قيس سعيد وإحكام الانفراد بالسلطات الثلاث

الثلاثاء 8 فبراير 2022 04:55 ص

قيس سعيد وإحكام الانفراد بالسلطات الثلاث

ممارسة الانفراد الرئاسي يصعب أن تنتقل لمراحل أعلى من السيطرة والتحكم بوجود سلطات قضائية غير خاضعة مباشرة لأوامر الرئيس.

خطوة جديدة في مسار إحكام قبضة قيس سعيّد على السلطات الثلاث واستكمل الإجراءات الانقلابية منذ 25 يوليو الماضي بتعطيل مجلس النواب وحل الحكومة.

وجود السلطة الثالثة، القضائية، في حال من الاستقلال النسبي لن يمكّن سعيّد من المضي أبعد في تنفيذ الإجراءات اللاحقة التي أعلن عنها أواخر السنة الماضية.

في كل إجراء انقلابي منذ يوليو الماضي لجأ الرئيس التونسي إلى لغة خشبية واتهامية واستخدم لهجة التحريض الشعبوية التي تدغدغ بعض عواطف السخط والاحتجاج.

*      *      *

بإعلانه أن المجلس الأعلى للقضاء في تونس قد بات في عداد الماضي وأنه يعكف على قرارات أو مراسيم تتكفل بحل المجلس الراهن أو استبداله، يكون الرئيس التونسي قيس سعيّد قد قطع خطوة إضافية في مسارات إحكام القبضة الرئاسية الانفرادية على السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، واستكمل المزيد من الإجراءات الاستثنائية الانقلابية التي ابتدأها يوم 25 تموز/ يوليو الماضي بتعطيل مجلس النواب وحل الحكومة.

ولقد لاح لبعض الوقت أن السلطة القضائية قد أفلتت، شكلياً على الأقل، من قرارات سعيد التعسفية، وأن انتهاك القانون من جانب وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية اقتصر على اعتقال خصوم الرئاسة السياسيين استناداً إلى أعذار واهية لا دخل للقضاء بها ولا تلتزم أصلاً بأي حكم أو معيار قانوني.

غير أن موجبات عديدة دفعت سعيّد إلى إسقاط أي حرج يتصل بحرمة القضاء والقضاة، في طليعتها أن ممارسة الانفراد الرئاسي يصعب أن تنتقل إلى مراحل أعلى من السيطرة والتحكم بوجود سلطات قضائية غير خاضعة مباشرة لأوامر قصر قرطاج، سواء أتت مباشرة صريحة أو عبر مناورات وتغطيات تصدر عن حكومة لا حول لها ولا طول.

كذلك بدا واضحاً أن وجود السلطة الثالثة، القضائية، في حال من الاستقلال النسبي لن يمكّن سعيّد من المضي أبعد في تنفيذ الإجراءات اللاحقة التي أعلن عنها أواخر السنة الماضية، لجهة إبقاء المجلس النيابي مجمداً ورهن انتخابات جديدة قيل إنها سوف تجري أواخر العام 2022 لكنها أقرب إلى الإبقاء معلقة في المجهول، فضلاً عن تنظيم ما أسماه الرئيس التونسي «استشارة شعبية» عبر المنصات الإلكترونية هي بدورها أقرب إلى مسرحية مفضوحة منها إلى الإجراء الجادّ.

لافت إلى هذا أن سعيّد، وهو أستاذ قانون في الأصل، لم يجد أي مسوغ دستوري بأي معنى بسيط يبرر حل المجلس الأعلى للقضاء، فاكتفى مضطراً إلى استخدام تعبير مبهم أحال بموجبه المجلس إلى «عداد الماضي» ثم غطى هذا الإجراء التعسفي باتهامات عامة وتعميمية حول الفساد والتقصير وأن القاضي الذي يحاكم جدير بأن يكون هو نفسه في قفص الاتهام.

وإذا كان وجود فساد من أي نوع أو مستوى في هذا المجلس أو سواه يبرر الإصلاح والمحاسبة بموجب القوانين المرعية، وهذا أمر وارد حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية، فإنه لا يمكن أن يسبغ الشرعية على إحالة المجلس بأسره إلى الماضي وإغلاق أبواب مقره أمام القضاة والموظفين العاديين، حتى من دون اتخاذ أي إجراء قانوني ملموس وصريح يشير إلى التجميد أو التعطيل أو الاستبدال.

وكما في كل إجراء انقلابي واستثنائي منذ تموز/ يوليو الماضي، لجأ الرئيس التونسي إلى اللغة الخشبية والاتهامية، كما استخدم لهجة التحريض الشعبوية التي تدغدغ بعض عواطف السخط والاحتجاج، لتخرج مسيرات مؤيدة لقراراته لا تسهم في شيء قدر تعميقها الفجوة بين شارع رافض وآخر مؤيد، وتنطوي استطراداً على مزيد من مخاطر الصدام الأهلي، في غمرة مصاعب اقتصادية وصحية واجتماعية وسياسية بالغة الوطأة والاشتداد.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، قيس سعيد، المجلس الأعلى للقضاء، انقلاب، المجلس النيابي، الانفراد الرئاسي، استشارة شعبية،

حل المجلس الأعلى للقضاء.. المسمار الأخير في نعش ديمقراطية تونس