قبل أيام، وتحديداً في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، نشر موقع «روسيا اليوم» خبراً عن منع السعودية التسمّي بـ50 اسماً.
واستمر تداول الخبر لأيام، بين مواقع إعلامية يفترض بأنها رصينة. آخر هذه الموقع، كان "فرانس 24"، والذي نشر الخبر بعنوان "السعودية تمنع إطلاق 50 اسماً على المواليد الجدد بينها جبريل وأمير ومليكة وعبد الناصر". ونشر الخبر في موقع راديو "سوا". نشر الخبر أيضاً، ولكن قبل عام، في موقع "سي إن إن العربية".
تمت صياغة الخبر بطرق مختلفة، تارة بإبراز مسألة منع اسم "عبد الناصر" وتعليله بأسباب تاريخية ترتبط بالعداء مع القومية العربية ونظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في الستينيات، والذي لم يكن على وفاق مع السعودية.
لنتجاوز طريقة طرح الخبر في هذه المواقع والتي تعكس انحيازاتها التحريرية، ونتجاوز أن القائمة أصلاً يتجاوز عمرها خمساً وعشرين عاماً لنسأل: هل هناك استهداف إعلامي للسعودية؟
يبدو مثيراً للسخرية طرح مثل هذا السؤال، والسعودية تمتلك إمبراطورية إعلامية عربية، مقروءة ومشاهدة، منذ عقود. وبالتالي ساهمت السعودية بقنواتها في تشكيل رأي عام عربي. فأبرز المجموعات التلفزيونية الكبرى، والموجهة إلى المشاهد العربي، مثل "روتانا" وmbc وart، و"العربية" كلها قنوات مملوكة من رجال أعمال سعوديين، وبالتالي تعكس بصورة أو أخرى وجهة نظر الحكومة السعودية.
اليوم، ومع ظاهرة القنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية مثل "فرانس 24" و"بي بي سي عربية"، و"روسيا اليوم"، و"الحرة"، دخل تناول الشأن السعودي بعداً آخر، بعيداً عن التجاذبات العربية ــ العربية. ويمكن القول إن عمل هذه الوسائل الإعلامية محكوم بثلاثة عوامل، تزيد أو تنقص من قناة لأخرى: عدم مجاملة السعودية، والأجندة التحريرية، وعدم الدراية بالشأن السعودي. هذه القنوات الأجنبية باللغة العربية، ليست معنية إلى حد كبير بمجاملة السعودية. لذا تطرح قضايا لم يعتد الإعلام السعودي الرسمي وغير الرسميعلى طرحها.
صحيح أن المشاهد المعتاد على قنوات منحازة للسعودية، سيستغرب الانتقادات الموجهة إليها، لكن من ناحية أخرى، هذه القنوات لا تخلو من أجندة بطبيعة الحال. فأي متابعة لقناة مثل "روسيا اليوم"، لن تخفى عليه انحيازاتها ضد السعودية.
لنتحدث عن قناة أكثر رصانة، كقناة "بي بي سي"، هذه القناة تعكس سياساتها التحريرية، التعامل مع الشأن السعودي في الصحف البريطانية، مثل "ديلي تلغراف" و "ذا غارديان" والتي غالباً ما تنتقد الخليج عموماً، بخاصة في ملف حقوق الإنسان. عدم مجاملة السعودية في قنوات، أو الانحياز ضدها في قنوات أخرى، يضاف إليه بعد ثالث. فالسعودية "غامضة" إلى حد كبير في عيون الآخرين، مما يجعل الجهل بالحالة السعودية مؤثراً في سياسات التحرير حيال قضاياها.
وكون السعودية "غامضة" ويُتوقع منها أي شيء، فيمكن أن تقرأ مقالاً في "نيويورك تايمز"، يشير إلى أن رجل دين "يُحرم ارتداء المرأة لحزام الأمان، حتى لا يبرز مفاتن جسدها". وغالبا لن يأتي أحد ليخبرك بأن هذه الفتوى "حظر ارتداء حزام الأمان للنساء" لم تنشر قط، إلا في النيويورك تايمز!