خلاف السعودية والإمارات.. 4 أبعاد سياسية ترسم الخارطة الأوسع لأزمة أوبك+

الأحد 11 يوليو 2021 04:28 م

"الجذور الاقتصادية لأزمة تجمع منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+) لا تعبر عن حقيقة الصورة الكاملة لأزمة العلاقات بين البلدين".. هكذا خلص العديد من مراقبي الشأن الخليجي في تحليلاتهم للخلاف بين السعودية والإمارات حول الاتفاق على مستوى الإنتاج النفطي العام المقبل (2022)، ما سلط الضوء على طبيعة الأبعاد السياسية وراء الخلاف، ودورها في تشكيل كامل صورة الأزمة بين البلدين.

ولطالما كان البلدان يخوضان تحدياتهما السياسية والاقتصادية معا، ويتبنيان رأيا واحدا في عديد من القضايا الإقليمية والدولية، ضمن تنسيق غير مسبوق على كل المستويات، لكن عام 2021 أعاد علاقات البلدين عقودا إلى الوراء، عبر عدة قرارات بدأت بقيود سعودية على الشركات الأجنبية التي لا تملك مقرا لها على أراضي المملكة، وانتهاء بوقف المملكة جميع الرحلات الجوية إلى الإمارات، بعد أيام فقط من خلاف بين الرياض وأبوظبي حول تمديد اتفاق إنتاج النفط.

كما غيرت السعودية قواعدها بشأن الواردات من دول الخليج الأخرى، لاستبعاد البضائع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي استخدم فيها أي منتج إسرائيلي من أي تفضيل جمركي، وهو ما وصفته الصحيفة "الإندبندنت" البريطانية بأنه "تحد مباشر لوضع الإمارات كمركز تجاري إقليمي".

وطرحت تلك التطورات السؤال: لماذا؟ في صدارة اهتمامات مراقبي المنطقة، ومن الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو"، التي ركزت تحليلها على حقيقة أن الأبعاد السياسية وتناقضات المصالح الجيوستراتيجية لها وزن نسبي معتبر في خارطة تراجع العلاقات السعودية الإماراتية.

وترى "بيانكو" أن "التوترات بين السعودية والإمارات تزداد منذ فترة طويلة"، لأن الدولتين "تعيدان تقييم ميزان القوى في علاقتهما الثنائية بما ينطبق على الساحة الإقليمية والدولية"، وفقا لما أوردته صحيفة "الإندبندنت".

أروقة واشنطن

فولي عهد السعودية "محمد بن سلمان"، وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، يُنظر إليهما لسنوات كقوة تحديث للشرق الأوسط، وكلاهما مؤيدان بشدة للولايات المتحدة، ويتعاونان على عدد من الجبهات الاستراتيجية، ويندفعان لبناء مخازنهما من الأسلحة المتقدمة، إذ إن السعودية والإمارات من بين المشترين الرئيسيين للأسلحة في أنحاء العالم، وتحاول كل منهما أحيانا التفوق على الأخرى عبر الوصول إلى أحدث أدوات الحرب، ما يقتضي أحيانا تنافسا محموما بينهما على أروقة السلطة في واشنطن.

وفي هذا الإطار، تشير الصحيفة البريطانية إلى أن تغيير السلطة في واشنطن له تاثير على خروج الخلاف بين السعودية والإمارات إلى العلن، إذ يمتع البلدان بامتياز الوصول إلى إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، بينما يبدو الأمر مختلفا لدى إدارة الرئيس "جو بايدن"، التي تبدو علاقاتها مع أبوظبي أعمق كثيرا من الرياض.

كما أن تقييم الرياض لحصاد العلاقات مع إدارة "ترامب" يبدو سلبيا، في ظل مساهمة تلك العلاقات في إتمام اتفاقات تطبيع الإمارات وإسرائيل، التي تهدد مصالح تجارية وأمنية عديدة للسعودية، ما دفع الأخيرة لاتخاذ قرارها بشأن استبعاد البضائع التي استخدم فيها أي منتج إسرائيلي من التفضيل الجمركي.

تقييم إقليمي

وعلى المستوى الإقليمي، فإن اتجاه "بن سلمان" إلى إصلاح العلاقات مع تركيا وقطر وتحسين العلاقات مع سلطنة عُمان، جاء بمثابة بعد سياسي إضافي لتراجع العلاقات بين الرياض وأبوظبي، إذ تعتبر مسألة العلاقة مع قطر أو تركيا مسألة "مصلحية" بالأساس، بينما تنظر إليها الإمارات من زاوية "أيدولوجية"، حسبما يرى الباحث بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن "حسن آيبش".

ويشير "آيبش" في هذا الصدد، إلى أن الإمارات اكتشفت أنها لن تكون قادرة على منع إبرام اتفاق ثنائي بين الرياض والدوحة، ما "اضطرها" إلى تقديم عرض في اللحظة الأخيرة لمصالحة أوسع تشمل كامل مجلس التعاون الخليجي، وهو ما تم إنجازه بالفعل في قمة عُقدت في "العلا" في يناير/كانون الثاني.

لكن لو كان لدى الإمارات الخيار، ففضلت مواصلة حصار قطر، الذي نظرت إليه إلى حد كبير من منظور أيديولوجي، حيث تصنف أبوظبي الدوحة باعتبارها عضوا رئيسيا في الشبكة الإقليمية لأنقرة.

خلاصة تقدير الموقف  الاستراتيجي إقليميا أن "الإمارات ترى نفسها منافسا للسعودية وليس شريكا صغيرا"، حسبما تؤكد "الإندبندنت"، بينما ترى السعودية ذاتها كـ"قيادة طبيعية" للمنطقة، وهو ما انعكس سلبا على تطورات التعاطي مع عديد القضايا بالمنطقة، خاصة حرب اليمن.

فبينما تدخل البلدان هناك في الأصل جنبا إلى جنب للتصدي للحوثيين، فإنهما يقفان الآن على جبهتين متضادتين للأطراف المتصارعة جنوبي البلاد، حيث تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي ذا النزعة الانفصالية، فيما تدعم السعودية حكومة "عبدربه منصور هادي"، المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

مسار منفرد

من هنا يقرأ الباحث بالمركز العربي في واشنطن "عماد حرب" اتجاه الإمارات، على مدى الأعوام الـ3 الماضية، لاتخاذ مسار "منفرد" يعتمد علي مصلحتها الذاتية، ليس فقط في اليمن، الذي تعتبره السعودية فنائها الخلفي، بل أيضا عبر توسيع نفوذها ليشمل القرن الأفريقي من خلال بناء تحالفات وعلاقات اقتصادية من شأنها التأثير على المصالح السعودية في المنطقة.

وإزاء ذلك، فإن السعودية ترى في الإمارات منافسا في الجوار يجب معالجة تجاوزاته عاجلا أم آجلا، وبالرغم من المظاهر التي تشير إلى عكس هذه الحقيقة، حسبما يرى "حرب".

وفي هذا الإطار يمكن قراءة تفاصيل حصرية، حصل عليها "الخليج الجديد" في 20 مايو/أيار الماضي، من مصادر مطلعة إلى أن السعودية بدأت السعي لنقل شبكة قنوات "إم بي سي" بشكل كامل إلى داخل المملكة والسيطرة عليها بشكل فعلي بدلا من السيطرة الإماراتية المشتركة.

ووفق المصادر، فقد تم فض الشراكة بين الشبكة السعودية وشركة "شويري جروب" الإماراتية، بعد قرابة 14 عاماً من العمل معاً، ما أغضب بعض المسؤولين السعوديين، الذين استشعروا الغضب الإماراتي وأبدوا مخاوف من أن تعرقل أبوظبي مساعي نقل الشبكة وتعمل على إفشالها، خاصة مع وجود تسريبات مفادها أن الإماراتيين سيتعاقدون مع جميع العاملين في مكاتب "إم بي سي" للبقاء في الإمارات حال انتقال مقرات المجموعة إلى السعودية.

وأمام مخاوف تفريغ القنوات من كوادرها، بدأ بعض المسؤوليين السعوديين تفاهمات أخرى مع العاملين في المجموعة من خارج الإمارات لنقلهم إلى المملكة ليكونوا كوادر أساسية حال انتقالها إلى السعودية، لا سيما بعد رفض عدد كبير من العاملين بمكاتب الإمارات الانتقال، بحسب المصادر.

وفي سبيل ضمان انتقال سلس كذلك دون هزات عنيفة، وضع المسؤولون السعوديون قائمة بعدد من المسؤولين الكبار الذين ينظرون إليهم باعتبارهم موالين للإمارات، واقتراح بدائل لهم.

حوار "مشعل"

من هنا، جاءت مفاجأة ظهور رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الخارج "خالد مشعل" على قناة تلفزيونية سعودية تُبث من دبي "العربية"، في 4 يوليو/تموز الجاري، وذلك بعد جفوة بين الطرفين استمرت 10 سنوات.

وبحسب مصادر مطلعة في "حماس" و"العربية" فإن القناة التلفزيونية تواصلت مع "مشعل" لترتيب مقابلة في أواخر يونيو/حزيران، تزامنا مع التوتر المتزايد في العلاقات السعودية الإماراتية بشأن الحرب في اليمن والقضايا المتعلقة بالنفط، وفقا لما نقله موقع "المونيتور".

ولا تخفي الإمارات عداءها لـ"حماس"، وبالتالي فإن منح "مشعل" 30 دقيقة في مقابلة مع "العربية" جاء بمثابة رسالة تحد واضحة من الرياض لأبوظبي.

ولذا وصف وزير الصحة الفلسطيني السابق، وعضو مكتب العلاقات الدولية لحماس "باسم نعيم" ظهور "مشعل" على شاشة "العربية" بانه "نقطة تحول مهمة في علاقات الحركة مع السعودية".

محصلة هذه التطورات يراها "ثيودور كاراسيك"، من شركة الاستشارات الأمريكية "جولف ستيت أناليتيكس"، بمثابة "تحول في العلاقات بين دول الخليج" من شأنها أن يتلاشى موقع أبوظبي الإقليمي تدريجيا، وهو ما بدا أن أبوظبي بدأت في مواجهته بوضوح.

 ولذا يخلص تحليل مجلة "الإيكونوميست" البريطانية إلى أن أزمة "أوبك+" لن تكون الأخيرة بين السعودية والإمارات على الأرجح.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

السعودية الإمارات أوبك+ خالد مشعل قناة العربية

بلومبرج: خلاف أوبك يفتح الباب أمام دببة النفط للتلاعب بالأسعار

بنك كندي: 3 سيناريوهات لتوجهات أوبك+ وتحركات أسعار النفط

الأناضول: أبعاد سياسية لخلافات السعودية والإمارات حول النفط

عماد الدين أديب: استمرار الخلاف السعودي الإماراتي كارثة محققة

أفريكا ريبورت: ضعف خبرة بن سلمان سمح لبن زايد بتشكيل المنطقة وفق مصالح الإمارات

أويل برايس: خلاف السعودية والإمارات لم ينته رغم اتفاق "أوبك+"

ف. تايمز: السعودية تستعرض قوتها قبل مؤتمر الاستثمار.. والإمارات في مرمى نيرانها