«فورين بوليسي»: أزمة سوريا تختبر الانفراج حديث العهد بين واشنطن وطهران

الخميس 5 نوفمبر 2015 12:11 م

وضعت الحرب الأهلية في سوريا إدارة «أوباما» أمام أول اختبار كبير حول كون الاتفاق النووي التاريخي مع إيران سوف يفتح الباب أمام التقدم الدبلوماسي في إنهاء الأزمة، وعلى نطاق أوسع، التعامل مع ارتفاع موجات التطرف في الشرق الأوسط.

لكن نجاحه سيعتمد جزئيا على إيجاد وسيلة لإدارة العداء الشديد بين الرياض، بيت القوى السنية في المنطقة، ومنافسها الشيعي في طهران، والذي يغذي حربا مريرة بالوكالة في سوريا.

تأتي محاولة لتهدئة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، في الوقت الذي يعكف فيه وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» واللاعبون الرئيسيون الآخرون على الانتهاء من الاستعدادات لخوض جولة مباحثات جديدة في لندن في 12نوفمبر/ تشرين الثاني، وفقا لما قاله مسؤولون دبلوماسيون لـ«فورين بوليسي».

الدبلوماسيون المشاركون في المباحثات انقسموا بشدة حول مصير الرئيس السوري «بشار الأسد»، وظلت أيضا هناك نقاط أخرى للخلاف شملت بما في ذلك الآلية التي سيقوم عبرها المفاوضون باختيار الجماعات المتمردة التي ستحظى بشرعية تمثيل المعارضة السورية، حيث يصنف بعضها كجماعات إرهابية.

وفي مؤشر على الأهمية التي يوليها البيت الأبيض إلى التسوية السياسية في سوريا، تدخل الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» شخصيا الشهر الماضي لطمأنة القوى الإقليمية، خصوصا العاهل السعودي الملك «سلمان»، أن مواقفها لن يتم تقويضها إذا شاركت إيران في المفاوضات، وفقا لدبلوماسيين في الأمم المتحدة.

اتصال «أوباما» بالعاهل السعودي جاء بعد 4 أيام فقط من قيام وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» ونظيره الروسي «سيرجي لافروف» بالضغط على الرياض وتركيا، خلال اجتماع مغلق في فيينا في 28 أكتوبر/ تشرين الأول للمشاركة في محادثات حول مستقبل سوريا حتى لو لم تكن هناك ضمانات حول قيام «الأسد» بالتنحي.

وقد صعد النقد الدبلوماسي اللاذع الذي يمثل العلاقات السعودية الإيرانية إلى السطح خلال الجولة الأولى من المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» ونظيره السعودي، «عادل الجبير»، حيث تبادلا الاتهامات حول التزام كل منهما تجاه عملية السلام. وقد حذر مسؤول إيراني كبير من أن طهران سوف تنظر في إمكانية الانسحاب من المباحثات إذا لم يلعب السعوديون دورا أكثر إيجابية، وفقا لـ«رويترز».

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أنه قد تم التوصل إلى قرار دعوة إيران إلى المباحثات بالتوافق. لكن الدبلوماسيين المشاركين في العملية يقولون إن الولايات المتحدة كافحت بقوة من أجل تأمين الحضور الإيراني وقد تطلب ذلك جهدا كبيرا من الرئيس الأمريكي حتى يقنع الجميع به.

«ما أفهمه هو أن الرئيس أوباما مشارك بشكل شخصي في جمع الدول الـ17 إلى الطاولة، بما في ذلك السعوديين والإيرانيين»، وفقا لـ«أندرو تابلر» وهو زميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، «المشكلة بالنسبة للسعوديين هي، بطبيعة الحال، أنهم ضد الموقف الإيراني القائل بأن الأسد ينبغي أن يبقى يصر السعوديون أنه يجب أن يذهب».

وقال «غريغوري غوز»، وهو خبير في شؤون المملكة العربية السعودية في مدرسة بوش للحوكمة والخدمة العامة في جامعة تكساس إن مخاوف السعودية بشأن المحادثات الدبلوماسية تتجاوز مخاوفهم بشأن سوريا. وقال أنها «تعكس خوفا أعمق حول التحول في السياسة الأمريكية التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التعاون مع إيران، المنافس الإقليمي للرياض، على مجموعة متعددة من الجبهات».

«أعتقد أن هذا الخوف مبالغ فيه.. ولكن بإمكاننا أن نتفهم ترددهم بسهولة» وفقا لـ«غوز». «في اللحظة التي تم خلالها توقيع الصفقة مع إيران، فإن المملكة العربية السعودية صارت مدفوعة دفعا للجلوس مع إيران»، «أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن يدفع السعوديين إلى محادثات مع الإيرانيين، وخصوصا عندما يعتقد السعوديون أن إيران سوف تكون أعلى كعبا».

يبقى بعض المراقبين متشككين بشأن آفاق تحقيق السلام في سوريا. حيث كثفت كل من الولايات المتحدة وروسيا أنشطتهما العسكرية.

بين الدبلوماسية وساحات القتال

وسوف يتم تحديد مصير الشعب لسوري وفقا لتطورات الأمور على الأرض وفقا لـ«جوشوا لانديس»، وهو متخصص في الشؤون السورية يرأس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما. في الشهر الماضي، أطلقت روسيا حملة عسكرية كاملة للتأثير على موازين القوى لصالح «الأسد». الولايات المتحدة وحلفاؤها في الوقت نفسه، يستمرون في شن غاراتهم الجوية شبه اليومية ويستمرون في ضح المزيد من الأموال والأسلحة في المنطقة. بما في ذلك صواريخ تاو المضادة للدبابات أمريكية الصنع.

كما أعلنت الولايات المتحدة مؤخرا عن نشر 50 عضوا من قواتها الخاصة في سوريا، ضمن إطار عمليات مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» بدلا من الأخذ على يد «الأسد» أو داعميه من الروس والإيرانيين.

«الجميع ينتظر لينظر إذا ما كان الجيش السوري لديه القدرة الكافية للاستفادة من الدعم الجوي الروسي لاستعادة السيطرة على فقدها في حلب والأماكن الأخرى».

«روسيا لديها قوة كافية للتوصل إلى وقف إطلاق النار في الصراع»، وفقا لـ«بسام بارابندي»، وهو دبلوماسي سوري سابق عبر عن شكوكه بشأن التزام موسكو تجاه الحلول الدبلوماسية. وقال إن روسيا تفضل «تجنب الدبلوماسية كما أنهم يفضلون البحث عن النجاح في ساحات المعركة أكثر من البحث عنه عبر القنوات الدبلوماسية».

الحاجة إلى التوصل إلى تسوية سياسية، اتخذت بعدا ملحا جديدا في واشنطن وموسكو بعد تدخل الجيش الروسي في سوريا نيابة عن «الأسد».

«وتتبع الولايات المتحدة استراتيجية مزدوجة تجمع ما بين العمل العسكري والدبلوماسية لتحقيق الانتقال السياسي بما يحقق للسوريين حكومة تحترم حقوق شعبها وتحفظ وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها مكونة من شخصيات علمانية»، وفقا لـ«آن باترسون» مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب يوم الأربعاء.

في شهادتها، حددت «باترسون» 4 أهداف رئيسية، شملت هزيمة «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، وتخفيف معاناة الشعب السوري، وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ولدى الحلفاء الأوربيون الذين يواجهون أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، وتعزيز الانتقال السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى رحيل «الأسد».

لاستئناف عملية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة، نظم «كيري» و«لافروف» اجتماعا في يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول في فيينا مع وزراء خارجية تركيا والمملكة العربية السعودية لحثهما على المشاركة في جولة ثانية من المباحثات مع إيران. وسعى لافروف للتأكيد للأتراك والسعوديين أن روسيا جادة في سعيها نحو إتمام عملية سياسية على الرغم من الشكوك على نطاق واسع أنها تتدخل في سوريا لدعم حكومة «الأسد» وليس لمحاربة «الدولة الإسلامية».

الأمم المتحدة والقوى الكبرى

الجهود المبذولة لإقامة جولة ثانية من المباحثات بدت مثيرة للجدل، حيث ناشد «كيري» الدبلوماسيين من الأمم المتحدة والعديد من الدول التي تم استبعادها سلفا للمشاركة. وعند إعداد قائمته الأولية للمباحثات بين القوى الكبرى في فيينا، فإن المبعوث الأممي «ستيفان دي مستورا» لم يكن متواجدا بالقائمة خلافا للبروتوكولات المتعارف عليها، وفقا لما أكده دبلوماسيون مطلعون على المفاوضات المغلقة شريطة عدم الكشف عن هويتهم. في ذلك الوقت، أكد «كيري» للأمم المتحدة أن قراره باستبعاد «دي مستورا» ليس ازدراء وأن الأمم المتحدة سوف تلعب دورا قويا في أي انتقال سياسي في سوريا.

ولكن الأمم المتحدة رفضت الأمر، ورضخ «كيري» في النهاية وأعطي «دي مستورا» مقعدا على طاولة المفاوضات الرئيسية بين «كيري» و«لافروف». الأهم أن بيان فيينا، الذي صدر في أعقاب سبع ساعات من المفاوضات وتم التوقيع عليه من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي إضافة إلى 17 حكومة أخرى، قد عين دورا رفيعا للأمم المتحدة في صياغة الدستور ومراقبة الانتخابات في سوريا.

ونفى مسؤول في إدارة «أوباما» محاولات «كيري» لإبعاد الأمم المتحدة عن المباحثات. وأضاف «في أي نقطة لم نحاول استبعاد دي مستورا أو الأمم المتحدة»، وفقا للمسؤول الذي تحدث أيضا شريطة عدم الكشف عن هويته، «في الواقع منحت الأمم المتحدة العديد من المهام الرئيسية في البيان».

وقال مسؤولون في نيويورك إن المهمة الثقيلة للدبلوماسية الجارية في سوريا سوف يتم تحملها من قبل واشنطن وموسكو. وقال مسؤولون إن دور الأمم المتحدة سيصبح أكثر أهمية في وقت لاحق عندما يحين الوقت لتنفيذ تلك السياسات. ومن المتوقع أن يجتمع «كيري» مع «دي مستورا» في واشنطن بنهاية هذا الأسبوع لمتابعة آخر التطورات بشأن المفاوضات.

«أعتقد أننا متفائلون إلى حد كبير حول هذه العملية»، وفقا لأحد الدبلوماسيين في مجلس الأمن الدولي والذي أشار إلى أن إيران وروسيا لا تزالان تصران على عدم دفع «الأسد» عن السلطة.

وقال دبلوماسي آخر أن هناك أرضية لتفاؤل حذر وهي أن موسكو قد تتبنى حلولا دبلوماسيا خاصة وأن حملتها العسكرية في سوريا تبنغي أن تنتهي في وقت ما.

بينما أكد دبلوماسي ثالث إن «دي مستورا سوف يكون له دور محوري لإيجاد حل للأزمة السورية»، ولكن في الوقت الحاضر فإن على القوى الكبرى أن تتخذ القرارات الرئيسية.

  كلمات مفتاحية

سوريا إيران الولايات المتحدة السعودية مباحثات فيينا الاتفاق النووي الملك سلمان أوباما

«بلومبيرغ»: المناوشات السعودية الإيرانية في فيينا

«فورين بوليسي»: لماذا سيغرق «بوتين» في سوريا؟

«ستراتفور»: قمة فيينا والقضايا الكبرى في الأزمة السورية

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

خطة «دي ميستورا»: هيئة انتقالية ومجلس عسكري مشترك و«صلاحيات بروتوكولية» للأسد