بعد الأردن.. هل تتخلى تركيا عن عداوتها للأسد؟

الخميس 7 أكتوبر 2021 03:35 م

تحدث العاهل الأردني الملك "عبد الله الثاني" (الذي دعم في السابق تغيير النظام في سوريا وسمح بنقل الأسلحة عبر مملكته إلى المعارضة) إلى رئيس النظام السوري "بشار الأسد" قبل أيام. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتواصل فيها الطرفان منذ بداية الحرب الأهلية المدمرة في سوريا قبل عقد من الزمن.

ويُنظر إلى هذا التقارب، الذي شهد أيضا إعادة فتح الأردن لحدوده المغلقة مع جارته، على أنه أحدث مؤشر على إعادة تأهيل "الأسد" بعد نبذه كمجرم حرب. وبفضل الكثير من التشجيع من رعاة "الأسد" الروس، قدمت الإمارات وسلطنة عمان ومصر بالفعل مبادرات للتعامل مع دمشق، فيما يُقال إن السعودية دخلت في محادثات غير رسمية مع نظام "الأسد" أيضا.

ومع ذلك، فإن أكبر تغيير في اللعبة سيكون حدوث منعطف مماثل من جانب تركيا. 

وتشترك تركيا في حدود طولها 911 كيلومترا مع سوريا وتسيطر على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية كما تعتبر الراعي الأول للمعارضة السورية المسلحة.

وحاليا تحاول تركيا إصلاح علاقاتها الإقليمية بما في ذلك العلاقات مع مصر والإمارات. فهل تفعل الشيء نفسه مع "الأسد". ويتزايد الحديث حول هذا السؤال في الجدل السياسي الدائر على الساحة.

وقال "شفيق سيركين"، السياسي التركي القومي المخضرم الذي عارض حملة الإطاحة بـ"الأسد"، إن "أردوغان سيفعل أي شيء طالما يصب في صالح بلاده".

ولطالما دعا حزب "الشعب الجمهوري" التركي المعارض وحزب "سيركين" من يمين الوسط إلى استعادة العلاقات مع دمشق. وتتزايد هذه الدعوات وسط تصاعد الاستياء العام تجاه 3.7 ملايين لاجئ سوري يقيمون في تركيا.

وخلال الفترة الماضية، تزايدت حوادث العنف التي تستهدف السوريين. ويغذي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبطالة هذه التوترات. وتستغل المعارضة هذا الوضع لتسجيل نقاط قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرر إجراؤها عام 2023 على أبعد تقدير.

وزعم زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، "كمال كليجدار أوغلو"، الذي ورد أنه تلقى دعوة من "الأسد" لزيارة دمشق، أنه سيعيد السوريين إلى وطنهم في غضون عامين في حال فوزه بالرئاسة. وتشير استطلاعات الرأي باستمرار إلى أن عددا هائلا من الأتراك لا يريدون مزيدا من اللاجئين.

وقال أستاذ العلوم السياسية وخبير استطلاعات الرأي في جامعة "كوتش" بإسطنبول "نزيه أونور كورو"، لموقع "المونيتور": "تعتقد الأغلبية أن الجلوس مع الأسد هو المفتاح لحل المشكلة، في حين لا يفكر أنصار حزب العدالة والتنمية بنفس الطريقة".

ويرى "عمر أونون"، وهو آخر سفير لتركيا في سوريا، إن فكرة الجلوس مع الدكتاتور السوري بغيضة. وقال "أونون": "هذا رجل استخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه". ومع ذلك، يقول إنه يمكن بدء المحادثات مع عناصر النظام بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك وأنه "بمجرد أن تتحسن الظروف، ولن يكون ذلك في أي وقت قريب من الناحية الواقعية، يجب إعادة السوريين إلى بلدهم. فقد أصبح وجودهم يتسبب في الكثير من التوترات الداخلية".

وأضاف: "لا تفهموني خطأ. أنا لست ضد الشعب السوري بأي شكل من الأشكال. بالطبع، يجب السماح لهم بالعودة للعمل والتعليم وكسياح، ولكن ضمن حدود القانون".

ومع ذلك، يمكن لـ"أردوغان" أن يقول إن السوريين الذين أغراهم "الأسد" في وعوده بالمصالحة يواجهون أهوالا مماثلة لتلك التي أدت إلى اندلاع الانتفاضة في عام 2011، كما نشهد حاليا في درعا حيث بدأ كل شيء.

ومع انخفاض شعبية حزبه إلى مستويات قياسية، يعلم "أردوغان" جيدا أن المعارضة سترد على ذلك بأنه هو الذي خلق المشكلة في البداية بتسليح وإيواء متمردي المعارضة حتى بعد قرار الولايات المتحدة ترك "الأسد" في منصبه.

وكشف وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" الشهر الماضي أن محادثات جارية مع وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لإعادة السوريين إلى وطنهم.

وقال: "من الخطأ النظر إلى القضية بطريقة عنصرية وفاشية. ومن ناحية أخرى، إذا أصبحت مشكلة اجتماعية، فمن الضروري إيجاد حل من خلال سياسات جديدة".

وتقول الحكومة التركية إن ما لا يقل عن 450 ألف سوري قد عادوا إلى ديارهم، فيما يجري اتخاذ تدابير جديدة لضمان بقائهم بعيدا. على سبيل المثال، منذ بداية العام، حظرت بلدية الفاتح في إسطنبول والتي يديرها حزب العدالة والتنمية تأجير الشقق للأجانب بسبب ارتفاع عدد السوريين هناك.

وقال عمدة المنطقة إن الأجانب "يضرون بالنسيج الاجتماعي". واعتبارا من 2 سبتمبر/أيلول الماضي، لم يعد بإمكان اللاجئين السوريين (الذين تعتبرهم تركيا أجانب تحت "الحماية المؤقتة" وترفض منحهم وضع اللاجئ) التسجيل في أنقرة.

وجاء القرار في أعقاب اشتباكات دامية بين السوريين والأتراك في ضاحية "ألتنداغ" بأنقرة التي تقطنها الطبقة العاملة. وفي 30 سبتمبر، قام سوري بقتل تركي يبلغ من العمر 17 عاما في منطقة توربالي بولاية إزمير (غرب)؛ ما أدى إلى موجة مماثلة من العنف.

ومع تصاعد التوترات، توجد مؤشرات على أن سياسة "أردوغان" تجاه سوريا قد تكون على أعتاب تحول آخر. وقد تكون هذه التغيرات حادة كما حدث في 2016 عندما سمحت تركيا باستعادة النظام لمحافظة حلب (شمال)، من أجل تخفيف غضب الكرملين بعد إسقاط تركيا لطائرة مقاتلة روسية في المجال الجوي السوري.

وقال "جاويش أوغلو" لقناة "إن تي في" التركية الإخبارية الشهر الماضي إن إقامة "اجتماع سياسي" مع دمشق "مستحيل". ومع ذلك، لم تخف الحكومة حقيقة أن "هاكان فيدان"، رئيس المخابرات التركية الذي يشرف على العلاقات مع المعارضة السورية المتمركزة في تركيا وكوكبة من الجماعات المسلحة، يجري محادثات سرية مع رئيس مكتب الأمن القومي السوري "علي مملوك". 

والأهم من ذلك تصريح "أردوغان" أن الولايات المتحدة ستضطر لسحب قواتها حتما من شمال شرق سوريا والعراق "كما فعلوا في أفغانستان". وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها "أردوغان" أنه يريد خروج القوات الأمريكية من سوريا. ولطالما كان التفكير التقليدي هو أنه بالرغم من دعواتها المستمرة لواشنطن لإنهاء تحالفها مع الأكراد السوريين، فإن أنقرة تريد بقاء الولايات المتحدة في سوريا كقوة موازنة لروسيا.

وقد تكون تصريحات "أردوغان" مدفوعة بغضبه من الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لعدم منحه فرصة التقاط الصور على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي. أو ربما تكون بمثابة إيماءة للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، الذي اجتمع في 29 سبتمبر/أيلول مع الزعيم التركي في منتجع "سوتشي" المطل على البحر الأسود.

وفي كلتا الحالتين، من غير المرجح أن يكون أي تحول تجاه نظام "الأسد" مدفوعا بالتداعيات السياسية لمشكلة اللاجئين. ومن المرجح أن تكون التخوفات بشأن المكاسب الكردية تحت حماية الولايات المتحدة هي السبب الرئيسي كما كان الحال بالنسبة للتدخلات العسكرية الثلاثة الكبيرة لتركيا في شمال سوريا، والتي كان آخرها في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وعلى عكس "ترامب"، الذي أعطى الضوء الأخضر لعملية "نبع السلام" التركية، أوضحت إدارة "بايدن" أنه لا توجد مثل هذه الهدايا في انتظار أنقرة، وأن ما يقدر بنحو 800 من القوات الخاصة ستبقى في شمال شرق سوريا طوال مدة ولايتها.

على هذا النحو، فإن أفضل رهان لتركيا لتحقيق هدفها المتمثل في تدمير الإدارة الذاتية للأكراد السوريين هو تأمين صفقة مع النظام.

وقد تسمح تركيا لـ"الأسد" باستعادة محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون والادعاء بأن البلاد باتت آمنة لعودة اللاجئين. وسيقنع هذا بدوره المجتمع الدولي بالإفراج عن أموال لإعادة إعمار سوريا. وستكون الأمم المتحدة متواجدة للإشراف على كل ذلك.

وفي المقابل، ستتمتع تركيا بحرية مطلقة لملاحقة أهدافها من حزب العمال الكردستاني في سوريا مثلما فعلت في أعقاب اتفاقيات أضنة 1998 الموقعة بين تركيا و"حافظ الأسد"، والد "بشار"، في أعقاب التهديدات التركية بغزو سوريا.

وقد يكون ذلك خيارا مفضلا لـ"الأسد"؛ لأن الأكراد، تحت حماية الولايات المتحدة، يسيطرون على حقول النفط الرئيسية والسدود والأراضي الزراعية في البلاد، ويشكلون تهديدا كبيرا لسلطته.

ومن المرجح أن ترحب روسيا، التي تتوق لرؤية "الأسد" يستعيد السيطرة الكاملة، بذلك الأمر. وبغض النظر عن إمكانية حدوث هذا الاتفاق، فإن القوميين المناهضين للأكراد داخل المؤسسة الأمنية والصقور المتشابهين في التفكير داخل المعارضة التركية، ربما أقنعوا أنفسهم بأن ما ورد أعلاه قد ينجح ويصرون على أن "الأسد" سيمنع المزيد من تدفق السوريين إلى تركيا. وتظل مسألة كيفية رد الولايات المتحدة على الأرجح دون معالجة.

على أي حال، من غير المرجح أن يكون "أردوغان" الشهير ببراجماتيته في عجلة من أمره.

ويمنح اللاجئون الحاليون والمحتملون والذين يتدفقون من أفغانستان "أردوغان" نفوذا هائلا على الاتحاد الأوروبي الذي خصّص مبالغ كبيرة لأنقرة حتى تبقيهم بعيدا. كما أن السوريين غير الموثقين يعدون أيضا مصدرا للعمالة الرخيصة والأرباح الكبيرة لرجال الأعمال الجشعين. كما تقول نظرية المؤامرة التي نسجتها المعارضة إن "أردوغان" يمنح السوريين الجنسية لتوسيع قاعدة أصواته.

ويسخر "عمر كاديكوي"، محلل السياسات في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية، وهي مؤسسة فكرية مقرها أنقرة، من هذه المزاعم مشيرا إلى أنه تم تجنيس ما يقدر بنحو 160 ألف سوري حتى الآن. ما يقرب من نصفهم تحت السن الذي يحق له التصويت.

ويعد "كاديكوي" من بين أولئك الذين يعتقدون أنه سيكون من "الحتمي" بالنسبة لأنقرة أن تمد يدها إلى نظام "الأسد"، ولكن "ربما ليس بالسرعة التي تسير بها أنقرة مع مصر والإمارات".

وقال: "ما سيدفع تركيا هو أن تضمن دمشق وموسكو أن النفوذ الكردي في شمال سوريا لن ينمو أكثر وأنه سيخضع لسيطرة الحكومة السورية". وتوقع عدم حدوث أي شيء حاسم قبل انتخابات 2023، مضيفا: "يمكن لدمشق أن تهدأ وتنتظر أنقرة حتى تتخذ الخطوة الأولى".

المصدر | أمبرين زمان/المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية السورية نظام الأسد إدلب اللاجئين السوريين الأكراد السوريين تحسين العلاقات الثنائية

الخيارات تتقلص.. تحديات متزايدة أمام تركيا في سوريا

هل باتت المصالحة بين تركيا والنظام السوري قريبة؟