استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

انقراض اللغات

الجمعة 1 أكتوبر 2021 03:02 م

انقراض اللغات

لو لم تكن اللغة العربية لغة القرآن الكريم الذي تعهد رب العالمين بحفظه، ماذا كان يمكن أن يحل بها؟

تعدد اللغات بحد ذاته مفتاح لآفاق معرفية أوسع، وأن الطلاب متعددي اللغات يقدمون نتائج فكرية وعلمية أفضل من زملائهم أحاديي اللغة.

بلغت نسبة انقراض اللغات مع نهاية القرن الماضي لأكثر من 50 بالمائة منها أكثر من 200 لغة بأفريقيا ويخشى العلماء انقراض 300 لغة أفريقية أخرى.

اللغات المحلية ليست مجرد فلكلور ثقافي إنساني جميل في تعدّدها وتنوعّها بل أساس المحافظة على هوية الجماعات التي تتحدث بها وشخصيتها وهويتها الذاتية.

يرى علماء الاجتماع موجات الاستعمار الساحقة مسؤولة مباشرةَ عن هذه الكارثة الثقافية الإنسانية. فانتشار الإنجليزية مثلاً لم يكن خيارَ أهل المستعمرات بل مفروضاَ عليهم.

*     *     *

أحصى العلماء وجود6900 لغة مختلفة في العالم. وأحصوا كذلك انقراضاً متواصلا للعديد من هذه اللغات بحيث وصلت نسبة الانقراض مع نهاية القرن العشرين إلى أكثر من خمسين بالمائة. من اللغات المنقرضة أكثر من 200 لغة في أفريقيا وحدها. ويخشى العلماء انقراض 300 لغة أفريقية أخرى.

وفي شرق وجنوب شرق آسيا تقف 145 لغة على شفير الموت. في عام 2008 توفي آخر شخص يتكلم لغة «اياك» التي كانت رائجة جداً في آلاسكا. وقبله في عام 1974 توفي آخر متحدث بلغة «مانكس»، وهي إحدى اللهجات الشقيقة للإيرلندية والسكوتلندية.

ويواكب العلماء مسيرة كثيرين من مناطق مختلفة من العالم وهم في طريقهم إلى مثواهم الأخير حاملين معهم لغاتهم الوطنية.

لا يقتصر الانقراض على أنواع معينة من الحيوانات والحشرات والنباتات نتيجة للمتغيرات البيئية، ولكن الانقراض الثقافي أصاب مئات اللغات واللهجات في أفريقيا وآسيا وأميركا (الشمالية والجنوبية)، وهو يهدد مئات أخرى من هذه اللغات في مناطق عديدة أخرى من العالم.

ورغم وجود حركات دولية رسمية وشعبية معنية بالمحافظة على البيئة جرّاء ارتفاع حرارة الأرض والتلوث المريع في البحار والأنهار واجتثاث الغابات بلا رحمة بالإنسان قبل الحيوان، فإن المهتمين بالبيئة الثقافية التي تقوم على تعدد اللغات وتنوع اللهجات المحكية ليس لهم سوى أثر محدود جداً.

ولعل أبرز الهيئات المختصة هي مؤسسة مقرها في بريطانيا ويترأسها أستاذ اللغويات «نيقولا أوستلر»، إلا أنها تشكو ليس فقط من قلة الاختصاصيين، بل وحتى من قلة المهتمين! ويعزو علماء الاجتماع إلى «موجات الاستعمار» الساحقة المسؤوليةَ المباشرةَ عن هذه الكارثة الثقافية الإنسانية. فانتشار اللغة الإنجليزية مثلاً لم يكن خيارَ أهل المستعمرات، بل كان مفروضاَ عليهم.

حدث ذلك في الأميركيتين، وفي كندا. ففي أستراليا مثلا كان يعاقَب كل من يتحدث بغير اللغة الإنجليزية من السكان الأصليين، بحجة أنه يتحدث «اللغة الخطأ».

وفي جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق (آسيا الوسطى والقوقاز تحديداً) حلّت اللغة الروسية محل اللغات المحلية، والتي يصارع بعضها الآن لاستعادة الحياة من جديد.

 ولم يتوقف الخطر على التنوع اللغوي في العالم على الموجات الاستعمارية التقليدية، ولم ينحسر بانحسار هذه الموجات، بل استمر مع استمرار الهيمنة الثقافية والإعلامية للمستعمر السابق.

ففي كتاب جديد لعالم الاجتماع الأسترالي بيتر أوستن عنوانه «ألف لغة حية في خطر وضائقة»، يقول: توجد في الكاميرون بأفريقيا 31 لغة محلية على حافة الانقراض، أولها لغة «نجيريب» التي لم يبقَ ممن يتحدثون بها سوى أربعة أشخاص فقط، وجميعهم يتجاوزون الستين من العمر. كان ذلك قبل خمس سنوات.

وفي جبال القوقاز التي كانت تعد جنة اللغات الخاصة لانعزالها عن العالم الخارجي، فإن بعض لغاتها، ومنها لغة «أوبيخ»، انقرض تماماً، وذلك منذ عام 1992.

وأثبت العلم خطأ الاعتقاد بأن التعليم الذي يقوم على لغة واحدة يؤدي إلى نتائج أفضل، بل ثبت أن تعدد اللغات بحد ذاته مفتاح لآفاق معرفية أوسع، وأن الطلاب متعددي اللغات يقدمون نتائج فكرية وعلمية أفضل من زملائهم أحاديي اللغة.

وأثبتت الوقائع كذلك أن لا صحة للاعتقاد بأن وحدة اللغة هي جزء أساسي من وحدة الشعب. فتجربة روندا (في أفريقيا) أثبتت العكس. ذلك أن أبشع المجازر وقعت بين قبائل الهوتو والتوتسي، وكلهم يتحدثون لغةً واحدةً!

وحدث ذلك أيضاً في البوسنة (بين البوسنيين والصرب) وحتى في فيتنام (شمالا وجنوباً).. فاللغة الواحدة ليست بالضرورة عاصماً من الخلاف والصراع، وحتى من التقاتل..

تصوروا لو لم تكن اللغة العربية لغة القرآن الكريم الذي تعهد رب العالمين بحفظه، ماذا كان يمكن أن يحل بها؟ اللغات المحلية، كما يؤكد علماء الاجتماع، ليست مجرد فلكلور ثقافي إنساني جميل في تعدّدها وتنوعّها، ولكنها أساس المحافظة على هوية الجماعات التي تتحدث بها وعلى شخصيتها وهويتها الذاتية.

* محمد السماك كاتب لبناني

المصدر | الاتحاد

  كلمات مفتاحية

انقراض اللغات، موجات الاستعمار، العربية، القرآن الكريم، اللغات المحلية،