استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الأخلاق في وجه الفوضى الإباحية

الخميس 28 أكتوبر 2021 07:01 ص

الأخلاق في وجه الفوضى الإباحية

إضعاف الإشكالية الأخلاقية الممنهج وتهميشها بالمجال العام أحد أهم أسباب محنة الإباحية.

لوحظ منذ القدم أن انتشار الرذائل وانكماش وضمور الفضائل أدى دوماً إلى زوال المجتمعات والأمم والحضارات.

افتعال صدام بين الحرية الفردية والمجتمعية والأخلاق أوجد شعوراً كاذباً بأن الإنسان سيد الكون وله أن يقلب الأخلاق لتكون حالة نفعية حسية مستقلة عن كل ضوابط الوجود الإنساني والكون.

*     *     *

من المؤكد أن الإباحية التي وصفنا بعضاً من صورها وممارساتها في مقال الأسبوع الماضي، لها أسباب كثيرة نابعة من الواقع، فالسياسة الفاسدة، والصراعات والحروب الأهلية العبثية، والاقتصاد غير العادل، والإعلام ومختلف التعبيرات الأدبية والفنية غير الملتزمة وغير المسؤولة، تلعب جميعها أدواراً في خلق الظروف وإضعاف النفوس، لانتعاش شتى صنوف الممارسات الإباحية الشخصية والمجتمعية.

لكننا في هذا المقال سنركز على إشكالية، نعتبر إضعافها الممنهج وتهميشها في الحياة العامة، أحد أهم الأسباب لمحنة الإباحية تلك، ونعني بها الإشكالية الأخلاقية، بكل أنواعها ومصادرها.

أهمية الأخلاق في حياة البشر تبرز في المكانة الكبيرة التي أعطيت لموضوع قيم ومكانة وممارسة وتشوه وانفلات الأخلاق، وذلك عبر قرون من تاريخ الإنسانية، سواء من خلال المناقشات الفلسفية الكثيرة المتباينة في مدارسها، أو من خلال تفاعل الموضوع الأخلاقي مع شتى الأوامر والنواهي والتشريعات الدينية، أو من خلال تشريع القوانين المجتمعية الضابطة لها، في حقول السياسة والاقتصاد وممارسة المهن وغيرها.

والنتيجة وجود أنواع من التسميات الكثيرة الأخلاقية من مثل: أخلاقيات التنمية، أخلاقيات المستهلكين، أخلاقيات المهنة، أخلاقيات الأعمال، أخلاقيات جنسية، أخلاقيات الرعاية، أخلاقيات الفلسفة السياسية، الأخلاق الإسلامية، أخلاق الأوامر الإلهية، الأخلاق الإيكولوجية البيئية، أخلاقيات الفنون والآداب العامة.

ومن الواضح أنه كلما زادت ساحات النشاطات الإنسانية، اتسعت الإضافات والأنواع. من هنا ظهور علم عصري جديد هو «علم الإثيقا» (Ethics) أي علم أو فلسفة الأخلاق الفاضلة، المعلي للفضائل والمنتقد للرذائل، المدعي بأنه نتيجة تطورات بيولوجية من جهة، وتطورات ثقافية حضارية من جهة أخرى.

وهو علم أصبح يدرّس في الجامعات والمدارس العليا كفرع من فروع علم الفلسفة. نقول ذلك على الرغم من أن «الإثيقا» والأخلاق مصطلحان يستخدمان غالباً كمترادفين يناديان بالمبادئ والأعراف نفسها. في الحال يطرح السؤال الآتي نفسه:

ما الذي مكّن بعض قوى الحضارة الحديثة من تشويه وتهميش موضوع قديم قدم الوجود البشري، ومتغلغلاً في كل مناحي نشاطات الإنسان الفكرية والحياتية، تهميشه بالشكل المريع الذي يسمح بوجود وانتشار الوباءات الإباحية، التي أوجزنا وصفها في مقال الأسبوع المنصرم؟

هذا سؤال بالغ الأهمية، إذ أنه لوحظ منذ القدم أن انتشار الرذائل وانكماش وضمور الفضائل، أدى دوماً إلى زوال المجتمعات والأمم والحضارات، وعِبر التاريخ في هذا المجال لا تعد ولا تحصى. ذلك أن الأخلاق مرتبطة وجودياً بنقاء الفطرة الإنسانية وتوازن الشخصية الإنسانية، فاذا همشت دخلت المجتمعات عالم الحيوانية بكل نقائصها ومشاكلها.

ولعل ذلك يفسر الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدين في شكل أوامر إلهية، أو على شكل تحريم لهذه الرذيلة أو تلك، أو تقوية للجوانب الروحية، ويفسر حماس بعض الفلاسفة للقول إن إنسانية الإنسان لا تتحقق بعقلانيته المجردة لوحدها، وإنما تحتاج لتفعيل قواه الأخلاقية، وعلى رأسها تفعيل الفضائل الكبرى في حياته الخاصة والعامة من خلال مرتكزات دينية وفلسفية وأشكال من التعبيرات الرمزية.

إن محاولات خلق حالة صدامية بين الحرية الفردية والمجتمعية والأخلاق، بين تطورات العلم والأخلاق، بين حاجات الجسد الطبيعية المنضبطة والأخلاق، وغداً بين إملاءات الروبوت والذكاء الاصطناعي والأخلاق، قد أوجدت شعوراً كاذباً بأن الإنسان هو سيد الكون، وبالتالي حقه في أن يقلب الأخلاق إلى أن تكون حالة نفعية وحسية مستقلة عن كل ضوابط الوجود الإنساني وعن بقية الكون. هذا شعور خطر ويجب أن يصحح ويقاوم.

* د. علي محمد فخرو سياسي ومفكر بحريني

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

الأخلاق، الإباحية، الفوضى، علم الاثيقا، حاجات الجسد، الروبوت، الذكاء الاصطناعي، الفضائل، زوال المجتمعات،