المصالحة المصرية التركية.. الواقع والآفاق

السبت 2 أكتوبر 2021 07:03 ص

مع بروز السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة التي أصبحت تنظر إلى أجزاء من الشرق الأوسط على أنها ذات أهمية استراتيجية ضئيلة، سعت العديد من الدول في المنطقة إلى إصلاح العلاقات وحل مشاكلها الثنائية. وزاد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الشعور بإلحاح هذه الخطوة.

وقد خلق هذا الاتجاه التصالحي جوا من التفاؤل في الشرق الأوسط، خاصة مع الجهود الناجحة التي أنهت الأزمة الدبلوماسية بين دول الخليج. والآن، أبدت مصر وتركيا اهتمامهما باستعادة العلاقات، ما يمثل اختراقا سياسيا مهما آخر في المنطقة.

ونظرا لأهميتهما الجيوسياسية، كانت مصر وتركيا من بين أكثر الفاعلين تأثيرا في سياسات الشرق الأوسط عبر التاريخ الحديث. ومع ذلك، اندلعت العداوة بين هاتين الدولتين في عام 2013 عندما أطاح الجيش المصري بالرئيس الراحل "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا لمصر.

وكانت تركيا من أوائل الدول التي عارضت الانقلاب، بل اتهم "رجب طيب أردوغان"، رئيس وزراء تركيا آنذاك، إسرائيل بالوقوف وراء الاضطرابات التي أدت إلى الإطاحة بـ"مرسي".

نتيجة لذلك، تراجعت العلاقات الثنائية بين أنقرة والقاهرة، ولم يفوت القادة في كلا البلدين فرصة لتبادل الانتقادات القاسية لبعضهم البعض. واستدعت مصر سفيرها من أنقرة في أغسطس/آب 2013، وردت أنقرة بالمثل بعد ذلك بأيام قليلة.

واتجهت أنقرة في وقت لاحق لاستقبال المعارضين المصريين. وفي غضون أشهر، أصبحت تركيا مقرا للمعارضة المصرية، المتمثلة بشكل أساسي في جماعة "الإخوان المسلمون". كما تم الترحيب بالصحفيين المصريين، ما جعل البلاد تستضيف العديد من المنصات الإعلامية المناهضة لنظام "السيسي".

ومع ذلك، في مارس/آذار الماضي، كشف مسؤولون أمنيون في القاهرة أنهم تلقوا مكالمات هاتفية من نظرائهم في أنقرة توضح رغبة تركيا في مناقشة التعاون الاقتصادي وغيره من أشكال التعاون الثنائي. وفي مايو/أيار، فوجئ العديد من المراقبين بزيارة وفد تركي رفيع برئاسة نائب وزير الخارجية "سادات أونال" إلى القاهرة حيث عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين المصريين تناولت جهود تطبيع العلاقات الدبلوماسية.

وفي 7 سبتمبر/أيلول قام وفد مصري برئاسة نائب وزير الخارجية "حمدي سند لوزا" بزيارة رسمية لأنقرة. كما ناقش الجانبان خطوات تطبيع العلاقات وسبل حل المشاكل الثنائية وتخفيف التوترات الإقليمية في أماكن مثل ليبيا وشرق المتوسط.

الصراع الليبي

ويعتبر الوضع في ليبيا من أكثر القضايا الشائكة التي تؤثر على العلاقات بين تركيا ومصر. ومن المعروف أن أنقرة دعمت حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، التي تعتبرها مصر قريبة من فصائل "الإخوان المسلمون"، وبينما أكدت تركيا أنها تدعم فقط الإدارة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس، فقد اتهمت القاهرة بدعم الجنرال "خليفة حفتر" الذي يسعى للاستيلاء على السلطة بالقوة.

وبالرغم من التهديدات والتحذيرات المتبادلة والتي استمرت فترة من الزمن، أدركت تركيا ومصر أنهما غير قادرين على تحقيق نصر عسكري حاسم في الصراع الليبي، حيث لا تملك أي دولة منهما الأدوات اللازمة لتحقيق أهدافها بالكامل.

ولن تؤدي أي مواجهة عسكرية بين أنقرة والقاهرة في الأراضي الليبية إلا إلى إطالة أمد الصراع. وبالرغم أن استمرار التوتر بين مصر وتركيا على الأراضي الليبية ستكون أخبارا مرحب بها للعديد من الأطراف في المنطقة والتي لها مصلحة من مثل هذا القتال (مثل إسرائيل وإثيوبيا) لكن البلدين يدركان أن استمرار هذا الصراع يستنزف مواردهما.

علاوة على ذلك، من شأن تلك المواجهة أن تشجع الجماعات المتمردة في مصر وتركيا، مثل حزب العمال الكردستاني الانفصالي الإرهابي في جنوب تركيا، والفصائل الإسلامية المتطرفة في سيناء بمصر.

أزمة شرق المتوسط

وتعود أصول نزاع شرق البحر المتوسط ​​إلى تركيا واليونان في أعقاب التدخل العسكري التركي في قبرص عام 1974. وقد انخرطت مصر والعديد من اللاعبين الآخرين في الأزمة في نهاية المطاف. وتفاقمت القضية على مدى الأعوام القليلة الماضية بعد اكتشاف الغاز في البحر المتوسط، بسبب الخلافات حول حدود المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة.

ولا تريد تركيا، التي تواجه صعوبات اقتصادية، أن تفرط في موارد الطاقة، لذلك تضغط بقوة من أجل حصتها. وكان على الدول الأخرى التي لديها مصالح في المنطقة، مثل فرنسا وألمانيا وروسيا وإسرائيل وحتى الصين، التدخل لتخفيف الاحتكاكات.

وفي غضون ذلك، استمر القتال العنيف في ليبيا، حيث تقدمت قوات "حفتر" غربا باتجاه العاصمة طرابلس. وفي محاولة لمنع "حفتر" من الوصول إلى طرابلس، وقعت حكومة الوفاق الوطني اتفاقيتين مع تركيا في ديسمبر/كانون الأول 2019. وقد حدد الاتفاق الأول الحدود البحرية الليبية مع تركيا، ما زاد من تعقيد الأمور في شرق المتوسط.

وضمنت الاتفاقية الثانية الدعم العسكري التركي الضروري لحكومة الوفاق الوطني ضد "حفتر" المدعوم من مصر، والذي كان قريبا جدا من طرابلس في ذلك الوقت. وندد وزير الخارجية المصري بهذه الاتفاقات واعتبرها غير شرعية. وفي الواقع، دعت وزارة الخارجية في القاهرة المجتمع الدولي إلى رفض الاتفاقات، مشيرة إلى تداعياتها السلبية.

تقييد منصات المعارضة

وقوبل التقارب التركي الحالي مع مصر بتحفظات حذرة من قبل الإسلاميين وقوى المعارضة الليبرالية، وسط تقارير تفيد بأن القاهرة طلبت من أنقرة المساعدة في كبح جماح المعارضة المصرية. ومع ذلك، قال "إبراهيم منير"، نائب مرشد جماعة "الإخوان المسلمون" المصرية إن جماعة الإخوان لن تقف ضد أي مصالحة بين أنقرة والقاهرة، ولا أي جهة "تسعى إلى الخير".

وقد طلبت السلطات التركية بالفعل من قنوات المعارضة تخفيف حدة انتقاداتها للنظام المصري، ولاحقا طلبت إيقاف عدد من البرامج التي كان لها صوت مسموع لدى شرائح كبيرة في مصر والمنطقة.

وبالرغم أن هذه الإجراءات تأتي لتسهيل عملية التطبيع بين تركيا ومصر، فإن التوصل إلى اتفاق بشأن قضايا أكثر تعقيدا، مثل المستقبل السياسي لليبيا والحدود الإقليمية للمياه في شرق البحر المتوسط، سيحتاج بالتأكيد إلى مزيد من الجهد والتعاون.

ومع تغير البيئة الدولية والإقليمية وتزايد الضغوط السياسية والاقتصادية المحلية، يبدو أن أنقرة والقاهرة تتجهان ببطء نحو حل توتراتهما، حتى إن تطلبت استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مزيدا من الوقت.

المصدر | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية التركية التوترات المصرية التركية الخلافات المصرية التركية المصالحة المصرية التركية الدبوماسية المصرية التركية شرق البحر المتوسط

تضامن متبادل.. مصر تعزي بضحايا حادث قطار في تركيا

تركيا تعزي مصر في ضحايا حادث سير أودى بحياة 13 شخصا

طلب خطير لنجل السيسي.. ملفا الإخوان وليبيا يعطلان المصالحة المصرية التركية

تعثر محادثات المخابرات المصرية والتركية بشأن ليبيا والإخوان المسلمون