على ثورة السودان الاستمرار حتى تحقيق أهدافها

الاثنين 10 يناير 2022 08:34 ص

في خطوة عكست إخفاقه في حشد دعم الشعب السوداني، قدم رئيس الوزراء السوداني "عبدالله حمدوك" استقالته في 2 يناير/كانون الثاني. وأعرب "حمدوك" عن أسفه لانتهاء مهمته لتشكيل حكومة كان يعتقد أنها ستضمن الوحدة والسلام الاجتماعي، وحذر من أن بلاده "تذهب إلى منعطف خطير يهدد بقاءها بالكامل".

لكن حزنه لن ينقذ الموقف، فقد يصبح مثالا لحالة أخرى لزعيم سياسي ضحى بشرعيته الشعبية وسمعته على مذبح مصالح ومكائد المؤسسة العسكرية التي أطاحت به قبل 10 أسابيع فقط ووضعته تحت الإقامة الجبرية.

ويمكن القول إن فشل "حمدوك" في تنفيذ اتفاقية 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مع آسريه العسكريين كان أمرا مفروغا منه. وللتأكيد، ترددت شائعات بأنه كان على وشك الاستقالة مرتين من قبل، في 21 ديسمبر/كانون الأول و27 ديسمبر/كانون الأول، وكل ذلك لنفس السبب، وهو عدم القدرة على العثور على مدنيين للتعاون معه دون فقدان دعم الشارع.

وعندما وافق على إطلاق سراحه من الإقامة الجبرية في نوفمبر/تشرين الثاني، وعُين مرة أخرى رئيسا لمجلس الوزراء التكنوقراطي المدين بالفضل للجيش، فقد في الواقع شرعية شعبية اكتسبها باعتباره تكنوقراطا مدنيا موثوقا وقادرا على قيادة حكومة الوحدة وفق الإعلان الدستوري لما بعد عام 2019، وهو الإعلان الذي يُفترض أنه بدأ انتقال السودان إلى الديمقراطية والحكم المدني.

ويستمر السودان اليوم في دوامة الانحدار نحو اضطراب مدني محتمل بعد شهور من عدم الاستقرار السياسي. وتسلط استقالة "حمدوك" الضوء على مجموعة من الظروف الداخلية والخارجية التي يتعين معالجتها على الفور.

أولا، يجب أن تكون هناك عودة سريعة لا لبس فيها إلى الحكم المدني كما تم التخطيط له في الإعلان الدستوري. وكان من المقرر أن يتولى المدنيون قيادة مجلس السيادة بعد أسابيع قليلة فقط من قيام رئيس المجلس آنذاك، الجنرال "عبدالفتاح البرهان"، بانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين الأول، واعتقال "حمدوك" وقادة مدنيين آخرين، ووقف إعلان 2019، وإعلان خطة انتقالية جديدة. وكان من الغريب حقا أن يوافق "حمدوك" على العمل مع "البرهان" مرة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني، مع العلم أنه لا يمكن الوثوق بالجيش في التخطيط لعملية الانتقال إلى الحكم المدني.

ثانيا، يجب على الجيش السوداني الانسحاب بالكامل من السياسة والعودة إلى ثكناته. وإذا كانت ثورة 2018-2019 ضد الدكتاتور السابق "عمر البشير" تشير إلى أي شيء في البلاد بعد 3 عقود في السلطة، فهي تشير إلى أن السودانيين لم يعودوا يرون المؤسسة العسكرية حاكما ذا مصداقية أو ضامنا للسلم والطمأنينة للمدنيين.

وخلال فترة بقائهم في السلطة منذ "البشير"، لم يظهر "البرهان" وزملاؤه اختلافا عن زعيمهم القديم. ومثلما أطاح "البشير" بديمقراطية وليدة في عام 1989 لتأسيس حكمه الاستبدادي، قام "البرهان" ورفاقه بانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول من أجل عرقلة انتقال السودان إلى الحكم المدني وبدء ترسيخ المؤسسات الديمقراطية. وبالتالي، فإن المهمة العاجلة اليوم هي حشد الضغط الداخلي والخارجي لإجبار الجيش على قبول أنه مجرد منظمة أمنية يجب أن تلتزم بالحكم والسياسة الديمقراطية المدنية.

ثالثا، من الضروري أن تبدأ قوى المعارضة المدنية لاتفاق "حمدوك" مع العسكر في 21 نوفمبر/تشرين الثاني حوارا وطنيا جادا وهادفا حول برنامج الإصلاح. ولا ينبغي أن يقتصر هذا الإصلاح على بناء الواجهة السياسية لدولة ديمقراطية، مثل المواثيق والانتخابات ومؤسسات الدولة وما شابه، ولكن يجب أن يتوسع أيضا لبناء أسس اقتصاد ناجح يحسن مصير غالبية السودانيين.

وفي الوقت نفسه، من الضروري أن يشمل هذا الحوار جميع القوى السياسية المهتمة بنظام حكم ديمقراطي وكذلك جميع القطاعات الإنتاجية والقائمين على الاقتصاد. ويمكن لانتعاش اقتصادي ناجح أن يكون نتيجة مثالية للنشاط العام في شوارع السودان، مع الاعتماد على حركة شبابية طموحة.

رابعا، السودان بحاجة إلى تعاون الفاعلين الإقليميين والدوليين المنخرطين حاليا في شؤونه سلبا وإيجابا. والأهم من ذلك، يجب أن تسحب القوات المسلحة السودانية قواتها من اليمن حيث تقدم المساعدة في الدفاع عن السعودية ضد هجمات المتمردين الحوثيين.

وفي الآونة الأخيرة، قُتل 14 جنديا سودانيا في هجوم شنه الحوثيون على الحدود الشمالية اليمنية. وبينما قد يُنظر إلى نشر مثل هؤلاء الجنود على أنه شكل من أشكال البحث عن الريع في بلد فقير، فإن لهذه الممارسة تأثير غير مرغوب فيه يتمثل في إشراك السودان في حرب لا يسيطر عليها. كما يجب وقف التدخل المباشر من جانب مصر والسعودية في السودان، من جانب الجيش، لأنها دول تقف بشكل صارم ضد رغبات الشعب السوداني.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن التصريحات حول رفض الانقلاب العسكري والعودة إلى الحكم المدني هي إشارات مشجعة على وقوف إدارة "بايدن" أخيرا إلى جانب خطابها الداعم للديمقراطية وحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، يجب على واشنطن ممارسة ضغوط إضافية على المؤسسة العسكرية لتجنب إراقة الدماء عبر القمع غير القانوني لاحتجاجات الشوارع، والانسحاب بالفعل من الساحة العامة.

وبعد الإعلان الدستوري لعام 2019، كان السودان يتجه بحذر وتفاؤل نحو التخطيط للانتقال الديمقراطي والتراجع عن القمع الذي اتسم به نظام "البشير"، وإن كان ذلك تحت إشراف عسكري. والآن، بعد أن أظهر الجيش نواياه الحقيقية، وفشل من اعتقدوا أنه يمكنهم التعاون معه في تحقيق ما يريده الشعب السوداني، فقد حان الوقت للسماح للثورة ضد "البشير" بمواصلة مسارها. ويجب على المعسكرين الآن اتخاذ إجراءات حاسمة، حيث يجب على الجيش أن يتخلى عن دوره الفاشل كحارس لعملية الانتقال والعودة إلى الثكنات، ويجب على المعارضة المدنية أن ترقى إلى مستوى صياغة صيغة عمل للمضي قدما. وليست هناك حاجة لمزيد من إراقة الدماء على طريق السودان نحو نظام حكم مدني وديمقراطي للجميع.

المصدر | عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

احتجاجات السودان الثورة السودانية عمر البشير عبد الله حمدوك عبد الفتاح البرهان الإعلان الدستوري الجيش السوداني القوى المدنية عبدالله حمدوك عبدالفتاح البرهان

مصر تحث السودان على اختيار رئيس حكومة توافقي في أقرب وقت

واشنطن تبدي استعدادها للتنسيق مع يونيتامس والترويكا لحل الأزمة السودانية