تفسير رد فعل تركيا الحذر على تحولات السلطة في تونس

الاثنين 25 أكتوبر 2021 05:28 ص

تبنت أنقرة لغة مخففة بشكل ملحوظ تجاه انتزاع الرئيس التونسي "قيس سعيد" للسلطة وتجنبت وصف الأمر بالانقلاب، بالرغم من أنها تعتبر مسار الأحداث تهديدا محتملا قد يعرض سياساتها في شمال أفريقيا للخطر.

وفي الواقع، عدلت تركيا نهجها تجاه تونس بعد أن أصبحت الأحزاب العلمانية أكثر بروزا في السياسة التونسية بعد انتخابات 2014. واستند تعديل السياسة هذا على تطوير شبكة متوازنة من العلاقات من خلال التواصل مع الأحزاب العلمانية من جهة، مع الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع حزب النهضة الإسلامي من جهة أخرى.

ولهذه الغاية، تعطي أنقرة وزنا للدبلوماسية الدفاعية والقوة الناعمة بما يتماشى مع جهود تركيا لتعزيز علاقاتها الجيوستراتيجية والجيواقتصادية مع دول المغرب العربي، وبما يتداخل مع جهود التطبيع الجارية بين أنقرة والعواصم العربية. ويجب على ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى اعتبار ذلك فرصة لتشجيع خفض التصعيد الإقليمي والمساهمة في حوار إقليمي بنّاء.

وفي 25 يوليو/تموز 2021، أقال الرئيس التونسي "قيس سعيد" الحكومة وعلق مجلس النواب وتولى السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. واتهم حزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان، إلى جانب أحزاب سياسية أخرى، الرئيس بالقيام بانقلاب، وطالب بتأييد شعبي لاستعادة عمل البرلمان. ومع ذلك، نزل العديد من التونسيين، المنهكين من تدهور الوضع الاقتصادي الذي تفاقم مع الوباء، إلى الشوارع احتفاء بالإجراءات التي اتخذها الرئيس.

والمثير للدهشة أن رد الفعل التركي كان أكثر حذرا مما كان عليه عندما أطاح الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 بالرئيس "محمد مرسي". وفي البداية، انتقد ممثلو حزب العدالة والتنمية الحاكم بشدة خطوة الرئيس "سعيد". ووصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية "عمر جيليك"، ورئيس البرلمان "مصطفى شنطوب"، ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية "نعمان قرطولمش"، التطورات في تونس بأنها انقلاب على النظام الدستوري، وأعلنوا أن تركيا ضد أي نوع من الانقلاب.

وفي المقابل، تبنى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" نبرة ناعمة إلى حد ما بعد التحدث إلى الرئيس التونسي، ودعا فقط إلى العودة إلى استمرار أنشطة البرلمان. وعلى نفس المنوال، أصدرت وزارة الخارجية رسالة دبلوماسية حذرة، تجنبت استخدام مصطلح "الانقلاب" ودعت إلى إعادة إرساء الشرعية الديمقراطية.

ويدل هذا على أن أنقرة تتجنب أي مواجهة قد تخاطر بعلاقاتها مع تونس. حتى أن تركيا التزمت الصمت عندما أعلن "سعيد" في 22 سبتمبر/أيلول أنه سيبدأ حكم البلاد عبر مرسوم، الأمر الذي يقوض بشكل خطير المكاسب والهياكل الديمقراطية في تونس. ومع ذلك، ليست هذه هي المرة الأولى التي تختار فيها تركيا الخطاب المحسوب في سياستها تجاه تونس.

مشهد سياسي متغير في تونس

ودفع صعود حزب النهضة الإسلامي إلى السلطة في انتخابات 2011 حزب العدالة والتنمية إلى إعادة تشكيل سياسته التونسية وفقا لتقاربه السياسي مع الحزب. وكانت سياسة ما بعد الثورات العربية هذه متماشية مع استراتيجية أنقرة الإقليمية، التي ركزت في الغالب على تشكيل شراكات مع الأحزاب السياسية المتحالفة مع جماعة "الإخوان المسلمون".

وكانت هذه الأعوام هي الفترة الأكثر كثافة للزيارات الدبلوماسية بين تركيا وتونس، التي أسفرت عن توقيع مجموعة من اتفاقيات التعاون. وحصدت أنقرة ثمار العلاقات الوثيقة خلال "حكومة الترويكا" بقيادة النهضة بين عامي 2012 و2013. على سبيل المثال، في عام 2011، وقع البلدان معاهدة صداقة وتعاون، وفي عام 2012 أسسوا مجلس تعاون استراتيجي رفيع المستوى للأمن والدفاع.

وفي العام نفسه، افتتحت المؤسسات الدبلوماسية الثقافية الرائدة في تركيا، وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" ومعهد "يونس إمري"، مكاتب لها في تونس. كما عزز الزخم الدبلوماسي العلاقات الاقتصادية. وكانت تركيا وتونس قد أبرمتا بالفعل اتفاقية التجارة الحرة عام 2005، ولكن عملية رفع الحواجز التجارية على العديد من السلع اكتملت بالكامل في عام 2014.

لكن انتخابات 2014، الرئاسية والبرلمانية، غيرت التوازن في السياسة التونسية لصالح الأحزاب العلمانية، وأثبتت أن المشهد السياسي متعدد الأقطاب ويتكون من تعدد في الأصوات. وتتمتع الأحزاب العلمانية، إلى جانب المجتمع المدني، بدعم شعبي قوي، الأمر الذي يتطلب بدوره بحثا مستمرا عن الإجماع السياسي. واستلزم ذلك من تركيا تطوير شبكة أوسع من العلاقات مع الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، بما في ذلك القوى العلمانية، وأدى إلى تحول في نهج تركيا تجاه تونس.

وكانت الديناميكية الأخرى التي دفعت تركيا إلى إعادة تشكيل استراتيجيتها هي الانتقادات المتزايدة من تونس لسياسات أنقرة الإقليمية وتداعياتها على تونس. وكان النقد الأكثر وضوحا في قضية المقاتلين التونسيين في سوريا وليبيا، التي تسببت في مخاوف أمنية في تونس.

وفي عام 2015، اتهم وزير الخارجية آنذاك "الطيب البكوش" أنقرة بتسهيل عبور المقاتلين من ليبيا إلى سوريا والعراق، حيث انضم آلاف المواطنين التونسيين إلى صفوف الجماعات الجهادية. ولا تزال هذه القضية تشكل النقاشات حول دور تركيا اليوم، حيث لا تزال الزيادة في عدد المقاتلين الأجانب التونسيين في ليبيا، حيث تدخلت تركيا عسكريا في عام 2020، تثير قلق السلطات التونسية.

بالإضافة إلى ذلك، أصبح حزب النهضة الآن تحت الأضواء بشكل أكبر لأنه متهم بتلقي تمويل أجنبي، وإقامة علاقات وثيقة مع تركيا خارج القنوات الدبلوماسية الرسمية. وتثير العلاقات الدافئة بين مؤسس الحزب ورئيس البرلمان، "راشد الغنوشي"، مع حزب العدالة والتنمية، على وجه الخصوص، الكثير من الجدل في تونس.

وكان "الغنوشي" قد تعرض لانتقادات شديدة بعد سفره للقاء "أردوغان" دون إبلاغ السلطات المعنية، الأمر الذي اعتبره خصومه في تونس تجاوزا لصلاحياته كرئيس للبرلمان.

العلاقات الاقتصادية في خطر

وكان للمشهد السياسي المتغير تداعيات على العلاقات الاقتصادية بين تونس وتركيا. أولا، تباطأت الزيادة في حجم التجارة بين البلدين بعد انتخابات 2014. وزادت صادرات تركيا من 714 مليون دولار في عام 2010 إلى 1.029 مليار دولار في عام 2013. ومنذ ذلك الحين ظل أقل من هذا الحجم.

ولا يزال مستوى انخراط تركيا في الاقتصاد التونسي منخفضا مقارنة بالمستويات مع دول أخرى في المنطقة. على سبيل المثال، في عام 2020، كانت صادرات تركيا إلى مصر 3.136 مليار دولار، والمغرب 2.057 مليار دولار، وليبيا 1.653 مليار دولار، والجزائر 1.449 مليار دولار، وهي أكبر من تلك إلى تونس بـ928 مليون دولار.

ثانيا، كان الدور الاقتصادي لتركيا في تونس مصدرا للجدل المحلي، لأن الميزان التجاري لصالح تركيا. وتتزايد التجارة كل عام، ما يجعل تركيا ثالث أكبر شريك عجز تجاري لتونس بعد الصين وإيطاليا. وفرضت تونس رسوم جمركية جديدة على المنتجات التركية للمرة الأولى في يناير/كانون الثاني 2018 بعد أن نما العجز التجاري التونسي مع تركيا من نحو 417.80 مليون دولار في عام 2010 إلى نحو 766.67 مليون دولار في عام 2017.

ومع ذلك، لم تكن الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية كافية للحد من الفارق. ويتفاوض البلدان لتعديل شروط اتفاقية التجارة الحرة، في حين تضغط الدعوات المحلية لتقليص الواردات التركية على السلطات التونسية لمراجعة، إن لم يكن إلغاء، اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا. وبالتالي تعتبر أنقرة علاقاتها الاقتصادية مع تونس هشة.

التوازن التركي

نتيجة لذلك، كان على تركيا أن تصمم سياسة أكثر توازنا في علاقاتها مع تونس. وبعد فوز الحزب العلماني التونسي "نداء تونس" في انتخابات 2014، أبدت أنقرة استعدادها تعميق العلاقات في ظل الرئيس الجديد والحكومة التي يقودها العلمانيون. وهنأ الرئيس "أردوغان"، "الباجي قائد السبسي"، مؤسس نداء تونس، على فوزه في الانتخابات الرئاسية. وزاره الرئيس التركي الأسبق "عبدالله جول" في ديسمبر/كانون الأول 2015. وفي مايو/أيار 2016، وصل رئيس الوزراء التونسي "الحبيب الصيد" إلى تركيا.

وتكثفت الجهود الدبلوماسية لإقامة علاقات مع القوى السياسية الرائدة الجديدة، لا سيما في مجال التعاون الأمني. وأعادت تركيا صياغة مشاركتها في تونس حول الاحتياجات الأمنية للبلاد من خلال السعي إلى تعزيز دور تركيا في التحديث العسكري وسوق الأسلحة في تونس. وخلال زيارة للرئيس "أردوغان" ووزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" إلى تونس في ديسمبر/كانون الأول 2017، وقع البلدان سلسلة من الاتفاقيات التي مهدت الطريق لنقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك في تونس، وكذلك التدريب العسكري التركي للجيش التونسي وأفراد الأمن.

وفي عام 2020، وقعت وزارة الدفاع التونسية عقدا مع شركة صناعات الفضاء التركية لشراء طائرات بدون طيار من طراز "أنكا-س" متوسطة الارتفاع طويلة التحمل. ويتضمن العقد تسليم 3 طائرات "أنكا-س" بدون طيار و3 محطات تحكم أرضية، وتدريب 52 من أفراد القوات الجوية التونسية.

واشترت تونس أيضا مركبات مدرعة ودبابات وأنظمة كهروضوئية من تركيا في أواخر عام 2020. وقد تم تمويل جزء كبير من هذا الشراء من قبل بنك ائتمان الصادرات التركي "إكسيم بنك" في شكل قروض بدون فوائد. وأصبحت تونس أكبر مشتر للمركبات المدرعة التركية، بما يقرب من 400، في المنطقة المغاربية.

ولا يقتصر عمل التوازن التركي على تحسين التعاون الأمني، بل يشمل أيضا بناء دبلوماسية ثقافية علمانية في تونس من خلال أخذ خطوط الصدع السياسي التونسي في الاعتبار. وبينما تركز "تيكا" ومعهد "يونس إمري" ومؤسسة "معارف" على المشاريع الثقافية والإنسانية والتنموية، فإن رئاسة الشؤون الدينية، بالرغم من لعبها دورا متزايد الأهمية في السياسة الخارجية التركية، فلديها وصول محدود للغاية في تونس ولم تنظم سوى اجتماعات قليلة بين السلطات الدينية في كلا البلدين.

حدود تعديل سياسة تركيا

ويعد الهدف من مشاركة تركيا هو تعزيز علاقاتها الجيوستراتيجية والجيواقتصادية مع دول المغرب العربي. وبالتالي، تحرص أنقرة على التعاون مع دول المنطقة في الشؤون الاقتصادية والأمنية. ويعكس فعل التوازن التركي في تونس سياستها القائمة على المصالح في الجوار الجنوبي لأوروبا. ومع ذلك، لا ينبغي اعتبار تعديل سياسة تركيا في تونس تحولا جوهريا في سياستها الإقليمية، بل تحولا عمليا.

أولا، تواجه تركيا معضلة في عملية التوازن. فمن ناحية، يواصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا الحفاظ على علاقات وثيقة مع حركة النهضة الإسلامية، ولكن من ناحية أخرى، يصور تركيا على أنها حليف إقليمي موثوق يقدم الدعم في المجالات الاستراتيجية مثل الأمن لتونس كدولة.

وتنظر القوى العلمانية في تونس إلى دعم تركيا لحركة النهضة على أنه تدخّل في الشؤون الداخلية للبلاد لصالح النهضة. وتعيق هذه المعضلة إجراء تغيير جوهري في سياسة تركيا الإقليمية.

أما القيد الثاني فهو افتقار تركيا إلى الحلفاء. وشهدت علاقات تركيا مع شركائها في الغرب وكذلك في المنطقة تقلبات في الأعوام الأخيرة. وبدأت تركيا مؤخرا في خفض تصعيد علاقاتها مع مصر والسعودية والإمارات، وشنت هجوما ساحرا تجاه الغرب لإصلاح العلاقات المتدهورة.

وتشير سياسة إعادة التعديل التي تنتهجها تركيا إلى أن أنقرة تدرك الحاجة إلى التغيير في سياستها الإقليمية. وبالرغم من أن تأثيرات استراتيجية التطبيع هذه محدودة، إلا أنه ينبغي استكمال الاستراتيجية بإطار تعاوني للمساهمة في الاستقرار الإقليمي.

فرص أوروبا

توفر لغة تركيا المخففة والبحث عن توازن جديد في سياستها الخارجية مع زخم التطبيع الإقليمي بيئة مواتية لألمانيا وشركائها الأوروبيين للتعاون مع تركيا في تهدئة التوترات في المنطقة. ومن جانبهم، يجب على الشركاء الأوروبيين التغلب على إحجامهم عن التعاون مع تركيا في البحر الأبيض المتوسط. وبالتالي يتعين على أوروبا الاستفادة من هذه الفرصة وتشجيع النهج الدبلوماسي لتركيا.

وكانت النافذة الأولى لفرصة التعاون هي أن رد تركيا الرسمي في الدعوة إلى استعادة الشرعية الديمقراطية في تونس كان متماشيا مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه. وستكون إعادة التنظيم الخطابية هذه بين الاتحاد الأوروبي وتركيا نقطة انطلاق جيدة لإيجاد أرضية مشتركة لتعزيز الاستقرار في البحر المتوسط.

ومع تناقص اهتمام الولايات المتحدة بالبحر المتوسط، أصبح دور أوروبا في المنطقة أكثر أهمية. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يهدف إلى التأثير وإعادة تشكيل الديناميكيات الإقليمية في جواره الجنوبي، فيجب على صانعي السياسات الانخراط بشكل أكبر سياسيا واقتصاديا لتجنب المخاطر المرتبطة بالاستقطاب والعداء الإقليميين.

المصدر | المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية التونسية قيس سعيد انقلاب تونس نداء تونس البرلمان التونسي راشد الغنوشي تركيا تونس

تركيا: ندين المحاولات الفاقدة للشرعية الدستورية لتعليق الديمقراطية بتونس