جيوبوليتكال: هكذا يفتح انتخاب رئيسي فصلا جديدا من عمر الثورة الإيرانية

السبت 26 يونيو 2021 12:38 ص

أصبح "إبراهيم رئيسي" ثامن رئيس لإيران منذ الإطاحة بـ"محمد رضا شاه" عام 1979، ويفتح ذلك فصلاً جديدًا في سياسة الجمهورية الإسلامية حيث يعمل المرشد الأعلى "علي خامنئي" بجدية على تعزيز ركائز النظام السياسي وإضفاء الطابع المؤسسي على مكتب المرشد الأعلى الذي يعتقد أن انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وصعود الصين، إذا اقترن باتفاق نووي جديد مع القوى الكبرى، سيفي بطموح إيران في أن تصبح القوة الإقليمية الرائدة.

تراجع الإصلاحيين

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت الأسبوع الماضي حوالي 49%. وفي طهران كانت النسبة أقل من 26%. وتعتبر هذه أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات الإيرانية منذ ثورة 1979.

على النقيض من نسبة المشاركة البالغة 85% في انتخابات عام 2009 و73% في انتخابات عام 2017، فإن الإقبال المنخفض في عام 2021 يكشف عن خيبة أمل الناخبين من قدرة الإصلاحيين على إحداث تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية ذات مغزى في ظل هيمنة المحافظين.

وفي عام 2009، خرج الشعب الإيراني بأعداد كبيرة وشعر أن السياسي الإصلاحي "مير حسين موسوي" سيفوز بسهولة في الانتخابات ضد الرئيس المحافظ "محمود أحمدي نجاد". لكن جرى تزوير الأصوات لضمان فوز المرشح المفضل وقتها لدى "خامنئي"، مما أدى إلى اندلاع موجة احتجاجات هائلة قامت قوات "الباسيج" شبه العسكرية بسحقها بلا رحمة.

وفي انتخابات 2017، كان "رئيسي" هو المرشح المفضل لـ"خامنئي". لكن شعبية الرئيس الحالي "حسن روحاني" ووعوده بأيام أفضل قادمة، خاصة بعد أن نجح في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، حسمت مصير "رئيسي" الذي حصل على 38% فقط من الأصوات في مقابل 57% لـ"روحاني". ولم يتدخل "خامنئي" حيث كان متخوفا من تكرار الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 2009.

وأدت الفترة الثانية في رئاسة "روحاني" إلى تآكل ثقة الجمهور في قدرة الإصلاحيين على الارتقاء إلى مستوى تطلعاتهم بشأن إجراء إصلاحات حقيقية وإعادة تعريف علاقتهم بالنخبة الحاكمة. وجاءت الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إيران في عام 2018 وما تلاها من احتجاجات بسبب التضخم الجامح، ثم جاء حادث إسقاط طائرة أوكرانية العام الماضي والذي أسفر عن مقتل 176 راكبا إيرانيا، ليؤدي ذلك كله لتراكم الإحباط تجاه الإصلاحيين الذين فشلوا في تقديم مرشح جدي لتحدي "رئيسي".

تداعيات انتخاب "رئيسي"

يخضع "رئيسي" للعقوبات الأمريكية منذ عام 2019 بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك دوره في "لجنة الموت" بطهران عام 1988، والتي حكمت على آلاف السجناء السياسيين بالإعدام بعد انتهاء مدة سجنهم، بالإضافة إلى العديد من عمليات القتل خارج القانون على مدى 4 عقود. ومع ذلك، فقد فاز بالثقة الكاملة لـ"خامنئي"، الذي عينه في عام 2019 رئيسا للسلطة القضائية في إيران.

وحدد مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوًا (يتم اختيارهم من قبل المرشد الأعلى ورئيس القضاء) نتيجة الانتخابات الرئاسية قبل انعقادها عندما استبعد 592 من أصل 599 مرشحًا. وحرص "خامنئي" على استبعاد المرشحين المحافظين الأقوياء مثل الرئيس السابق "محمود أحمدي نجاد" ورئيس البرلمان السابق "علي لاريجاني"، لضمان فوز "رئيسي" بالأغلبية من الجولة الأولى.

وكان من المهم للغاية بالنسبة لـ"خامنئي" البالغ من العمر 82 عامًا أن يصبح "رئيسي"، تلميذه المخلص والمؤمن الحقيقي بمبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية، رئيسًا حتى يتمكن "خامنئي" من تهيئته لمنصب المرشد الأعلى.

يشار إلى أن "خامنئي" كان رئيسًا لإيران عندما توفي "الخميني" في عام 1989، وانتخبه مجلس الخبراء المؤلف من 88 عضوًا على الفور خلفًا "الخميني".

ومع انتخاب "رئيسي"، بسط المحافظون سيطرتهم على الفروع الرسمية الثلاثة للحكومة. ويعني انتخاب "رئيسي" أيضًا أن المحافظين لن يتسامحوا في المستقبل مع وجهات النظر المعارضة حول القضايا الأساسية للدولة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بصياغة السياسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويواجه "رئيسي" مهمة شاقة تتمثل في استعادة ثقة الناخبين في النظام السياسي ومعالجة المظالم العامة فضلا عن معالجة التدهور الاقتصادي والذي تفاقم بسبب العقوبات الأمريكية وانخفاض أسعار النفط وفيروس "كورونا" والفساد.

وخلال العامين الماضيين اللذين قضاهما كرئيس للسلطة القضائية، قام "رئيسي" بمحاكمة وإدانة كبار المسؤولين بتهمة ارتكاب مخالفات مالية. وشمل ذلك شقيق "روحاني"، الذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات لاختلاس أموال عامة وتلقي ملايين الدولارات على شكل رشاوى.

وقبل الانتخابات، قدم "رئيسي" وعودا ببناء 4 ملايين وحدة سكنية وخلق مليون فرصة عمل كل عام. كما وعد برعاية 700 ألف حالة زواج سنويًا. وقال إنه سيضع خططا لمكافحة التهريب وتعزيز تنويع الصادرات الإيرانية غير النفطية.

وقبل انتخابات 2017، قال "رئيسي" إنه في حال انتخابه سيعطي العلاقات الإيرانية العربية مزيدًا من الاهتمام، بشرط أن تقرر شعوب اليمن وسوريا والعراق مصيرها دون تدخل خارجي. وكرر "رئيسي" نفس التصريحات خلال وبعد الانتخابات الأخيرة.

وبالنظر إلى أن إيران تتمتع بالفعل بنفوذ كبير في هذه البلدان، فإن تقرير مصيرها - من منظور "رئيسي" - يعني استمرار دور طهران في تحديد سياساتها. وتعكس تصريحات "رئيسي" سياسة "الخميني" العربية عام 1979، والتي ركزت على نشر الثورة الإسلامية الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة العربية لتعزيز إمبرياليتها الإقليمية بشكل فعال، حتى لو كان ذلك يعني إثارة صراعات طويلة الأمد.

وعندما سافر إلى بغداد قبل 4 أشهر، أصر "رئيسي" على زيارة الموقع الذي قُتل فيه الجنرال "قاسم سليماني" العام الماضي في غارة أمريكية بطائرة مسيرة. ويشير ذلك إلى تصميم إيران على مواصلة سياسة "الخميني" الإقليمية.

باختصار، يعني انتخاب "رئيسي" استمرار السياسات المحافظة طويلة الأمد والتي تتمثل في: محليًا، توطيد السلطة وإسكات المعارضة، وإقليميًا، البناء على مكاسب إيران خلال العقود الأربعة الماضية وملء الفراغ الناجم عن سعي الولايات المتحدة إلى الانسحاب من الشرق الأوسط.

رؤية "خامنئي"

ألقى "خامنئي" في فبراير/شباط الماضي، خطابًا للأمة حدد رؤيته لتنمية إيران خلال ربع القرن المقبل. وتحدث "خامنئي" عن إحياء الثورة الإسلامية بقيادة الثوار الدينيين الشباب، مما يعني إنهاء أيام استيعاب الإصلاحيين. ويعتزم "خامنئي" حشد الشباب ومختلف أطياف منظمات المجتمع المدني المستاءين من أداء الإصلاحيين للالتفاف حول "رئيسي"، الذي وعد بإصلاحات شاملة وحوافز اقتصادية.

يشعر "خامنئي" بالقلق نتيجة الاستياد العام من الأداء الحكومي والركود الاقتصادي خلال العقد الماضي. ولكن يبدو أن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة له هو إضفاء الطابع المؤسسي على منصب المرشد الأعلى واستمرارية المثل الدينية للثورة الإسلامية الإيرانية.

ويعد المتنافسان المحتملان على الخلافة هما "مجتبى"، نجل "خامنئي"، و"رئيسي". ويتمتع الرجلان بدعم من الحرس الثوري، بما في ذلك قوات "الباسيج" وهي الطرف الأساسي في قمع المنشقين وضمان التوافق مع أيديولوجية الدولة. وبالرغم من فرص خلافة "مجتبى"، من المرجح أن يكون "رئيسي" المرشد الأعلى القادم بسبب مؤهلاته الدينية المتقدمة، وتاريخه القمعي والتزامه بمتابعة نهج المرشدين الأولين لجعل إيران قوة عالمية.

وبالنسبة للأزمة النووية مع الولايات المتحدة، يحرص "خامنئي" على تأمين صفقة جديدة مع إدارة "بايدن" التي تسعى لإنهاء هذا الملف وتركيز اهتمامها على المحيط الهادئ والتحالف الصيني الروسي الناشئ. ومع ذلك، يبدو "خامنئي" غير مهتم بالتوجه إلى واشنطن لأنه يعتقد أن الولايات المتحدة تمثل أكبر تهديد لبقاء الثورة الإسلامية الإيرانية.

ويرى "خامنئي" أن مستقبل إيران يكمن في التحالف مع الصين وروسيا، ويعتقد أن تحديث إيران لا يتوقف على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. وتشير الاتفاقية الإستراتيجية الأخيرة مع الصين إلى الاتجاه الذي ترى إيران نفسها فيه. 

وتمهد الاتفاقية الطريق لاستثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران على مدى السنوات الـ 25 المقبلة، وتفتح الباب أمام تعاون في عشرات القطاعات الاقتصادية مقابل الحصول على خدمات منتظمة وإمدادات نفط ثابتة بأسعار مخفضة. كما تدعو الاتفاقية إلى تعاون عسكري وثيق.

ويرى القادة الإيرانيون أن ميزان القوى الدولي يتغير وسط تنافس الدول الكبرى، وأن هذا سيفيد إيران، حيث تهدف روسيا والصين إلى تخفيف سيطرة الدولار الأمريكي. 

حكم التاريخ

في عام 1905، ثار الإيرانيون على الحاكم القاجاري "مظفر الدين شاه" للمطالبة بإنشاء البرلمان وتأسيس ملكية دستورية. ومع ذلك، أحبط التدخل الأنجلو-روسي هدفهم، مما مهد الطريق في النهاية لـ"رضا خان" لتأسيس سلالة "بهلوي" التي بدأت حقبة جديدة من الحكم الاستبدادي.

ومهدت الحرب العالمية الثانية والاحتلال البريطاني لجنوب غرب إيران في عام 1941 الأساس لصعود الديمقراطية والتي بلغت ذروتها في الانتخابات الديمقراطية التي جاءت بـ"محمد مصدق" رئيسًا للوزراء في عام 1952. ومع ذلك، أطاحت به عملية "أجاكس" التي قادتها الولايات المتحدة في عام 1953 وأعادت حكم "محمد رضا شاه".

ومرة أخرى، بدأ الشعب الإيراني في عام 1978 ثورة لتأسيس ديمقراطية حقيقية، لكن "الخميني" اختطفها وأقام نظامًا دينيًا.

ويحاول "خامنئي" تعميق وتوسيع دولة "الخميني". ومع ذلك، فإن جهوده لن تؤدي إلا إلى تأجيل انتفاضة لا مفر منها حيث يعاني معظم الإيرانيين من مشاكل شديدة الصعوبة في ظل أداء حكومي عفا عليه الزمن وكذلك تخصيص الموارد المالية للمغامرات الخارجية بدلا من إنفاقها علي رفاهية الشعب.

المصدر | جيبوليتيكال فيوتشرز – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خامنئي رئيسي النظام الإيراني المحافظين الإيرانيين الانتخابات الإيرانية الحرس الثوري مجلس صيانة الدستور

أوبزيرفر: مخاطر داخلية وخارجية حال فوز تلميذ خامنئي بانتخابات إيران

خامنئي يشرح سبب احتلال الأصوات الباطلة المرتبة الثانية في الانتخابات

الشورى الإيراني يعلن موعد مراسم أداء رئيسي لليمين الدستورية

الطائفية والأيديولوجية: حالة إيران والسعودية

وفاة أبوالحسن بني صدر أول رئيس جمهورية بعد الثورة في إيران