التجارب النووية الفرنسية في الجزائر... آخر الملفات التي تعطل المصالحة بين البلدين

الأربعاء 28 يوليو 2021 10:04 م

بعد أكثر من 60 عاماً على أول تجربة نووية في الجزائر المستعمرة الفرنسية بين 1830 و1962، لا تزال مواقع دفن النفايات النووية وتطهيرها من المواد المشعة من المواضيع الرئيسية العالقة في قضايا الذاكرة بين الجزائر وباريس.

ويعود هذا الملف إلى الضوء مع إقرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الثلاثاء خلال زيارته بابيتي، أن بلاده "مَدينة" لبولينيزيا الفرنسية، بسبب التجارب النووية التي أُجريت بين 1966 و1996 في المحيط الهادئ.

وبمناسبة عيد الاستقلال في 5 يوليو/تموز اتهم وزير المجاهدين السابقين  الجزائري، الطيب زيتوني فرنسا "برفض تسليم خرائط تحديد مناطق دفن النفايات المشعة، ورفض تطهيرها ولا حتى القيام بأدنى عمل إنساني لتعويض المتضررين رغم أن تلك التفجيرات أدلة دامغة على جرائم لا تزال إشعاعاتها تؤثر على الإنسان والبيئة والمحيط".

وقال إن ملف تلك التفجيرات يبقى من "أكثر الملفات حساسية بين ملفات الذاكرة، محل مشاورات ضمن اللجان المختصة، وهو ما يتطلب إجراءات عملية مستعجلة وتسويته، ومناقشته بكل موضوعية"، حسب ما جاء في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الجزائرية.

وبين 1960 و 1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في مواقع رقان ثم في إن أكر بالصحراء الجزائرية، 11 منها، وجميعها تحت الأرض، بعد التوقيع اتفاقية إيفيان في 1962، التي أكدت استقلال الجزائر، لكن مادة منها سمحت لفرنسا باستخدام مواقع الصحراء حتى 1967.

وكشفت وثائق رفعت عنها السرية في 2013 تداعيات إشعاعية أكبر بكثير مما أُعلن في البداية، والتي امتدت من غرب إفريقيا إلى جنوب أوروبا.

وأشار رئيس جمعية "الغيث القادم" عبد الرحمن تومي إلى أن "الأمراض المرتبطة بالنشاط الإشعاعي تنتقل مثل الميراث جيلاً بعد جيل".

وتابع رئيس الجمعية المهتمة بمساعدة ضحايا الإشعاعات النووية "ما دامت المنطقة ملوثة، فإن الخطر سيستمر" في منطقة رقان.

وأضاف، أن الإشعاعات تسببت في سرطانات وتشوهات خلقية وإجهاضات وعقم ضمن قائمة أمراض أخرى، فضلاً عن التأثير الكارثي على البيئة".

وفي أبريل /نيسان، طرح رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، على نظيره الفرنسي رئيس أركان الجيوش السابق فرانسوا لوكوانتر"إشكالية إعادة تأهيل موقعي رقان وإن إكر"، وكذلك المساعدة "بموافاتنا بالخرائط الطبوغرافية، لتمكيننا من تحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية، غير المكتشفة لحد اليوم".

كما أكد العميد "بوزيد بوفريوة" أنه "بعد مرور أكثر من 60 سنة على هذه التفجيرات، تصر فرنسا على إخفاء الخرائط التي من شأنها كشف أماكن مخلفاتها النووية، باعتبارها حقاً من حقوق الدولة الجزائرية إلى جانب المماطلة في مناقشة قضية تعويض المتضررين الجزائريين" كما نقلت مجلة "الجيش" الصادرة عن وزارة الدفاع.

واستبعد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أي مفاوضات على التعويض المالي. وقال: "نحن نحترم موتانا كثيراً إلى درجة أن التعويض المالي سيكون بمثابة إهانة. نحن لسنا شعباً متسولاً، نحن شعب فخور يُبجل شهدائه" كما جاء في حوار للمجلة الفرنسية "لوبوان".

وفي باريس فإن الملف من اختصاص وزارة الجيوش.

وفي تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر 1954-1962، أوصى المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا "بمواصلة العمل المشترك حول مواقع التجارب النووية في الجزائر وتداعياتها إضافة إلى زرع الألغام على الحدود".

في يناير /كانون الثاني 2010، سنّت فرنسا قانوناً يعرف بـ"قانون مورين" الذي ينص على تعويض "الذين يعانون من أمراض ناتجة عن التعرض للإشعاع من التجارب النووية في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا بين 1960 و 1998".

لكن من بين 50 جزائرياً تمكنوا من تحضير ملف في غضون 10 سنوات، لم يتمكن سوى شخص واحد "من الحصول على التعويض" وهو جندي جزائري عمل في المواقع بعد إغلاقها، وهو ما أعربت الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان) عن أسفها له.

وفي دراسة صدرت قبل عام بعنوان "تحت الرمال، النشاط الإشعاعي!"، حثت منظمات حملة "آيكان"، القوة الاستعمارية السابقة على تسليم القائمة الكاملة لمواقع دفن النفايات النووية إلى السلطات الجزائرية وتسهيل تنظيفها.

وكانت الفرصة سانحة عندما صادقت 122 دولة من الأمم المتحدة على معاهدة جديدة لحظر الأسلحة النووية في يوليو/تموز 2017. واعتمد مبدأ "الملوث يدفع" والاعتراف به رسمياً.

لكن فرنسا لم توقع هذه اتفاقية "التي تتعارض مع النهج الواقعي والتقدمي لنزع السلاح النووي"، على حد تعبيرها.

وقال العميد "بوفريوة": "على فرنسا أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية".

وذكر خبراء "آيكان فرنسا" أن "الناس ينتظرون منذ أكثر من 50 عاماً" و "هناك حاجة للعمل بشكل أسرع. نحن نواجه مشكلة صحية وبيئية كبيرة يجب السيطرة عليها في أسرع وقت ممكن".

وأنشأت الجزائر في يونيو/حزيران الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتجارب والتفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري، لكن عملها مرهون بالحصول على الخرائط.

المصدر | الخليج الجديد+ متابعات

  كلمات مفتاحية

تجارب نووية فرنسا جزائر

بكاء الصحراء.. أكاديمي ليبي يوثق مأساة فزان جراء التجارب النووية الفرنسية