الاتحاد الأوروبي وسلطنة عُمان.. خطوات متتالية نحو شراكة أقوى

الخميس 20 يناير 2022 10:59 م

تعد الاتفاقية الشاملة للنقل الجوي التي جري توقيعها مطلع الشهر الماضي بين الاتحاد الأوروبي وسلطنة عُمان هي الأحدث في سلسلة من الخطوات الصغيرة التي تُظهر اهتمام الاتحاد الأوروبي بزيادة التعاون الثنائي مع السلطنة.

وتمهد اتفاقية الطيران الطريق للنمو التدريجي للتجارة الثنائية وتوسيع الشبكات بين الخطوط الجوية الأوروبية وشركات النقل الجوي العمانية. ويأتي ذلك كجزء من الاستراتيجية الأوسع لطيران الاتحاد الأوروبي، التي تهدف إلى زيادة التواصل بما يتماشى مع النهج متعدد الأبعاد للاستراتيجية العالمية للاتحاد.

وقد رحبت عُمان بالاتفاقية التي تتناسب مع تركيز السياسة الخارجية للسلطان "هيثم بن طارق" على الدبلوماسية الاقتصادية لترجمة صداقة عُمان للجميع إلى فرص تجارية. كما تتماشى الاتفاقية مع اهتمام الاتحاد الأوروبي المتزايد بتعزيز العلاقات الثنائية والتجارة مع دول الخليج بشكل منفرد بعد فشل مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.

ويميز العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وسلطنة عمان تكامل الأدوات والأهداف في المنطقة؛ ما يعني إمكانية ترجمة ذلك إلى شراكة أقوى. ومع ذلك، فإن اهتمام الاتحاد الأوروبي بتوسيع الحوار مع عُمان حديث للغاية، ولا تزال الخطوات الملموسة نحو بناء الثقة المتبادلة في مراحلها المبكرة.

علاقات خجولة

في عام 2018، وقع الاتحاد الأوروبي وعُمان أول اتفاق تعاون بينهما؛ الأمر الذي وضع الأساس للحوار السياسي المنتظم على أعلى مستوى بين دائرة العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية العمانية. كما عزز الاتحاد الأوروبي وسلطنة عمان مؤخرا تعاونهما غير الرسمي في مجال الأمن البحري للمساعدة في توفير الاستقرار لإمدادات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز ومكافحة القرصنة والتهريب والجريمة المنظمة، وذلك من خلال تبادل المعلومات والخبرات بشكل أساسي.

ووفقا لدبلوماسيين كبار من 7 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تمت مقابلتهم في عُمان في ربيع عام 2021، فإن الطابع غير الرسمي لهذه العلاقات غالبا ما جعل العمانيين يشعرون أنه يتم تجاهلهم من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو تصور يعززه عدم وجود بعثة للاتحاد الأوروبي في عُمان، في حين أن السعودية والإمارات والكويت لديها بعثة للاتحاد الأوروبي، فضلا عن إشارات رمزية أخرى مثل غياب ممثلي الاتحاد الأوروبي عن جنازة السلطان الراحل "قابوس بن سعيد" في يناير/كانون الثاني 2020.

علاوة على ذلك، قال مسؤول عماني كبير إن عملية صنع القرار المعقدة داخل الاتحاد الأوروبي تجعل من الصعب على عُمان فهم ما يمكن أن يعد به الاتحاد الأوروبي وما يمكن أن يقدمه، لا سيما بالنظر إلى الاختلافات الواضحة بين الاتحاد الأوروبي ككتلة والدول الأعضاء في نهجهم تجاه الخليج.

وبالرغم من هذه العلاقات المؤقتة وسوء الفهم العرضي، يتشارك الاتحاد الأوروبي وسلطنة عُمان وجهات نظر مماثلة بشأن الحاجة إلى تهدئة التوترات الخليجية والأمريكية مع إيران، فضلا عن تفضيل مشترك للحوار والحياد.

دور مكمل في اليمن

تتجلى أرضية التعاون بن الجانبين في اليمن بشكل خاص؛ حيث استفاد الاتحاد الأوروبي من عدم اعتباره قوة احتلال، وبالمثل تم الترحيب بجهود السلام العُمانية في اليمن من قبل الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" والمبعوث الأمريكي الخاص لليمن "تيموثي ليندركينج". كما وصف دبلوماسيون أوروبيون عُمان بأنها لاعب محايد وموثوق في التوسط لإنهاء الصراع.

ومنذ عام 2011، ركز كل من الاتحاد الأوروبي وعُمان على تعزيز الحوار مع الأطراف المستبعدة من المفاوضات، مثل الحوثيين والحركة الجنوبية والشباب والنساء. علاوة على ذلك، يتمتع كل من الاتحاد الأوروبي وسلطنة عُمان بقناة مع إيران لا تمتلكها الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وخلال هذه السنوات، طور الاتحاد الأوروبي الأدوات والخبرات لدعم المفاوضات المحلية والعمل على معالجة المظالم طويلة الأمد لليمنيين. ولكي يصبح الاتحاد الأوروبي أكثر فاعلية في جهوده الإنسانية وبناء السلام، فإنه يحتاج إلى زيادة وجوده في الخليج والمشاركة مع الجهات اليمنية الرئيسية. وتتمتع عُمان بميزة كونها تقع بالفعل في الجوار وقادرة على استضافة الجهات الفاعلة الرئيسية والتحدث إليها مباشرة.

وبالرغم من أوجه التكامل هذه، أكد مسؤول عُماني كبير ومسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، في مايو/أيار 2021، أن التعاون بين عُمان والاتحاد الأوروبي بشأن اليمن لم يتطور بما يتجاوز التبادل غير الرسمي لوجهات النظر. ولكن ازدادت الحاجة إلى الحوار في الأعوام القليلة الماضية بحسب المسؤول العماني الذي قال إن التغيير في نهج الولايات المتحدة تجاه اليمن أثبت للعمانيين أن مواقف الولايات المتحدة في المنطقة يمكن أن تتغير بشكل حاد اعتمادا على من هو الرئيس.

وقال باحثون في جامعة السلطان "قابوس" ومسؤول عماني رفيع وعدد من كبار الدبلوماسيين الأوروبيين في مسقط، إن عُمان ستستفيد من زيادة التعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن اليمن. ويمكن للتطورات الأخيرة في اليمن أن تمهد الطريق لهذا التعاون الأعمق.

وأدت عمليات إعادة الانتشار العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية، والتي شملت انسحابات من منطقة المهرة في خريف عام 2021، إلى تقليل التوترات بين السعودية وعُمان وزيادة الفرصة لدور عماني أقوى. وتتمتع محافظة المهرة المجاورة لليمن بأهمية تاريخية بالنسبة لعُمان منذ انتفاضة اليمن في عام 2011؛ حيث تحرص السلطنة على منع أي امتداد للصراع اليمني إلى أراضيها من خلال المشاركة المستمرة في التنمية المحلية للمهرة.

وقد أدى التدخل العسكري السعودي في المهرة إلى زيادة التوترات بين السعودية وعُمان، وأدى إلى خفض النفوذ العُماني هناك. لذلك، مهدت عمليات إعادة الانتشار السعودية الطريق لتجديد المشاركة العُمانية. وفي الوقت نفسه، يوفر تعيين الرئيس السابق لبعثة الاتحاد الأوروبي إلى اليمن "هانز جروندبرج" مبعوثا خاصا للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2021، فرصة لاستئناف مشاركة الاتحاد الأوروبي في عملية التفاوض.

إرادة متنامية للتعاون

ولتطوير التعاون بين الاتحاد الأوروبي والسلطنة تجاه اليمن وفي أماكن أخرى، دعا ممثلو الحكومة العُمانية إلى تحسين مستوى التفاهم والثقة المتبادلين، وهو ما يمكن صقله من خلال الاتصال المنتظم والاتفاقيات الرسمية. ولدى عُمان الكثير لتكسبه من العلاقات الأعمق مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما بالنظر إلى التحديات الحالية أمام التحول الاقتصادي للبلاد.

ووفقا لدبلوماسي أوروبي كبير في مسقط، سيستفيد الاتحاد الأوروبي من القيام بدور أكثر نشاطا في "رؤية عُمان 2040" ومبادرات التنمية الاقتصادية أو "النهضة الجديدة"؛ حيث تعمل عُمان على جذب الشركات الأوروبية، لا سيما في مجال الخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ، معتمدة على سمعتها باعتبارها "دولة مستقرة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

لكن هذا الاستقرار تعرض للاهتزاز في ربيع 2021؛ حيث شهدت عُمان أول احتجاجات عامة منذ 2011 بسبب تزايد البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي تفاقمت بسبب جائحة "كورونا" وانخفاض أسعار النفط. ومع ارتفاع أسعار النفط وتنفيذ مجموعة أولية من الإصلاحات الاقتصادية في عهد السلطان "هيثم"، رفعت "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وتبعتها وكالة "فيتش" في ديسمبر/كانون الأول 2021. ويبدو أن هذه التطورات هدأت نسبيا المصاعب الاقتصادية التي أدت إلى الاضطرابات.

وبالرغم أن الأوضاع تتجه إلى مسار أكثر إيجابية، ما تزال عُمان تواجه تحديات خطيرة. وكما قالت الخبيرة في شؤون الخليج "سينزيا بيانكو" في أكتوبر/تشرين الأول 2020، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على تعزيز مصالحه الأمنية والسياسية في المنطقة ستزداد إذا ساعد سلطنة عُمان للحفاظ على مواقفها السياسية المستقلة ومرونتها الاقتصادية. وفي 2019، أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي "ديفيد مكاليستر" على أهمية عُمان ليس فقط كشريك اقتصادي ولكن أيضا كأصل سياسي، وشدد على أن "جهود عُمان تعد مكملة للجهود الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي في المنطقة".

وأشارت الخطوات الخجولة التي تم اتخاذها منذ عام 2018 إلى فهم أكبر للحاجة إلى تطوير تعاون أقوى مع عُمان، بما يتماشى مع زيادة تركيز مفوضية الاتحاد الأوروبي على النهج الثنائي واللامركزية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي. وتعتبر اتفاقية الطيران خطوة مهمة في عملية بناء الثقة على طريق بناء شراكة أقوى. ولتعزيز المزيد من التقدم، قال دبلوماسيون أوروبيون كبار في عُمان ومسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي في السعودية إن الخطوة المهمة التالية ستكون افتتاح بعثة للاتحاد الأوروبي في مسقط؛ حيث تزايدت الحاجة إلى هذه الخطوة مع صعوبة السفر إلى الرياض نتيجة تداعيات الجائحة.

ومن المرجح أن يؤدي التقدم الحالي في العلاقات والتطلعات إلى علاقات أفضل إلى تعزيز المكاسب السياسية للاتحاد الأوروبي من إقامة تعاون أقوى مع عُمان.

المصدر | جويليا داجا/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات العمانية الأوروبية وفد الاتحاد الأوروبي بعثة الاتحاد الأوروبي الدور العماني في اليمن اقتصاد عمان الاقتصاد العماني حرب اليمن

عمان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي يجرون أول مناورة بحرية في خليج عدن