تقييمات متباينة.. مستقبل الدور العسكري الأمريكي في الخليج

السبت 4 سبتمبر 2021 10:31 م

يدور حاليا نقاش حول نطاق وفائدة البصمة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الخليج، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي المثير للجدل من أفغانستان، الذي تعتبره جميع الأطراف إثباتا لوجهات نظرهم.

ويطالب البعض باستمرار أو توسيع البصمة العسكرية فيما يطالب آخرون بإغلاق معظم أو جميع المنشآت العسكرية الأمريكية الثابتة في المنطقة. ويتحدث كلا الطرفين بصوت عالٍ وعاطفي، لكن هناك إجماعا جديدا قوي بين هذين الموقفين آخذ في الظهور.

ويتحدث هذا الإجماع عن أنه قد حان الوقت للولايات المتحدة لإعادة التفكير في توزيع أصولها لجعلها أكثر فعالية ومرونة، مع الاعتراف في الوقت نفسه بأن الانتشار طويل الأمد للقوات الأمريكية في منطقة الخليج ما زال أساسيا لمصالح الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.

وينشأ هذا الجدل من الشعور المتزايد بالضجر من الحرب والرغبة في التركيز على المشاريع المحلية بين العديد من الأمريكيين. وبالنسبة لليمين الجمهوري فقد رفع أجندة "أمريكا أولا"، بينما بالنسبة للديمقراطيين فقد تبنوا مبادرة "إعادة البناء بشكل أفضل". وهناك أيضا تركيز متزايد على المنافسة بين القوى العظمى مع روسيا والصين، الأمر الذي يطرح السؤال حول كيفية مساهمة الوجود الأمريكي في الخليج في تلك الأهداف السياسية المعقدة والمتشابكة.

وبالرغم من الدعوات المستمرة لجعل الشرق الأوسط في أولوية متدنية منذ الولاية الثانية للرئيس "جورج دبليو بوش"، فإن العواقب السلبية المحتملة لأي تحول جذري قد منع ذلك.

وتظل الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لمنطقة الخليج وإمداداتها الحيوية من الطاقة، خاصة لاقتصادات جنوب وشرق آسيا، أمرا واضحا. وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي تجعل الولايات المتحدة لا تتراجع بسرعة أو بشكل جذري عن المنطقة. ومع ذلك، فقد خلص معظم الجمهور الأمريكي والقادة السياسيين ومحللي السياسة إلى أن البصمة العسكرية الموروثة من عملية عاصفة الصحراء عام 1991 وغزو العراق عام 2003 أصبحت غير مناسبة لتغير المصالح الأمريكية في المنطقة.

وتتعرض البنية الأمنية الراسخة في الخليج (مثل الوجود البحري الأمريكي في المنامة الذي يعود تاريخه إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة) لضغوط بالرغم أنه أثبت مرارا أهميته في المساعدة على ضمان التدفق الحر للنفط والتجارة في الممرات البحرية الحيوية مثل مضيق هرمز.

ويعمل الأسطول الأمريكي الخامس أيضا كمقر ومحور للقوات البحرية المشتركة، وهو تحالف من 34 عضوا مخصصا لمكافحة القرصنة والتهريب وتعزيز الأمن البحري في أهم ممرات الشحن الدولية، بما في ذلك المحيط الهندي والممرات المائية المجاورة.

ويتوافق الدافع لتقليص البصمة العسكرية في الخليج مع الانتقال بعيدا عن تشابكات ما بعد 11 سبتمبر/أيلول في أفغانستان، وبدرجة أقل العراق، فضلا عن الوجود الصغير ولكن الفعال في سوريا.

وتختلف عمليات الانتشار الثلاث عن بعضها البعض تماما، لكن نهاية التورط الأمريكي في الحرب الأفغانية، وإعادة هيكلة القوات الأمريكية في العراق لاستبعاد المهام القتالية، واستمرار الوجود المحدود على الحدود السورية العراقية لمواصلة القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" ومنع السيطرة الإيرانية على المعابر الحدودية العراقية السورية، توضح جميعها الحاجة إلى تعديل محتمل في توزيع الأصول.

نقاش هام

وتتعالى حاليا أصوات الانعزالية بين القوميين اليمينيين والليبراليين وكذلك التقدميين الليبراليين. ولطالما كانت مثل هذه الميول حاضرة ولكنها تنحت فعليا إلى الهامش بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال الحرب الباردة، وفي العقود اللاحقة من عمل الولايات المتحدة كقوة عالمية وحيدة. ولكن عودة هذه الأصوات كان أمرا حتميا نظرا لغياب الإجماع حول تهديد وجودي محدد على غرار الحرب الباردة.

وأصبحت العلاقات الدولية متعددة الأقطاب بشكل متزايد مع عودة روسيا إلى المسرح العالمي، ومع نمو الصين لتصبح قوة عالمية صاعدة تتنافس مع الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى هؤلاء المتنافسين من القوى العظمى، تؤكد القوى الإقليمية استقلاليتها الاستراتيجية بشكل متزايد، وتحاول تنويع شراكاتها وخياراتها.

والأكثر إثارة للدهشة هو التقارب بين النسخ المحافظة من الجمهوريين والديمقراطيين الداعية للانعزالية. ويدعو كلاهما إلى تقليص الوجود العسكري إلى حد كبير أو حتى كليا من الشرق الأوسط، وكذلك بقية العالم مثل كوريا.

وتستند هذه الحجج عادة إلى التقليل من أهمية التهديدات من الخصوم مثل روسيا والصين وإيران، والرفض الكامل للقيادة الدولية للولايات المتحدة باعتبارها تبذيرا واستفزازا وتؤدي إلى نتائج عكسية.

من ناحية أخرى، فإن بعض الكتل المتشددة، التي ظهر الكثير منها من منظور المحافظين الجدد، لا تدافع فقط عن الموقف العسكري الحالي، ولكنها تطالب في كثير من الأحيان بتواجد عسكري أمريكي مكثف في الشرق الأوسط.

ويرتبط هذا عادة بالدعوات إلى زيادة التعاون العسكري مع إسرائيل ودعمها والدفاع القوي عن السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتخذ البعض الآخر موقفا تقليديا أكثر تشددا يعارض ببساطة كل عمليات سحب القوة في جميع أنحاء العالم.

وبالرغم من الترويج لهذين الموقفين بقوة من قبل المؤسسات البارزة، إلا أنهما يظلان متطرفين للغاية. وبدلا من ذلك، هناك إجماع متزايد على أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تسحب وجودها العسكري بالكامل من الخليج والشرق الأوسط، إلا أنها يجب ألا تحافظ على الموقف الحالي، ناهيك عن توسيعه.

وقد يرحب بعض حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك إسرائيل وبعض الدول العربية، بتوسيع الدور العسكري الأمريكي، لكن العديد من المحللين الأمريكيين يعتقدون أن الموقف الحالي الذي تشكل في حقبة مختلفة ليس مناسبا لتحقيق المصالح القومية الأمريكية في المنطقة في الوقت الحاضر.

تحديد المصالح الأمريكية

وتتمثل إحدى أهم المهام في وضع تصور لإطار عمل جديد للدور العسكري الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط وذلك بعد تحديد واضح للمصالح الأساسية للأمن القومي للولايات المتحدة.

ويتفق معظم المحللين على أن للولايات المتحدة مصلحة حيوية في الحفاظ على الأمن البحري في مياه الخليج والوصول العالمي إلى موارد التجارة والطاقة عبر قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز، وما وراء ذلك في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​والمحيط الهندي.

ويعد الموقف العسكري الأمريكي حول العالم عبارة عن شبكة متداخلة ومترابطة من الأصول التي تدعم وتعزز بعضها البعض بطرق معقدة ولا غنى عنها في كثير من الأحيان. وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة الاستمرار في لعب دور عالمي رئيسي دون أخذ زمام المبادرة في تأمين شرايين الحياة للطاقة والاقتصاد العالمي. ومن شأن التنازل عن هذا الدور للقوى الإقليمية أو لقوة دولية منافسة أن يشير بشكل فعال إلى عودة السياسة الخارجية الانعزالية للولايات المتحدة.

والنقطة الثانية التي عليها شبه إجماع هي المصلحة الحيوية في مكافحة وردع الإرهاب الذي يستهدف الولايات المتحدة والمصالح الأمريكية في الخارج. وتعد مكافحة الإرهاب من أهم الركائز وأكثرها فاعلية لقيادة الولايات المتحدة ونفوذها، لا سيما في الشرق الأوسط، وهي ضرورية في تعزيز شبكة تحالفات واشنطن وعلى رأسها حلف الناتو.

ويركز جزء كبير من اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول على جهود مكافحة الإرهاب، سواء كانت فعالة أو مضللة. وبالرغم من العديد من العيوب، كانت السياسة فعالة إلى حد كبير؛ فلم يكن هناك تكرار لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، وتم نقل الحرب ضد الجماعات المتطرفة العنيفة إلى حد كبير أي إلى المكان الذي نشأت فيه بدلا من الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن العديد من سياسات ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، ولا سيما غزو العراق عام 2003، انتهى بها الأمر إلى تعزيز الراديكاليين في العراق وسوريا، ما أدى في النهاية إلى ظهور "الدولة الإسلامية"، وتمكين إيران. وتواصل الجماعات المتطرفة الموالية لإيران استهداف القوات والمصالح الأمريكية في العراق وأماكن أخرى.

وما يزال تهديد "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" قائما، لا سيما بالنظر إلى سيطرة طالبان على معظم أفغانستان، والهجوم الانتحاري المميت الذي نفذه تنظيم "الدولة الإسلامية" على مطار كابل، وإطلاق سراح أعداد كبيرة من عناصر "القاعدة" الذين كانوا في السجون الأفغانية.

وهناك قضية أخرى يُشار إليها مرارا وتكرارا على أنها مصلحة حيوية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي أمن إسرائيل، لكن ذلك أصبح مرتبطا بشكل متزايد بأمن شركاء الولايات المتحدة الإقليميين الآخرين. وتتفق إسرائيل والعديد من دول الخليج العربية الرئيسية على أن إيران وشبكة الميليشيات التابعة لها تشكل أكبر تهديد لأمنها القومي واستقرارها الإقليمي.

وقاد هذا التصور المشترك للتهديد الإمارات والبحرين إلى بدء تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020، ما جعل 3 شركاء رئيسيين للولايات المتحدة أقرب لبعضهم البعض. ولا تزال السعودية مترددة، لكن من الواضح أنها تُبقي خياراتها مفتوحة.

ويتداخل أمن إسرائيل ودول الخليج العربية الآن بطرق من المرجح أن توفر فرصا جديدة مهمة لحلفاء الولايات المتحدة للتعاون مع واشنطن ومع بعضهم البعض بشكل يعزز أيضا الأهداف الاستراتيجية والسياسات الإقليمية للولايات المتحدة.

وتشمل الشواغل الرئيسية الأخرى مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، والمساعدة في تفادي حروب إقليمية مدمرة جديدة، واحتواء أزمات اللاجئين، وتعزيز القيم الأمريكية حيثما أمكن ذلك، ومعالجة قضايا تغير المناخ.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى صياغة إجماع حول المتطلبات الأساسية لتأمين هذه المصالح. ويرى العديد من المحللين أن الولايات المتحدة يجب أن تنتقل من جهود ما بعد الحرب الباردة لتأمين السلام والدفاع عنه في الشرق الأوسط إلى دور أكثر تقليدية في التوازن الإقليمي. وقد يكون هذا منطقيا من منظور الولايات المتحدة والمنظور الإقليمي، ولكن لا يوجد فهم مشترك على نطاق واسع لما سيترتب على مثل هذا الدور.

ويجادل البعض بأن الولايات المتحدة يجب أن تسعى إلى تعزيز توازن القوى الإقليمي بين إيران و تركيا والعرب. ومع ذلك، لا يمكن أن تعني الموازنة قبول سياسات جميع الجهات الفاعلة القائمة على قدم المساواة، لا سيما ترويج إيران للميليشيات الطائفية المسلحة في الدول العربية المجاورة، الأمر الذي ساهم بقوة في تفكك هذه الدول، وهي العقبة الرئيسية أمام إعادة الاندماج الوطني والنظام والاستقرار الإقليميين.

خيارات إعادة هيكلة وضع القوة

ولضبط وضعية القوات بشكل فعال، قد يكون من الضروري تعديل التوقعات في الداخل وبين شركاء الولايات المتحدة. ويفترض العديد من الأمريكيين أن أي عمل غير حركي، أو على الأقل عسكري بطبيعته، لا يمكن اعتباره فعالا.

ويفترض العديد من شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج أن الالتزام الحقيقي لا يتم التعبير عنه بصدق وتنفيذه إلا من خلال الأصول والأعمال العسكرية. ويجب أن تتطور مثل هذه المواقف، بالنظر إلى مدى فعالية الأدوات غير العسكرية عندما تكون مدعومة بخيار موثوق للقوة.

ويحتاج التكوين الحالي للأصول العسكرية الأمريكية الرئيسية في المنطقة، التي تتركز بشكل كبير في دول الخليج العربية، إلى تقييم دقيق. فما هي الأصول التي تظل مفيدة، وتلك التي تعتبر فعالة من حيث التكلفة، والتي يمكن توسيعها، والتي يمكن تحويلها إلى أخف وزنا، في إطار عمل أكثر مرونة وأكثر استجابة؟

ويجب أن يتضمن هذا التقييم الشكل الذي قد يبدو عليه المشهد السياسي والاستراتيجي بعد أي تعديلات محتملة. فلا فرق بين فراغ القوة أو وجود الولايات المتحدة وهي غير قادرة على تحقيق أهداف مهمة. وسيكون الوضع الذي تُدعى فيه روسيا أو غيرها من المنافسين الأمريكيين العالميين أو الإقليميين فعليا لملء هذا الفراغ، سواء استطاعوا ذلك فعلا أم لا، مصدر قلق أكبر بكثير.

وتمتم بالفعل إنجاز قدر كبير من هذا التقييم، وإن كان في بعض الأحيان تخميني، من قبل مجموعة من الخبراء العسكريين والأمنيين، وكثير منهم من ذوي الخبرة المباشرة في الشرق الأوسط.

وترتبط القضية المعقدة الخاصة بتقاسم الأعباء ارتباطا مباشرا بإعادة الهيكل، التي يمكن أن تشمل نقل المقر الرئيسي، وربما العودة إلى الولايات المتحدة. ويعتمد هذا جزئيا على تعزيز قدرات شركاء الولايات المتحدة الإقليميين، وهي نفسها مهمة معقدة ومثيرة للجدل، بما في ذلك تركيب أنظمة دفاع صاروخي أكثر تكاملا وقوة، وتعزيز القدرات الأمنية البحرية.

ويتطلب ذلك مناقشة أعمق لمبيعات الأسلحة للشركاء بينما تعيد الولايات المتحدة تقييمها. لكن حتى في أكثر حالاتها نجاحا، فإن عملية تقاسم الأعباء المستندة إلى تعزيز الشركاء المحليين تنطوي حتما على تقليل النفوذ المباشر.

ويعد استياء الولايات المتحدة من عواقب التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن مثالا جيدا للجانب السلبي المحتمل لتقاسم الأعباء. وسيتعين على الولايات المتحدة وشركائها أيضا إيجاد طرق فعالة لمكافحة التهديد الرئيسي الذي يمثله ظهور طائرات بدون طيار رخيصة وخطيرة، خاصة عندما تقترن بأنظمة توجيه دقيقة.

وفي الشرق الأوسط، كانت إيران وتركيا رائدين في تطبيق الطائرات بدون طيار والتوجيه الدقيق، وأظهرتا إلى أي مدى أدت هذه التقنيات الجديدة إلى تغيير المعادلة الاستراتيجية بشكل جذري. ويضيف الاستخدام الفعلي والمحتمل لمثل هذه الأسلحة من قبل الحركات والميليشيات عنصرا مزعجا إضافيا للمشكلة.

وطرح العديد من الخبراء بالفعل خيارات لتصحيح وضع القوات الأمريكية ولكن بطريقة مجزأة إلى حد كبير. وقد أشار البعض إلى زيادة التركيز على الدبلوماسية كعنصر ضروري من عناصر القوة. ومع ذلك، فإن القدرات الدبلوماسية تعاني من نقص التمويل لعقود من الزمن، ما يثير تساؤلات حول ما يمكن أن يقوم به المزيد من الدبلوماسيين، خاصة أن الدعم العسكري القوي غالبا ما يكون مفيدا لجعل الدبلوماسية فعالة.

وهناك أيضا أبعاد اقتصادية وتجارية وأمنية لتسهيل الانتقال إلى فعل المزيد بموارد أقل، وكلها بحاجة إلى الاستفادة منها على أكمل وجه.

وكقوة عالمية، تظل الولايات المتحدة فريدة من نوعها، وتحقق فوائد هائلة للشعب الأمريكي من هذا الدور القيادي العالمي. ولا تعد العلاقات الدولية لعبة محصلتها صفر، ولكن من المؤكد أن اللاعبين العالميين والإقليميين يحققون أهدافا، وسيسعى المنافسون إلى ملء المناطق التي تنسحب منها الولايات المتحدة أو مواقع النفوذ التي تتنازل عنها.

لذلك، يظل الوجود الأمريكي في الخليج حاسما لكل من واشنطن وشركائها. لكن لجعل هذا النفوذ أكثر فاعلية واستدامة يتطلب ذلك نهجا جديدا للأمن الإقليمي. وهناك حاجة إلى توازن أدق بين المبادرات الدبلوماسية أو حتى التجارية، والقوة الصارمة التقليدية، مع الاحتفاظ بخيار عسكري قوي لتوفير النفوذ، ليكون هو الملاذ الأخير عند الضرورة.

وسيساعد التمييز الدقيق بين الأنواع المختلفة للوجود العسكري الأمريكي، البحري أو الجوي أو البري، والبعثات التدريبية المكثفة، وانتشار قوات العمليات الخاصة المؤقتة الصغيرة، ومهام المساعدة العسكرية الموجودة في السفارات، في إيجاد الأساس المنطقي المقنع اللازم لتبرير قوة فعالة ومستدامة.

والمطلوب هو موقف مصمم لخدمة تحالفات مرنة مع الشركاء لمواجهة التحديات دون توقع أو مطالبة جميع الشركاء بالمساهمة في كل مهمة.

وتحتاج الولايات المتحدة إلى فهم أوضح بكثير للتحديات التي يتطلبها الوجود طويل الأمد للقوات، والاستخدام المحتمل للقوة، وتحت أي ظروف. وبدون ذلك، ستستمر السياسة في الانجراف دون اتجاه واضح. وهذا هو السبب في أهمية وجود إجماع جديد حول أهداف الأمن القومي في الخليج والشرق الأوسط الكبير.

ويجب أن يكون الهدف النهائي هو تعزيز نموذج أمني إقليمي جديد يشمل جميع اللاعبين الرئيسيين وموجه نحو البحث عن حلول مربحة لكل الأطراف بدلا من المواجهات الصفرية. ولا يمكن تحديد ما إذا كان هذا ممكنا إلا من خلال جهد شامل لتعزيزه ومتابعته.

ومن الضروري خوض محادثات واسعة النطاق حول كيفية وسبب إعادة هيكلة وضع القوات الأمريكية في الخليج، وما هي المصالح والمهام الحيوية للأمن القومي التي يجب أن تخدمها هذه الأصول، والأدوات الأخرى التي تعزز هذه الأهداف.

لقد تطور دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ إنشاء قواعد رئيسية مثل القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في البحرين والمقر المتقدم للقيادة المركزية الأمريكية في قاعدة العديد الجوية في قطر. وبالنظر إلى التطورات التكنولوجية والاستراتيجية في الأعوام الأخيرة، والدروس المستفادة من حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول، فإن الولايات المتحدة قادرة على فعل المزيد، أو على الأقل ما يكفي، بموارد أقل.

المصدر | حسين آيبش - معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التواجد الأمريكي في الخليج الانسحاب الأمريكي النفوذ الأمريكي التنافس الإقليمي تنافس القوى العظمى الهيمنة الإقليمية