة يطغى ويتعزز لكن الوحدة السياسية ظلت ولا تزال رهناً بقوة العرب وتصميمهم.

*     *     *

منذ السبعينات من القرن المنصرم، كتب الكثير عن الصحارى العربية كعناصر كابحة لقيام الوحدة الثقافية العربية، وكان الأهم بين تلك الكتابات كتاب «مغزى الدولة القطرية» للدكتور محمد جابر الأنصاري الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية.

إن تلك الصحارى تسببت من وجهة نظر هؤلاء الباحثين، في إعاقة الوحدة الثقافية العربية، وبالتالي في الحيلولة دون إمكانية نجاح التجارب الوحدوية.

ومع التقدير لتلك الجهود لكن قراءة التاريخ وقراءة جغرافية العالم القديم والمعاصر لا تسند هذا السجال، فهناك أمم عريقة أنجزت وحدتها، ولم يحل وجود الصحارى دون تحقيق ذلك.

فمثلا، الجزء الغربي للولايات المتحدة، باستثناء الولايات المشاطئة للساحل الغربي، من نيفادا إلى يوتا وإريزون، جميعها أراض صحراوية، وبمساحة تتجاوز مساحة الصحارى العربية بعدة أضعاف، لم تحل دون تحقيق الاتحاد الأمريكي، ومثل هذا القول، ينسحب على صحراء التبت، في الصين.

لم يحُل وجود الصحارى دون اتجاه العرب نحو التخوم الشمالية من الجزيرة العربية في موجات متعاقبة إلى العراق وبلاد الشام ووادي النيل قبل استهلال الفتح، وقد سهل ذلك الوجود على المسلمين ولوج تلك الأقطار، وجعلها بعد فتحها جزءاً من الحواضر العربية.

وحين انطلقت جيوش المسلمين من يثرب لعموم مناطق الجزيرة العربية، كانت على علم بتضاريسها ووديانها وجبالها، وعلى معرفة بطرقها، حيث كان أهل مكة قد استخدموا تلك المناطق وطرقها محطات وممرات لعبور قوافل تجارتهم من قبل.

بل كانوا على معرفة بقبائل الجزيرة وعشائرها وأنسابها ورموزها الاجتماعية، وقد ساعدتهم تلك المعرفة في عقد التحالفات وتوقيع معاهدات الصلح، وإقامة العلائق مع القبائل، مما سهل على الفاتحين تنفيذ مهامهم.

إن ذلك يفسر كيف تمكن جيش الفتح بقيادة خالد بن الوليد في فترة لم تتجاوز عامين من توحيد عموم مناطق الجزيرة العربية. وهي فترة قياسية قصيرة شهدت كراً وفراً ووقفات تعبوية، وانتقال عبر الصحراء، في مواسم قاسية من منطقة إلى أخرى، من نجد إلى اليمن وعمان فالبحرين وشمال الجزيرة.. إلى بلاد الشام والعراق.

لقد كان تكلل عملية الفتح بالانتصارات في تلك الظروف، عملا مستحيلا، لو كانت هناك قطيعة في الثقافة. ويوضح ذلك التواصل أسباب التماهي السريع والواسع للبلدان التي شملها الفتح مع التفاعلات الفكرية والمذهبية والفقهية.

فقبل العرب على اختلاف مناطق وجودهم نتاج مدارس الكوفة والبصرة وبغداد والقيروان، وانتشار المذاهب الفقهية التي تمركزت في بغداد والحجاز من حنفية وشافعية وحنبلية ومالكية وشيعية في أرجاء المدن العربية، لتنتقل في ما بعد إلى أرجاء الدولة العربية الإسلامية حتى الأندلس.

 وبالمثل انتشرت بسرعة، المذاهب الفكرية والفلسفية التي تكونت في ظل الحضارة العربية، وكانت تلك المذاهب انعكاساً موضوعيا للصراعات السياسية والاجتماعية التي شهدتها دولة الخلافة في العصرين الأموي والعباسي كمدارس المرجئة والأشاعرة والجبرية والقدرية، وقد وجدت من يتبناها ويدافع عنها على امتداد الساحة العربية والإسلامية.

فمدرسة المعتزلة خرجت من البصرة، لكن منهجها انتقل وتطور في بقاع أخرى من ساحة الحضارة العربية، وكانت نتيجة ذلك تراثاً خالداً متنوعاً مثل مختلف التيارات الفكرية والفلسفية على امتداد ساحة حضارتها.

وصدر في مرحلة لاحقة، كتاب «تهافت الفلاسفة» لأبي حامد الغزالي في بلاد فارس، إلى الشرق. ورد عليه أبو الوليد محمد بن رشد المولود في قرطبة في الأندلس، أقصى ما وصلته حضارة العرب غرباً، وكان أن صدر في ما بعد كتاب المقدمة لعبد الرحمن بن خلدون من تونس، وتلك كانت قفزة نوعية في تأسيس علم الاجتماع.

وعلى الصعيد الأدبي، كان هناك تواصل عبّر عنه الشعر العربي في حلقات مستمرة متصلة منذ المعلقات قبل الإسلام إلى عمر بن أبي ربيعة فجرير والفرزدق ودعبل الخزاعي وأبي نواس والبحتري وأبي تمام إلى الأندلس حيث ابن زيدون وابن هاني والموشحات الأندلسية.

وقد نقلنا ذلك الأدب الرفيع بإيقاعات جميلة من الحجاز إلى الشام والعراق ومصر والأندلس في رحلات بإيقاعات جميلة، ونبض مثل التاريخ في حركته وتطوره.

ومع ضعف قبضة دولة الخلافة لاحقاً، وقيام إمارات وممالك محلية حمدانية وسلجوقية ومملوكية، فإن فكرة الأمة الواحدة بقيت حلما يراود الكثير من العرب، واستمرت الهوية تحمل ثنائية ممزقة بين انتماء إلى كيان خاص، وانتماء معنوي آخر إلى أمة، ومع كل حالة ضعف عاشتها تلك الكيانات، كان الشعور بالانتماء إلى الأمة يطغى ويتعزز، لكن الوحدة السياسية ظلت ولا تزال رهناً بقوة العرب وتصميمهم.

* د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

العرب، التصحر، الوحدة الثقافية العربية، الصحارى العربية، التجارب الوحدوية، الهوية، الخلافة، التاريخ، جغرافية، الأمة،

جيوبوليتكال: هكذا انهار وهم القومية العربية