استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كيف تقود الديمقراطية الى الدكتاتورية؟ وما المكون الإضافي المطلوب؟

الاثنين 28 يونيو 2021 08:43 ص

كيف تقود الديمقراطية الى الدكتاتورية؟ وما المكون الإضافي المطلوب؟

السلطوية والشعبوية والشمولية هي أيضاً وبالتأكيد ليست الحل بل غالبا هي المشكلة.

ما مصدر هذا التقارب في الآراء والتفضيلات الضروري للديمقراطية الفعالة؟ وما مصدر القيم الاجتماعية المشتركة؟

الواضح أن مصدر تقارب الآراء والتفضيلات يعلو على تفضيلات الأفراد لأن تشتتها وتفرقها هو المشكلة وليس الحل.

مع غياب الهوية الوطنية والخير المشترك الموضوعي يبقى مركز القوة فارغاً في النظام الليبرالي الديمقراطي وتبقى أزمات وجودية واجتماعية تراوح مكانها.

*     *     *

هذا المقال ليس تنظيراً أو دراسة لحالة افتراضية، بل يحوي التاريخ الديمقراطي الغربي المعاصر تحولات مأساوية للديمقراطية الى دكتاتورية وشعبوية، حالات مشهودة ومجلجلة حدثت في النصف الأول من القرن العشرين (النازية والفاشية) وفي مطلع القرن الحادي والعشرين (ترامب وغيره)، حيث أعقب الكساد الاقتصادي العميق والأزمة المالية العالمية بروز صارخ للقومية الغربية وسياسات الهوية المتطرفة.

بعض القرّاء قد ينظر الى مقال سابق "الإسلام والديمقراطية: توافق أم تناقض؟" بأن الكاتب يُطابق بين الشورى والديمقراطية من كافة الوجوه، أو أن المقال يعكس غرام الكاتب بالديمقراطية الليبرالية تحديداً، وهي الديمقراطية التي تقدس تفضيلات الفرد مهما كان منشأها. كلا الرأيين غير دقيق ولا يعكس صلب المسألة.

الشورى أو الديمقراطية في أساسها هي آلية استراتيجية لترويض القوة وتصحيح أخطائها الكارثية في الأجل الطويل (عادة لا يتم الإعتراف بهذه الأخطاء الا بعد فوات الأوان مثل التجربة الشيوعية)، وهي بالتالي صيغة عملية لضمان عدم تجاهل "الخير المشترك" للمجتمعات ككل (بأقلياتها وأغلبياتها).

هذا المفهوم المحدد للشورى/ الديمقراطية يُفترض أن يتفق الجميع عليه: العلماني والإسلامي والقومي على حد سواء، وهو بالتالي ليس مطية للخلافات والتجاذبات الفرعية.

لكن هل للقوّة بالمعنى التقليدي من منافع واعدة؟ أم إن التقييد بالدستور والشورى هو الأصل؟ هل القوّة شر بطبيعتها؟ اختلف الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة والإقتصاد حول هذه النقطة في بناء الأمم وفي الإصلاح المجتمعي. لكن مع الأخذ بالاعتبار أن القوة مفسدة والقوة المطلقة مفسدة مطلقة، وأن التدافع المشترك هو من السنن الربانية لحماية المجتمعات من الفساد والأفول، يمكن للقوة المقيدة (التنين الموجه) ان تساهم في حل المشكلات الجماعية للمجتمع البشري. لكن هل يمكن القيام بذلك على أسس ديمقراطية بحتة؟ أم يتطلب الأمر “مكونأ” خارجياً مستقلاً؟

الاقتصادي كينيث أرو، الحائز على جائز نوبل في الاقتصاد، حاول في كتابه المشهور الاختيار الاجتماعي وقيم الفرد (1963) الإجابة على التساؤل المركزي التالي: كيف يجب أن يُشتق الاختيار الجماعي الديمقراطي؟. لقد اعتقد “أرو” أن هذا الإختيار الجماعي لا يمكن أن يكون مقبولاً من قبل الديمقراطية الليبرالية إلا إذ اشتق من تفضيلات الأفراد أنفسهم، وهو بذلك يجاري مبدأ سيادة تفضيلات الفرد.

ومن هذا المنظور تساءل “أرو”: هل هناك إمكانية منطقية لإيجاد قاعدة للاختيار الجماعي، مثل قاعدة الأغلبية، يمكن بواسطتها ترتيب الأوضاع الإنسانية، من ناحية أخلاقية أو معيارية، ويكون هذا الترتيب مستند فقط إلى ترتيب الأفراد لهذه الأوضاع وتفضيلاتهم الشخصية بخصوصها؟.

في نظريته المسماه "نظرية الاستحالة" وجد أرو أنه ضمن عدد من الشروط المعقولة من المستحيل إيجاد قاعدة للتفضيل الجماعي تكون مستندة إلى التفضيلات الفردية فقط.

بكلمات أخرى، وجد أرو أنه من المستحيل تجميع تفضيلات الأفراد والخروج منها بترتيب أو تفضيل جماعي منطقي ومتسق. أما السبب الرئيسي لهذا الأمر فهو يعود إلى تضارب وتنوع تفضيلات المصوتين أو أفراد المجتمع، مما يؤدي إلى ما يعرف بمفارقة التصويت Paradox of voting.

هذا يشكل عيب جوهري في الديمقراطية الليبرالية لأنه ينقضها من أساسها ومنطلقاتها، ويجعل مجتمعاتها المفتوحة غير فعالة تجاه الأزمات والتحديات النظامية.

إن نتيجة هذه النظرية هي ذات أبعاد هامة. فهي تعني أن المجتمع الليبرالي الذي تتشتت فيه التفضيلات والقيم، لا يستطيع التحدث عما يريد. فتفضيلات فرد ما تتناقض مع تفضيلات آخر، الأمر الذي يجعل المجتمع الليبرالي غير قادر على اتخاذ قرارات جماعية عقلانية في مواجهة المشكلات والقضايا المستجدة التي يمر بها، وهذا ما أطلق عليه أرو اصطلاح الشلل الديمقراطي، أي الفشل في اتخاذ قرار جماعي ليس بسبب عدم الرغبة في اتخاذه، ولكن بسبب عدم القدرة على الاتفاق على القرار أو الإجراء الملائم، ولا شك أن لظاهرة الشلل الديمقراطي دوراً كبيراً في إشاعة الهشاشة المجتمعية في المجتمعات الليبرالية. ونظرة الى منصات الإعلام الاجتماعي تؤكد حقيقة التشتت في الآراء وجدل الطرشان. لكن المركزية والسياسة أيضاً تعاني من تدني الثقة والفاعلية أو ربما انعدامهما.

تؤكد نظرية إستحالة أرو على أهمية تقارب تفضيلات ومصالح الأفراد في التوصل الى اختيار جماعي عقلاني لتجنب الشلل الديمقراطي في السياسات العامة. وتؤكد أيضاً بأن المجتمع الليبرالي والذي تتشتت فيه التفضيلات والقيم والمصالح ويفتقر لهوية وطنية جامعة ضمن الحد الأدنى، لا يستطيع تفعيل الإجراءات والحلول الجماعية للمعضلات الاجتماعية المتراكمة، مما يفتح الأبواب مشرّعة للإستبداد والسلطوية والنخبوية من ناحية وللتطرف والشعبوية من ناحية أخرى، وذلك في حلقة مجتمعية مفرغة يكون الجميع فيها خاسراً.

هذه الحلقة المفرغة في التنسيق والتعقيد الاجتماعي أشبه بتصوير القرآن الكريم {وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} (الأنعام: 65) أو ربما بحرب الكل على الكل (حسب هوبز). كما ينوّه المفكر فوكوياما والمنظّر الديمقراطي داونز على أهمية الخير المشترك (الثقافة القائدة والقيم المشتركة والتعاونية) في تعزيز المجتمع الديمقراطي.

باختصار، مع غياب الهوية الوطنية والخير المشترك الموضوعي، يبقى مركز القوة فارغاً في النظام الليبرالي الديمقراطي، وتبقى الأزمات الوجودية والاجتماعية تراوح مكانها فيها، لكن السلطوية والشعبوية والشمولية هي أيضاً وبالتأكيد ليست الحل، بل أحيانا هي المشكلة.

لكن ما مصدر هذا التقارب في الآراء والتفضيلات الضروري للديمقراطية الفعالة؟ وما مصدر القيم الاجتماعية المشتركة؟ من الواضح ان هذا المصدر يعلو على تفضيلات الأفراد لأن تشتتها وتفرقها هو المشكلة وليس الحل. هل هو تفضيلات الحكومة، أم تفضيلات دكتاتور، أم العادات والتقاليد، أم تفضيلات النخبة (المخططين على سبيل المثال)؟ أم ماذا؟ وما مدى "موضوعية" هذا المقياس؟.

في فقه الشورى، هذا المصدر هو قطعيات الدين (التوحيد والأخلاقيات والتشريعات الأساسية) بمساحتها المحدودة نسبياً والسنن المجتمعية الكونية.

* د. جمال الحمصي أكاديمي باحث في الاجتماع والاقتصاد

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

مع غياب الهوية الوطنية والخير المشترك الموضوعي يبقى مركز القوة فارغاً في النظام الليبرالي الديمقراطي وتبقى أزمات وجودية واجتماعية تراوح مكانها. الديمقراطية، الدكتاتورية، المكون الإضافي، التاريخ الديمقراطي، النازية، الفاشية، نظرية الاستحالة، مفارقة التصويت، الخير المشترك، الشلل الديمقراطي،