ماذا بعد تعليق البرلمان التونسي إلى أجل غير مسمى؟

الأربعاء 25 أغسطس 2021 11:22 م

منح الرئيس التونسي "قيس سعيد" نفسه مزيدا من النفوذ والسلطة والتنفيذية بإعلانه تعليق عمل البرلمان إلى أجل غير مسمى، لكن ذلك سيؤدي في النهاية إلى تراجع من أصحاب المصلحة السياسيين الآخرين وإطالة أمد الأزمة الاقتصادية في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

ولم يقدم الرئيس التونسي أي تبرير لهذه الخطوة الأخيرة لكنه وعد بإلقاء خطاب في الأيام المقبلة.

وفي 25 يوليو/تموز، تسبب "سعيد" في موجة صادمة بعد أن علق البرلمان لمدة 30 يوما، وأقال رئيس وزراء البلاد وأعلن أنه سيتولى السلطة التنفيذية جنبا إلى جنب مع رئيس الوزراء الجديد الذي لم يتم تسميته بعد.

وقال "سعيد" آنذاك إنه يستند إلى المادة 80 من دستور البلاد الذي يمنح الرئيس سلطات استثنائية عندما تكون الدولة في "خطر وشيك"، مشيرا إلى الحاجة إلى "إعادة ضبط" الحكومة من أجل معالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد بشكل أفضل مع ارتفاع حالات "كوفيد-19".

وأدى تأخير تعيين رئيس وزراء وحكومة جديدة، بالرغم من وعد "سعيد" في 25 يوليو/تموز بالقيام بذلك "قريبا"، إلى تفاقم حالة عدم اليقين السياسي في تونس.

ومن أجل الحفاظ على منصبه التنفيذي دون معارضة شعبية قوية، سيحتاج "سعيد" إلى التركيز على استئصال جذور الفساد. ومنذ توليه منصبه، أشرف "سعيد" على العديد من تحقيقات مكافحة الفساد، والتي يدعمها التونسيون إلى حد كبير.

وتماشيا مع هذا الاتجاه، فتحت السلطات القضائية في تونس، تحت إشراف الرئيس، سلسلة من التحقيقات في 28 يوليو/تموز مع مسؤولين سياسيين وأحزاب سياسية ورجال أعمال وأعضاء سابقين في البرلمان بشأن مزاعم فساد وإساءة استغلال السلطة.

ويبدو أن التحقيقات عززت شعبية "سعيد"؛ حيث قال 94% من التونسيين إنهم يوافقون على تصرفات الرئيس في استطلاع أجرته "سيجما كونسيل" في أغسطس/آب، مقارنة بـ 87% في استطلاع أجرته شركة "إمرهود كونسلتينج" في 28 يوليو/تموز.

وقال العديد من القضاة والسياسيين ورجال الأعمال التونسيين الذين يواجهون تحقيقات فساد مؤخرا إنهم حُرموا بشكل تعسفي من الحق في السفر أو مغادرة البلاد في الأسابيع الأخيرة.

وكانت حملة "سعيد" الرئاسية لعام 2019 قد وعدت بشن حملات واسعة ضد الكسب غير المشروع، وهي الإجراءات التي يدعمها التونسيون إلى حد كبير باعتبار أن الوعود بمزيد من الحرية والفرص الاقتصادية لن تتحقق أبدا دون التخلص من الفساد المنهجي في البلاد.

ومن خلال السلطة التنفيذية وعدم وجود إشراف برلماني كبير، يمكن لـ"سعيد" من الناحية الفنية إعادة ترتيب الحكومة التونسية بالشكل الذي يراه مناسبا. ومع ذلك، من المرجح أن يعمل أصحاب المصلحة السياسيون الآخرون في البلاد معا لضمان عدم قيام الرئيس بتعزيز سلطته.

ويبدو أن الكثير من الطيف السياسي التونسي حذر في الخروج بقوة تأييدا أو رفضا لتحركات "سعيد"، بالنظر إلى أنه لا يزال من غير المؤكد ما يريد "سعيد" تحقيقه بالضبط. ومع ذلك، من المرجح أن تعمل مجموعة واسعة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في تونس على منع المزيد من السيطرة على السلطة.

والآن بعد مرور 30 ​​يوما، يمكن لرئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة "راشد الغنوشي" أن يتساءل قانونيا عما إذا كانت الظروف "الاستثنائية" التي ذكرها "سعيد" في 25 يوليو/تموز لا تزال قائمة.

لكن إذا اختار "الغنوشي" استجواب "سعيد"، فمن المرجح أن يفعل ذلك بحذر حيث إن اتخاذ موقف قوي ضد تصرفات الرئيس، التي يدعمها كثير من التونسيين، من شأنه أن يشوه سمعة حزبه.

وأصبح حزب النهضة، وهو أكبر حزب في البرلمان التونسي المعلق الآن، كبش فداء وتم إلقاء اللوم عليه بشأن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي المستمر في البلاد في الأعوام الأخيرة.

وفي 12 أغسطس/آب، اعترف حزب النهضة علنا بمسؤليته المشتركة عن أزمات البلاد المختلفة وأن "الإنجازات التنموية" للحزب لم ترق إلى مستوى توقعات الشعب التونسي.

وستؤدي حالة عدم اليقين التي خلقتها فترة غير محددة من تراكم السلطة التنفيذية في يد الرئيس إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية طويلة الأجل في تونس. وفي الأسابيع الأخيرة، تحسنت أرقام موجة "كوفيد-19" الأخيرة في تونس، التي تجاوزت مثيلتها في أي بلد آخر في شمال أفريقيا من حيث الإصابات والوفيات، ما قد يوفر دفعة على المدى القريب للنشاط الاقتصادي.

لكن استمرار تعليق البرلمان سيعيق صنع سياسة اقتصادية فعالة. ومن المرجح أن يؤدي هذا الشلل السياسي، جنبا إلى جنب مع مجموعة من التحقيقات الجديدة لمكافحة الفساد، إلى إعاقة الانتعاش الاقتصادي على المدى الطويل في تونس من خلال خلق المزيد من عدم اليقين واضطراب الأعمال.

ومنذ توليه السلطة التنفيذية في 25 يوليو/تموز، أشرف "سعيد" على يومين من التطعيم الجماعي الناجح والفعال بشكل استثنائي ضد فيروس كورونا، ما يمثل تباينا حادا مع حملات التطعيم الفوضوية التي شوهدت في وقت سابق من هذا الصيف.

وكانت موجة "كوفيد-19" الصيفية في تونس، التي وصفها وزير الصحة التونسي بأنها "كارثية" في 8 يوليو/تموز، قد بدأت في التراجع أيضا في الأسابيع القليلة الماضية. وليس من الواضح ما إذا كان الحد من الإصابات مرتبطا فعليا بإجراءات "سعيد"، لكن التوقيت سيساعد في تعزيز ثقة الجمهور في قيادة الرئيس.

لكن المؤشرات الاقتصادية في تونس (بما في ذلك ارتفاع التضخم عند 6.4% وارتفاع معدل البطالة) لم تتحسن منذ أن تولى "سعيد" السلطة التنفيذية.

وبعد إعلانه في 25 يوليو/تموز، كان "سعيد" قد ألمح أيضا إلى أن الدولة على وشك الحصول على مساعدات مالية خارجية، وهو ما لم يتحقق بعد.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد البرلمان التونسي تعليق البرلمان الاقتصاد التونسي كوفيد-19 راشد الغنوشي

لعبة الموازنات.. تحالفات قيس سعيد الإقليمية محفوفة بالمخاطر

أحزاب تونسية تعتبر تمديد قرارات سعيد استكمالا للانقلاب