استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحق على.. الأفغان!

الخميس 26 أغسطس 2021 07:37 م

الحق على.. الأفغان!

الجدل داخل أمريكا حول أفغانستان يستحق المتابعة بذاته لأنه يجسد بالفعل حال إمبراطورية تتداعى.

«غطرسة الإمبراطورية» جعلتها تتصور أن قوتها العسكرية الغاشمة بإمكانها تحقيق ما لم تحققه إمبراطوريات أخرى!

من أهم مؤشرات سقوط الإمبراطوريات أن تظل النخبة ذاهلة عن نقاط ضعفها وما يجرى من استنزاف لإمكاناتها المادية والأدبية.

استخدم بايدن تعبيرا غاب عقدين عن الخطاب الأمريكي بينما يعرفه من قرأ التاريخ فهى أول مرة يقول فيها رئيس أمريكى إن أفغانستان "مقبرة الإمبراطوريات".

برر بايدن الانسحاب بإلقاء اللوم على الأفغان وأنه لا يجوز أن يحارب جنوده ويموتون فى حرب «لا تريد القوات الأفغانية أن تخوضها بينما تعجز القيادات السياسية الأفغانية عن الاتحاد من أجل مصلحة بلادها».

*     *     *

بينما يتابع العالم بالصوت والصورة ما يجرى فى أفغانستان، فإن ما يحدث داخل أمريكا نفسها لا يقل أهمية. فالجدل الدائر بخصوص الانسحاب الأمريكى ذو دلالات مهمة تعكس حال أمريكا ومستقبلها.

ولعل نقطة البدء لفهم تلك الدلالات كان الخطاب الأول للرئيس الأمريكى، والذى مثل، فى مجمله، دفاعا عن قرار الانسحاب ضد الهجوم القاسى الذى تعرض له من الداخل الأمريكى. لكن الأهم كان ما بين سطور الخطاب لا فوقها. إذ برز بين ثناياه اعتراف ضمنى بعبثية غزو أفغانستان أصلا واحتلالها عشرين عاما.

فبايدن برر قرار الانسحاب بإلقاء اللوم على الأفغان، مؤكدا أنه لا يجوز أن يحارب جنود بلاده ويموتون فى حرب «لا تريد القوات الأفغانية أن تخوضها، بينما تعجز القيادات السياسية الأفغانية عن الاتحاد من أجل مصلحة بلادها».

والأكثر دلالة كان أن بايدن استخدم تعبيرا غاب تماما عن خطاب المسؤولين الأمريكيين طوال عشرين عاما، بينما يعرفه كل من قرأ التاريخ واستوعبه. فهى المرة الأولى التى يقول فيها رئيس أمريكى إن أفغانستان «عُرفت عبر التاريخ بأنها مقبرة الإمبراطوريات».

واستخدام التعبير يمثل اعترافا خطيرا بحال الإمبراطورية الأمريكية ويشرح ما أطلقت عليه كاتبة السطور، فى مقال الأسبوع الماضى، «غطرسة الإمبراطورية» التى جعلتها تتصور أن قوتها العسكرية الغاشمة بإمكانها تحقيق ما لم تحققه إمبراطوريات أخرى.

واستخدام التعبير له أيضا دلالته الفارقة، كون بايدن نفسه، حين كان عضوا بمجلس الشيوخ، صوت لصالح الغزو فى 2001، وظل يدعم الاحتلال لسنوات طويلة.

والحقيقة أن بايدن، فى خطابه، لم يذكر إطلاقا ما قاله وزير خارجيته، قبله بيوم واحد، حين وصف الغزو والاحتلال بأنه كان قصة «نجاح»!، بل إن لفظ «النجاح»، بكل تصريفاته، لم يرد إطلاقا فى خطاب بايدن.

والجدل داخل أمريكا يستحق المتابعة فى ذاته لأنه يجسد بالفعل حال إمبراطورية تتداعى. فمن أهم مؤشرات سقوط الإمبراطوريات، عندى، أن تظل نخبتها ذاهلة عن نقاط ضعفها وما يجرى من استنزاف لإمكاناتها المادية والأدبية، بل وتظل تلك النخبة تعيد إنتاج الأخطاء ذاتها ولا تجد فيها ما يستدعى إعادة النظر.

ولعل الأكثر تجسيدا لحال تلك النخبة كان تصريحات كونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومى، ثم وزيرة الخارجية فى عهد بوش الابن، حين اتخذ قرار الغزو. فهى لاتزال تريد استمرار الاحتلال، وفى معرض انتقادها لقرار الانسحاب، قالت إن أمريكا كان بإمكانها أن تتبنى «استراتيجية كوريا الجنوبية» فى أفغانستان.

«فبعد سبعين عاما» من الحرب الكورية، «التى لم تنته بالنصر» فإن لأمريكا اليوم «أكثر من 28 ألف جندى فى كوريا الجنوبية»!، مؤكدة أنه من الممكن فعل الشىء نفسه فى أفغانستان ولكن بأعداد أقل كثيرا من القوات!.

وأهم ما يميز الجدل الدائر بين المعارضين للانسحاب من أفغانستان هو تلاشى الخط الفاصل بين التيارات السياسية.

فباستثناء الشعبويين واليمين المتطرف، فإن أغلب المحافظين، بأطيافهم، سجلوا اعتراضهم على الانسحاب، واصطف معهم الكثير من الليبراليين من أطياف مختلفة، سواء يمين الوسط الذى لا تختلف مواقفه عن المحافظين فى السياسة الخارجية، أو أطياف أخرى ليبرالية تؤيد السياسات الإمبراطورية بدعوى «التدخل الدولى الإنسانى». تلك هى النخبة الأمريكية الذاهلة.

أما الأكثر اتساقا مع الذات فى أمريكا، فكان اليسار التقدمى الذى عارض حروب أمريكا الخارجية من فيتنام لأفغانستان للعراق، متحملا الاتهامات تارة «بالعمالة» للروس والصينيين والإيرانيين وأى دولة تخطر على البال، وتارة «بمعاداة الجيش الأمريكى»، ووصولا لاتهامه «بالتهاون مع الإرهاب»!

* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، باحثة في الشأن الأمريكي.

المصدر | المصري اليوم

  كلمات مفتاحية

أفغانستان، طالبان، أمريكا، النخبة، الانسحاب الأمريكي، بايدن، مقبرة الامبراطوريات، غطرسة الامبراطورية،