إعلان شوشة.. رسائل إقليمية ودولية لذروة التحالف بين تركيا وأذربيجان

الخميس 17 يونيو 2021 06:49 م

ما هي دلالة خارطة الطريق التي رسمها إعلان كل من تركيا وأذربيجان، الثلاثاء الماضي، التوقيع على اتفاق لتعزيز التحالف الاستراتيجي بين البلدين في مدينة شوشة بإقليم قره باغ الذي استعادت أذربيجان السيطرة عليه مجددا بعد عقود من الاحتلال الأرميني بمساعدة تركية؟

يتصدر هذه السؤال اهتمامات مراقبي الشأن التركي، خاصة في ظل حالة "اعتراف وامتنان" من قبل باكو للدور الحاسم الذي لعبته أنقرة في دعم أذربيجان لتحرير أراضيها في وقت فشل فيه كل أصدقاء باكو في الشرق والغرب في مساعدتها بهذا الملف خلال العقود الثلاثة الماضية.

وينطوي هذا الاعتراف على رغبة أذربيجانية في مكافأة الحليف التركي على دوره التاريخي في حرب التحرير الأخيرة، علاوةً على الاستعانة بأنقرة للحفاظ على التوازنات الجيوسياسية في جنوب القوقاز، خوفاً من أن يؤدي أي تغيير مستقبلاً إلى تحفيز الأرمن وحلفائهم الإقليميين أو الدوليين على الخوض في مغامرات جديدة.

وفي هذا الإطار، أعلنت أذربيجان إعطاء الأولوية في عملية إعادة الإعمار لشركات الإنشاءات والمقاولات التركيّة التي تحتل بدورها المرتبة الثانية عالمياً بعد الصين، ومنحت بعض الشركات التركية امتيازات العمل بمناجم في البلاد لمدة 30 عاماً.

لكن إعلان شوشة لا يقف عند حدود العلاقات الثنائية، بل ينطوي على رسائل للقوى الإقليمية والدولية المعنيّة، حسبما نقلت شبكة TRT التركية عن المحلل السياسي "علي باكير".

فمن حيث التوقيت، يشير "بكير" إلى أن الإعلان يأتي بعد القمّة التي جمعت الرئيس التركي "رجب أردوغان" بالرئيس الأمريكي "جو بايدن" على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي أوج الحديث عن أهمّية إعادة تفعيل الحلف واحتواء النفوذ المتزايد لروسيا والصين، ما يمكن تركيا من إرسال رسالة مفادها بأنها اللاعب الأكثر كفاءة وقوّة ومصداقية وقدرة على الحد من نفوذ روسيا في المنطقة.

الدليل على ذلك، حسب تحليل المحلل التركي، هو دور أنقرة الحاسم في منع تفرّد موسكو في سوريا وليبيا وقره باغ. تركيا أيضاً بصفتها ثاني أكبر قوّة عسكرية في الحلف، قادرة على تفعيل دوره وإعطائه زخماً وبُعداً جيوسياسيا جديداً في عمق آسيا الوسطى، لا سيما مع تفاعل ملف أفغانستان وقرب انسحاب قوات الناتو من هناك.

أمّا الرسائل الأخرى للإقليم، فواحدة للدول الناطقة بالتركية ومفادها أن تركيا جاهزة لتوسيع آفاق التفاهم والتعاون بما يخدم مصالح جميع الأطراف، وثانياً لهذه الدول وللإقليم، ومفادها أنّ تركيا دولة ملتزمة بتحالفاتها وقادرة على الموازنة مع القوى الكبرى وعلى إحداث الفارق حينما يجد الجد، وأن نموذج أذربيجان ليس استثنائياً في مجال التحالف مع أنقرة، وهو ما تبين لحلفاء تركيا في الاختبارات التي تمتّ في الخليج وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والقوقاز والقرن الأفريقي وغيرها من المناطق خلال السنوات القليلة الماضية.

ويرى "باكير" أن النقطة الأكثر أهمية في إعلان شوشة هي استعداد تركيا وأذربيجان لتقديم الدعم العسكري اللازم في حال تعرض أي منهما لأي اعتداء خارجي أو تهديد لوحدة وسلامة وسيادة أراضيهما من قبل دولة ثالثة.

هذه النقطة بالتحديد تتيح لتركيا توسيع لائحة تحالفاتها الدفاعية ورقعة عملياتها العسكرية مستقبلاً لكي تتمدّد باتجاه الشرق في القوقاز وآسيا الوسطى، ما يصب في ذات الرسالة الإقليمية خاصة بالنسبة لكل من: إيران وروسيا والصين والولايات المتّحدة.

وفي هذا الإطار، يأمل الجانب التركي، على ما يبدو، الاستفادة من قدرات أذربيجان المالية لاستثمارها في مجال تطوير الصناعات الدفاعية المحليّة التي شهدت قفزة كبيرة في تركيا خلال السنوات القليلة الماضية، وتحتاج الى المزيد من الاستثمارات والأسواق الخارجية لتواصل نموّها على المدى الطويل. 

في المقابل، ستستفيد أذربيجان من القدرات التركية في مجال التكنولوجيا والتسليح والتدريب وبناء قاعدة صناعيّة محلّية للأسلحة والذخائر من أجل تطوير قدراتها العسكرية ورفع الكفاءة القتالية لقواتها المسلحة وبناء جيش قوي وحديث، وربما يكون هناك فرصة أيضاً للإنتاج المشترك في مجال الصناعات الدفاعية والتعاون المشترك في مجال الأمن السيبراني.

وعلى المستوى الاقتصادي، يركّز "إعلان شوشة" على جهود تركيا وأذربيجان لتحقيق التنويع الاقتصادي وإنشاء الآليات اللازمة لخدمة هذا الغرض، وضمان حرية التنقل وزيادة الصادرات التجارية وإنشاء آليات لإنتاج مشترك، وتطوير بيئة أكثر ملاءمة لتحقيق المنفعة الاقتصادية المتبادلة، وتطوير التعاون في مجال الاستثمار.

من هنا كانت الإشارة في الإعلان إلى الدور الاستراتيجي لأذربيجان وتركيا في مجال الطاقة وأمن الطاقة، من خلال التأكيد على تنفيذ ممر الغاز الجنوبي الذي يساهم في تحقيق أمن الطاقة لأوروبا، ويخدم استراتيجية تنويع المسارات وتقليل الاعتماد على بعض المورّدين كروسيا.

ونجحت أنقرة خلال السنوات القليلة الماضية في رفع اعتمادها على الغاز الأذربيجاني على حساب الغاز المستورد من روسيا وإيران، وهو ما أعطاها مساحة أكبر للمناورة سياسياً واقتصادياً.

ويشكّل موضوع الطاقة عنصراً مهمّاً في أجندة الدول الأوروبية والولايات المتّحدة على حد سواء. إذ تحاول أوروبا التخفيف من عبء الاعتماد على الغاز الروسي، فيما تسعى الولايات المتّحدة إلى زيادة تنافسيتها في هذا المجال من خلال الحد من واردات روسيا إلى أوروبا.

ولذا فإن "إعلان شوشة" يعكس، بحسب "باكير"، مرحلة الذروة التي وصلت إليها تركيا وأذربيجان في التعاون والتنسيق، ويُمهّد لحقبة جديدة من العلاقات الاستراتيجية قوامها التحالف الاستراتيجي وتعميق التعاون طويل الأمد.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

تركيا أذربيجان رجب طيب أردوغان حيدر علييف باكو

روسيا: نراقب التطورات بشأن احتمال بناء قاعدة عسكرية تركية في أذربيجان