استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

في البحث عن مخرج ونموذج اقتصادي جديد

الأحد 27 يونيو 2021 04:23 م

في البحث عن مخرج ونموذج اقتصادي جديد

المقصود بصفة "الاستراتيجية": ما له صلة بالاقتصاد الوطني ككل و يؤثر في آفاقه ومستقبله ونموه المستدام على المدى الطويل.

هناك مضامين يمكن تعميمها على الاقتصاديات العربية بسبب تشابه الحوكمة الاقتصادية وآليات التشريعات والسياسات الاقتصادية.

أين الخلل في مشكلة التنفيذ المزمنة؟ لماذا يتمسك القطاع العام بسياسات الماضي وتبرير الوضع الراهن و"العمل كالمعتاد" رغم الأزمات المحيطة؟

مفهوم الدراسات الاستراتيجية في الألفية الثالثة يتجاوز قضايا الأمن والصراع ويرتبط ارتباطاً عضوياً بالاقتصاد و"القوة المتكاملة" والصحة العامة!

بعد ثلاثة عقود من اللهاث نحو الاقتراض وسراب التنمية التشاركية والمستدامة فان المطلوب ليس أقل من تحوّل أساسي في النموذج الإقتصادي الإرشادي.

*     *     *

يُراجع هذا المقال أحدث ثلاثة تقارير فنية هامة أعدت بعد جائحة كورونا 2020 من قبل ثلاثة من أشهر مراكز الأبحاث والدراسات في الاقتصاد الأردني.

الغاية هي تلمس أية اتجاهات استراتيجية أو خارطة طريق واضحة للخروج من حالة ركود جائحة كورونا (-2% حسب أرقام دائرة الإحصاءات لعام 2020) وتباطؤ اقتصادي ممتد (نحو +2% كمتوسط خلال العقد الأخير)، وأيضاَ للتخفيف من رصيد تحديات اقتصادية أخرى بما فيها البطالة وتداعيات موجة تضخمية عالمية مدفوعة بإرتفاع تكاليف الطاقة والغذاء والشحن.

وللمقال مضامين يمكن تعميمها على الاقتصاديات العربية، بدرجة أو بأخرى، بسبب تشابه الحوكمة الاقتصادية وآليات التشريعات والسياسات الاقتصادية.

ضمن هذه التقارير، بصراحة، لم يتوقع هذا الكاتب أن يجد نموذجاً تنموياً جديداً، يتجاوز النموذج النيوليبرالي والمركزي والمختلط، لكنه توقع مقترحات لنهج اقتصادي جديد، أو على الأقل تصوراً متكاملاُ للسياسات الاقتصادية غير التقليدية، الكلية منها والجزئية، في ظل مؤشرات الركود التضخمي مع نتائجها وفعاليتها المتوقعة. هذا يشمل مساهمة السياسة الصناعية بمعناها العام في الخروج من التحديات الاقتصادية المتراكمة.

التقارير الثلاثة قيد المراجعة في هذا المقال هي:

- التقرير الاستراتيجي 2021 من إعداد مركز الدراسات الإستراتيجية.

- تقرير حالة البلاد 2020 من إعداد المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

- تقرير استطلاع آثار أزمة كورونا على قطاعات الأعمال في الأردن 2020 من إعداد منتدى الاستراتيجيات الاردني.

أحدث هذه التقارير هو التقرير الاستراتيجي وأكبرها حجما هو كالعادة تقرير حالة البلاد (نحو ألف صفحة). وليست الغاية من هذا المقال الموجز إجراء مراجعة تفصيلية للتقارير الثلاثة وتقييم توصياتها التفصيلية، بل الغاية هي استقصاء ورود أية خارطة طريق واتجاهات استراتيجية للخروج من الأزمة الاقتصادية الوطنية.

والمقصود بصفة "الاستراتيجي": ما له صلة بالإقتصاد الوطني ككل و يؤثر في آفاقه ومستقبله ونموه المستدام على المدى الطويل.

التقرير الأول، ورغم كونه استراتيجياً ويفترض أن يكون شاملاً لكافة التحديات الماثلة، اعترف صراحة أنه لن "يتناول أي اعتبارات متخصصة بالتحدي الاقتصادي" لأنه حسب رأي التقرير "معروفاً للجميع وبديهياً".

لكن هذا الجدل غير حاسم، لأن الحلول أو حتى المخارج الموصلة الى الحلول الإقتصادية هي أبعد ما تكون واضحة بعد وباء كورونا في ظل قيود التمويل والتنفيذ والحوكمة الضعيفة.

تجدر الإشارة الى ان المفهوم الحديث للدراسات الاستراتيجية في الألفية الثالثة أصبح يتجاوز قضايا الأمن والصراع وأمسى يرتبط ارتباطاً عضوياً بالإقتصاد وبـ"القوة المتكاملة" مؤخراً وبالصحة العامة حديثاً جداً.

وفي تقرير حديث آخر لمركز الدراسات الاستراتيجية تضمن التقرير سيناريوهات الاقتصاد الأردني 2021 لكن دون حلول وتوصيات الإصلاح الاستراتيجي.

تقرير حالة البلاد 2020 هو تقرير هام حول حالة الاقتصاد بصورة أساسية مع فصلين حول التنمية السياسية وتطوير القطاع العام، وفكرته الرئيسية هي "تحديد الآثار المترتبة على جائحة كورونا وطرق الاستجابة لها في مختلف القطاعات".

ولم يكتفِ بالتشخيص والمراجعة لأكثر من عشرين قطاعا ومحورا رئيسيا بل حوى أيضاً "مجموعة من التوصيات[القطاعية] التي تخدم المرحلتين الحالية والمستقبلية".

المشكلة الرئيسية في القيمة المضافة للتقرير الشامل هي ثنائية الطابع:

1. ضعف التنفيذ والمتابعة من قبل الوزارات والمؤسسات العامة لتوصيات التقرير باعتبارها غير ملزمة، من ناحية، 

2. عدم تضمينه اتجاهات استراتيجية ذات أولوية تتجاوز التوصيات القطاعية، من ناحية أخرى.

لكن أين الخلل في مشكلة التنفيذ المزمنة؟ ولماذا يتمسك القطاع العام بسياسات الماضي وتبرير الوضع الراهن و"العمل كالمعتاد" رغم الأزمات المحيطة؟ أسئلة كبيرة في الحوكمة الإقتصادية.

ولو كنت مسؤولاً عن التقرير "الألفي" لأعددت ملخصاً تنفيذياً عاماً للإدارة العليا ولركّزت على فعالية السياسات الكلية، المنفذّة فعلاً والمأمولة، على الإقتصاد الكلي، وهي عموماً السياسات المالية والنقدية والإستثمارية والتصديرية.

السبب هو أن هذه السياسات واسعة وعميقة الأثر على مختلف القطاعات، وتوجهاتها التوسعية سيحدث أثراً مواتياً يفوق عشرات الإجراءات الجزئية أو حتى القطاعية.

فمثلاً القيمة المضافة الوطنية من برامج التيسير النقدي وإجراءات التحفيز المالي ستكون جوهرية اذا ما أظهرت إحصاءات نمو السيولة المحلية وتسهيلات القطاع الخاص والإنفاق الرأسمالي العام قفزة نوعية بالمقارنة مع مستوياتها خلال فترة ما قبل جائحة كورونا.

أما تقرير استطلاع آثار أزمة كورونا على قطاعات الأعمال في الأردن 2020، ورغم تقادمه أكثر من عام، لكنه أبرز مشكلة السيولة والمحافظة على العمالة في القطاع الخاص.

وحسب عينة المسح وتقييم أصحاب الأعمال أنفسهم لمدى تأثير القرارات الحكومية في تجاوز الأزمة، أشارت النتائج إلى أن شريحة واسعة من المستثمرين ترى بأن القرارات الحكومية ستساعد لكن بشكل محدود في تخفيف الضرر الناجم عن الوضع القائم.

لكن التقرير الاستقصائي ركّز على التشخيص دون المخرج والحلول باستثناء تأكيد الشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الرأسمالية وتقديم اعفاءات ضريبية والمضي قدما في الإصلاحات التشريعية، وهي عموماً توصيات معلومة لدى متخذ القرار.

أما برامج الصندوق والبنك الدولي، فيبدو انها فقدت البوصلة والرؤية الإستراتيجية بعد الأزمات العالمية وصدمة جائحة كورونا والإخفاق في الإصلاح المالي والاقتصادي المستدام، وأصبحت هذه البرامج أكثر اهتماماً ب "قضايا" مثل: التقاعد والمرأة والإدارة المالية.

أما كفاءة الأداء الحكومي فهو موضوع حرج فعلاً، لكن لِنُذكّر فقط بأن البنك الدولي قد سعى لحلها في إطار برامج إصلاح القطاع العام، والنتائج ما نرى!

وبعد ثلاثة عقود من اللهاث نحو الاقتراض وما هو أقرب لسراب التنمية التشاركية والمستدامة، فان المطلوب ليس أقل من تحوّل أساسي في النموذج الإقتصادي الإرشادي.

وهذا ما يؤيده بعض من كبار الإقتصاديين حتى قبل الأزمة المالية والإقتصادية العالمية 2008 وكساد كورونا العظيم 2020 من أمثال: ستانلي فيشر وجوزيف ستيغليتز وبول كروغمان وداني رودريك وجون وليمسون.

هذا يتطلب البعد عن نموذج النيوليبرالية ومراعاة الخصوصية المحلية والبحث عن نماذج حوكمة تشاركية وأخلاقية جديدة ومكملة للسوق والبيروقراطية، باتجاه الشرق العميق والنمور الآسيوية المعاصرة.

* د. جمال الحمصي أكاديمي باحث في الاجتماع والاقتصاد الإسلامي

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

نموذج اقتصادي، كورونا، الاقتصاد الأردني، النيوليبرالية، القطاع العام، مشكلة التنفيذ، ركود، تضخم، الإصلاح، القوة الشاملة، حوكمة، تشاركية،