استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

إصلاح النظام السياسي العربي ضرورة تتجاوز القمع

الأربعاء 2 ديسمبر 2015 08:12 ص

الصراع بين الحرية والاستبداد يتواصل عبر الزمان والمكان، هذه حقيقة تؤكدها معاناة الشعوب التواقة للحرية في أغلب بقاع العالم. وإذا كان هذا الصراع قد شهد ذروته الجغرافية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي عندما كان النضال ضد الاستعمار محتدما في افريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض البلدان العربية، فإن ما يشهده العالم اليوم من نزاعات تنذر بحرب عالمية لا ينحصر بالجانب العسكري بل يتصل في بعض أبعاده بالقيم والمصطلحات من جهة وبصراع المصالح من جهة أخرى.

هذه المرة يظهر الاختلاف عميقا وواسعا حتى يصل إلى المصطلحات والشعارات، وبالتالي فالجوانب الثقافية والقيمية لم تعد بعيدة عما تشهده منطقة الشام والعراق وشمال افريقيا. الأمر المثير للقلق أن أساس هذا الصراع بدأ في جولته الحالية بين الحرية والاستبداد متجسدا بثورات الربيع العربي. كان ذلك الصراع سلميا، ولذلك سبب حرجا كبيرا للمستهدفين به وداعميهم في العواصم الغربية.

لذلك فسرعان ما خطط اولئك المستهدفون لتحويله إلى حمام دم يساهم في تكميم الأفواه وضرب التوجهات نحو الحرية والاستقلال. ومن مصاديق ذلك ما يلي:

أولا إن ذلك يحدث بعد أن ضربت أمة المسلمين في صميم قيمها وإرادتها. تلك الأمة التي خرجت قبل ربع قرن في احتجاجات شملت دول شمال افريقيا والشرق الأوسط وشبه القارة الهندية، ضد استقدام القوات الأجنبية لإخراج القوات العراقية في الكويت، أصبحت اليوم تستمرئ وجود القوات الأجنبية على أراضيها، بل يتسابق الكثيرون لـ«اقناع» تلك الدول بالتدخل، ويسعى بعض حكامها لدعوتهم علنا لإقامة القواعد العسكرية على أراضيها.

ثانيا: إن مشروع قوى الثورة المضادة استهدف إضعاف حضور قضية فلسطين في الوجدان الشعبي العربي والإسلامي، فاستطاع ليس تهميشها فحسب، بل تسخيفها إلى المستوى الذي جعل الكفاح ضد الاحتلال نغمة نشاز أو غير ذات شأن لدى الرأي العام. إنه انسلاخ من أهم قيمة تعمق قيم التحرر والاستقلال والسيادة وحكم الشعوب.

ثالثا: إن شعارات الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتقرير المصير ووحدة الأمة استهدفت بوحشية واستبدلت بما تنشره به وسائل الإعلام العربية الحالية من مقولات مقززة تكرس الفرقة والتناحر بين قطاعات الأمة والتطرف الذي شوه قداسة الإسلام وصورته ورموزه وكتابه الكريم على نطاق واسع، وحول حالة التعايش الأخوي في المجتمع الواحد إلى صراع مقيت لا يحتمل.

رابعا: إن هذا الطور من حياة الأمة يتميز بشكل واضح بضرب العقل العربي والإسلامي واستبعاده من السجال الثقافي والفكري، واستبداله بمقولات جامدة تحت شعار «الاقتداء بالسلف الصالح» والجمود على النص التاريخي ومنع تعريضه للمحاكمة العقلية والمنطقية.

خامسا: إن الصراع الحالي الذي ينذر بحرب عالمية ثالثة، وظف لغة النضال من أجل الحرية لصالح الاستبداد، وأفرغ المصطلحات المرتبطة بذلك النضال من معانيها، وحول الإنسان العربي إلى أداة طيعة مغلوبة على أمرها، أسيرة لدى منظومة إعلامية وأمنية وعسكرية مدعومة بمليارات الدولارات النفطية.

هكذا تحول المواطن الذي خرج في شوارع القاهرة وتونس والمنامة هاتفا ضد الاستبداد ومن أجل حرية الأمة، إلى رقم بلا قيمة، يكرر ما تردده أبواق قوى الثورة المضادة.

هذه الحقائق قد لا يختلف معها الكثيرون، ولكن تأويلاتها أصبحت، هي الأخرى، ضحية للتدخلات الرسمية، خصوصا في الجانب الثقافي المرتبط بقيم الحضارة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك مصطلحات العنف والإرهاب والخيانة. ومما ساهم في تعميق الأزمة سقوط قطاع كبير من النخب المثقفة والقيادات الدينية أسيرة لدى قوى الثورة المضادة.

وحتى بعد أن توسع العنف الذي تمارسه مجموعات الإرهاب خصوصا تنظيم «الدولة» كانت تلك القطاعات قادرة على التكيف مع الظواهر المرتبطة بذلك التوسع. وقد يبدو أن الأمر تغير بعد أن وصل ذلك التوسع إلى افريقيا وأوروبا. غير أن سياسات التشويش والتشويه ما تزال مهيمنة على الوضع العام. وحتى بعد تدخل روسيا على خط الصراع الذي تأجج أواره في الشام، ما يزال الخلاف «الفكري» والقيمي متواصلا. هذا الاختلاف والخلاف يتصل حتى بمصطلح «الإرهاب».

فمن هو الإرهابي؟ ومن هي الجهات التي «يجوز» استهدافها بحمم القنابل والصواريخ العابرة للقارات؟

هذه الحرب العالمية المصغرة مرشحة للتوسع ليس بسبب اختلاف الفاعلين فيها على قضايا جوهرية أو مصالح استراتيجية بل حول مصطلح الإرهاب نفسه. ففيما تستهدف عمليات القصف الروسية المجموعات المناوئة لحكم بشار الأسد، يعترض الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون على ذلك ويضغطون على الروس لحصر استهدافهم بمجموعة تنظيم «الدولة»، معتبرين أن المجموعات المسلحة الأخرى ليست إرهابية.

وقد رد وزير الخارجية الروسي قبل أسابيع على ذلك قائلا:إذا كان (حامل السلاح) يتكلم كإرهابي، ويتصرف كإرهابي، ويبدو كإرهابي، فإنه إرهابي، أليس كذلك؟ هذا يكشف مدى الاختلاف حتى في تعريف مصطلح الإرهاب بين القوى الكبرى. أما الأنظمة العربية فلديها تعريفات أخرى للإرهاب. فمن يعارض نظام الحكم يصنف إرهابيا فيعتقل ويتعرض للتعذيب والتنكيل.

لذلك ففي الوقت الذي تكتظ سجون بعض الأنظمة العربية بالمعارضين الذين يعتبرون وفق المقاييس الدولية «سجناء رأي» فإن الأنظمة تنفي أن يكون لديها معتقلون سياسيون أو «سجناء رأي»، وتصر على أنها لا تعتقل إلا الإرهابيين. ويتوقع الكثيرون هذه الأيام حملة إعدامات بالجملة في السعودية بحق أشخاص لم يرتكب أكثرهم سوى التعبير السلمي عن وجهة نظر سياسية مغايرة لمنظومة الحكم.

وفي خضم حرب المصطلحات والقيم، صادر بعض أنظمة الاستبداد المصطلحات الأخرى التي يستخدمها معارضوها. فأصبحت تتحدث عن «الديمقراطية» وتنشئ «برلمانات» شكلية يعين أعضاؤها في أغلب الاحيان وقد تجرى لهم انتخابات صورية، ولكنها تبقى بدون صلاحيات تذكر.

كما أنشأ بعض هذه الأنظمة منظمات لحقوق الإنسان وهيئات للتظلمات، وتحدث عن «إقامة حكم القانون»، وربما أقدمت تلك الأنظمة على اعتقال بعض موظفي أجهزة الأمن الأجانب عندما يشار إليهم بالبنان كمسؤولين عن إساءة معاملة السجناء أو تعذيبهم، للتظاهر بأن التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون.

وتحدثت أبواق الأنظمة عن الرقابة والمحاسبة ودور الشعب وعن «القضاء المستقل» و حكم القانون، ولكن بدون أن يكون هناك مصاديق حقيقية لتلك المصطلحات.

فما تزال الأنظمة نفسها بدون تغيير أو تحديث حقيقي، وما يزال المعارضون مرتهنين في السجون. وتتصدر مصر قائمة الأنظمة التي تتظاهر بما ينافي حقيقتها، فسجونها مكتظة بالمعارضين، وحكم العسكر يزداد تسلطا وعنفا ضد من يتجرأ على معارضة الجنرالات.

وأظهرت «الانتخابات» البرلمانية التي أجريت مؤخرا هشاشة وضع العسكر، إذ لم تصل نسبة المشاركة 20 في المئة. وإذا كانت مصر قد أعادت كتابة الدستور (وفقا لرغبات العسكر) فإن حكومة البحرين لم تفعل ذلك برغم استمرار التوتر الأمني والسياسي وصدور التقارير الدولية التي تؤكد استمرار الحكم في قبضته الحديدية بمساعدة قوات أجنبية، سعودية واماراتية وباكستانية وأردنية بالإضافة للقاعدتين الأمريكية والبريطانية.

الأمر المؤكد أن غياب الإصلاح السياسي عن البلدان العربية ظاهرة ليست مقلقة فحسب، بل خطيرة أيضا. فالاحتقان سيد الموقف والقمع والاستبداد يدفعان لانتشار حالة التطرف والعنف، وذلك يؤدي إلى الأوضاع التي يعيشها العالم العربي في الوقت الحاضر.

فبينما تستمر الحروب والصراعات المسلحة في كبريات البلدان العربية مثل العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا، تتعمق حالة اليأس في صفوف الشباب فتدفعهم للانضمام لمجموعات التطرف والعنف والإرهاب، ويصبح الموت لديهم مساويا للحياة.

فهل يعقل أن تصبح العمليات الانتحارية ممارسة تستهوي الشباب إلى المستوى الحالي؟ وما معنى أن يحدث ذلك على أنقاض ثورات الربيع العربي؟

قد تبدو الأنظمة العربية في مأمن من ثورات شعوبها في الوقت الحاضر، ولكنها تعيش أوضاعا غير مستقرة من الغليان والتوتر والاحتقان، الأمر الذي يجعل شعوبها تعيش حالة الرعب من لحظات انفجار تلك البراكين. سيكون الانفجار مرعبا ومدمرا، ولن تقتصر آثاره السلبية على أعداء الحرية، بل ستدفع الأوطان ثمنه باهظا أكثر مما يحدث الآن.

فالأمة حين تستمرئ التدخلات العسكرية الأجنبية وتصفق للعنف والإرهاب وتتبنى دعوات الفرقة والتمزق وتتناغم مع دعوات التشظي والتشطير وفق خطوط التمايز العرقي والديني والمذهبي، فستخسر تدريجيا وحدتها ومتانة كيانها، وستتحول إلى غثاء وعبثية وفوضى وطوباوية غير مجدية. ألم يحن وقت الاستيقاظ من السبات والنهوض بأعباء الدولة وإعادة بناء الأوطان والمواطنين وفق قواعد التسامح والحب والعيش المشترك وحكم القانون والشراكة الحقيقية؟

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

النظام السياسي العربي القمع الحرية الاستبداد الثورة المضادة الثورة الإرهاب

العرب بين ممارسة العدالة والإمعان في الظلم

نظرة عامة على حركات الإصلاح

العدالة بدلا من التراضي المؤقت