انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية.. خطوة سياسية أم اقتصادية؟

الاثنين 7 فبراير 2022 11:41 م

في يناير/كانون الثاني الماضي، انضمت سوريا لـ"مبادرة الحزام والطريق" الصينية على أمل الاستفادة من الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها نتيجة الحرب المدمة.

وتقدر الأمم المتحدة أن سوريا ستحتاج 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، لكن حلفاء "الأسد" (روسيا وإيران) يفتقرون إلى الموارد المالية اللازمة لتغطية هذا المبلغ، كما أن الحكومات الغربية ترفض التعامل مع "الأسد" المتهم بجرائم حرب، فيما ينظر المستثمرون الخليجيون بحذر إلى المشهد السوري.

فهل ستكون الصين هي من يمد يد المساعدة لـ"الأسد"؟ لا يبدو ذلك.

خطوة سياسية وليست اقتصادية

يبدو أن هذه الدعوة للانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق" هي في المقام الأول خطوة سياسية وليست اقتصادية ولن تكون بداية موجة من الاستثمارات الصينية.

وليس من المستغرب ما أبدته الصين من احتضان لـ"الأسد"؛ فعلى مدى الحرب الأهلية، رفضت الادعاءات الغربية بأن الرئيس السوري فقد شرعيته، وانضمت إلى روسيا في استخدام الفيتو ضد قرارات الأمم المتحدة التي هددته.

وعلاوة على الإصرار على سيادة سوريا - وهي حجة تستخدمها الصين عادة لكي تشير بشكل جزئي لحريتها هي أيضًا في التعامل مع شعبها - تعتقد بكين أن "الأسد" هو أفضل فرصة للاستقرار.

وتعزز هذا الموقف الصيني مع سفر الإسلاميين الصينيين إلى سوريا للقتال إلى جانب القوات المعارضة لـ"الأسد". ودعمت الصين جهود دمشق للقضاء على هؤلاء المقاتلين. وعلى عكس روسيا وإيران، نأت الصين بنفسها عن القتال، ولكن كان من المعروف أنها منحازة لمعسكر "الأسد".

ولطالما أبدى "الأسد" إعجابه بـ"النموذج الصيني" للتنمية الاقتصادية، وبالتالي كان من المنطقي أن تتطلع دمشق إلى تحويل هذا الدعم الظاهري في الحرب إلى استثمارات بعد الصراع. وفي سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت دمشق أن الصين إلى جانب روسيا وإيران "حكومات صديقة" ستُمنح الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار.

استثمار حذر

هناك بعض الاهتمام الذي تظهره الصين، فقد حضرت أكثر من ألف شركة صينية أول معرض تجاري في بكين حول مشاريع إعادة الإعمار السورية، وتعهدت باستثمارات بقيمة 2 مليار دولار، وحضرت 200 شركة أخرى معرض دمشق الدولي للتجارة عام 2018.

وكان هناك أيضًا استثمار محدود في قطاع السيارات السوري، في حين وافقت بكين على إرسال مساعدات بقيمة 16 مليار دولار، بما في ذلك 150 ألف جرعة لقاح "سينوفارم" الصيني المضاد لفيروس "كورونا".

ومع ذلك، فإن الصين تتبع نهجا حذرا في استثماراتها، كما أن سوريا ليست اقتراحًا جذابًا. وبالرغم أن موقف "الأسد" في دمشق يبدو آمنًا، إلا أنه لم يبسط سيطرته على البلد بأكمله ولا يزال هناك خطر تجدد القتال وكذلك الهجمات المتفرقة.

كما إن هناك سوقًا محدودًا من المستهلكين بالنظر إلى أن الحرب أفقرت معظم السوريين. وفضلا عن ذلك، يضرب الفساد نظام "الأسد"؛ ما يعني أنه سيتم نهب الكثير من الاستثمارات. كما أن "قانون قيصر" الأمريكي يردع الشركات من التعامل مع نظام "الأسد". والأهم من ذلك، أن سوريا تفتقر إلى ثروة المواد الخام الرئيسية التي جعلت الصين تخاطر بالاستثمار في أماكن أخرى غير مستقرة.

ولن يغير انضمام سوريا إلى "مبادرة الحزام والطريق" أيًا من هذه العوامل المثبطة للاستثمارات. وبالرغم أن مذكرة التفاهم التي وقعت تتحدث عن نوايا استثمارية في نهاية المطاف، إلا أنها لن تؤدي إلى التدفق المفاجئ للأموال التي يحتاجها "الأسد".

لماذا تم توقيعها الآن؟

هناك منطق جيوسياسي بالنسبة للصين حيث يرسل هذا الاحتضان العلني لـ"الأسد" إشارة إلى 3 جهات فاعلة مهمة.

الرسالة الأولى هي للولايات المتحدة، التي صعّدت من مواجهتها مع الصين في عهد الرئيس "جو بايدن". وسيؤدي ضم "الأسد" إلى مبادرة الحزام والطريق إلى تسليط الضوء على مدى عدم كفاءة الولايات المتحدة وحلفائها في عزل دمشق بعد الحرب، مما يعزز الشعور بتراجع الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة.

الرسالة الثانية لحلفاء "الأسد"؛ روسيا وإيران، الذين يريدون كسر عزلة سوريا. وتعد هذه طريقة سهلة نسبيًا بالنسبة لبكين لكي تبدي حسن النية لكليهما، خاصة لإيران التي تعد شريكًا مهمًا في "مبادرة الحزام والطريق".

أما الرسالة الأخيرة، فهي لقوى الشرق الأوسط الأخرى؛ مثل إسرائيل والدول الخليجية، حيث يشير انضمام دولة شرق أوسطية أخرى إلى "مبادرة الحزام والطريق" إلى تعمق دور الصين وحاجة القوى الإقليمية لتعزيز تعاونها مع بكين، مما سيزعج "بايدن" بالطبع.

وفي الوقت ذاته، فإن الصين ليست في غنى طبعًا عن الجانب الاقتصادي، فسوريا تقع في موقع استراتيجي ولها ساحل متوسطي كبير، وإذا عاد الاستقرار إلى سوريا، فيمكنها أن تثبت جاذبيتها كشريك للصين. لكن هذا الأمر بعيد الأجل بالنسبة للصين، وليس الدافع المباشر لمذكرة التفاهم.

دوافع "الأسد"

يدرك "الأسد" بالتأكيد أنه من المستبعد أن تأتي أموال إعادة إعمار صينية كبيرة على المدى القصير، لكن السياسة دافع مهم هنا أيضًا. ويخدم الانضمام إلى "مبادرة الحزام والطريق" الأجندة المحلية، حيث يقدم الأمل (وإن كان خادعا) للشعب الفقير الذي يعاني تحت وطأة اقتصاد مشلول.

كما إن هذه الخطوة تعزز سردية النظام الحاكم بأن بقية العالم غير الغربي يقبل "الأسد"، مما يعزز مطالباته بالشرعية. وعلى المستوى الدولي أيضًا، تأمل دمشق في أن يشجع الاصطفاف مع الصين الدول غير الغربية الأخرى (أو حتى الأوروبية المتمردة) لإعادة الانخراط مع سوريا.

وقد يكون هناك أيضًا بعض الفوائد الاقتصادية غير المباشرة. ففي حين أن الصين قد لا تقدم الأموال اللازمة، إلا إن وجودها اسميًا في سوريا سيرسل رسالة للآخرين بأن دمشق أصبحت أقرب إلى الاستقرار، وقد يحفز هذا لاعبين من الخليج للاستثمار وإعادة شبكات ما قبل الحرب قبل بكين.

وإذا جاءت هذه الاستثمارات جنبًا إلى جنب مع المزيد من التطبيع من دول الشرق الأوسط وحلفاء الصين غير الغربيين وحتى بعض الدول الأوروبية، فمن الأكيد أن هذا سيكون في مصلحة "الأسد".

وقد لا يعني ذلك أن "الأسد" سيحصل على مئات المليارات التي يحتاجها من أجل التعافي الاقتصادي، لكن هذه الخطوة ستؤدي إلى إطالة عمر الديكتاتورية المحاصرة لفترة أطول قليلًا.

المصدر | كريستوفر فيليبس/ ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا بايدن الصين مبادرة الحزام والطريق مذكرة تفاهم الأسد الولايات المتحدة التنافس الأمريكي الصيني

وسط التحولات الجيوسياسية.. هل تتمكن الصين من الموازنة بين السعودية وإيران؟

لماذا استقبلت الصين الأسد؟ وكيف يستفيد النظام السوري من الزيارة؟