11 عاما على تنحي مبارك.. السيسي على خطى "الفرعون" ومصر نحو الأسوأ

الجمعة 11 فبراير 2022 12:12 م

في مثل هذا اليوم قبل 11 عاما، كان ثوار مصر يحصدون نجاحا ولو صوريا لثورتهم، عقب تنحي الرئيس الأسبق "حسني مبارك".

الميدان الذي كان جامعا لكل المصريين من كل أطيافهم العمرية والدينية والاجتماعية والسياسية، لم يعد كذلك، وتغيرت ملامحمه بالكامل، في إشارة من النظام الذي عاد بانقلاب عسكري في 2013، لطمس هوية المكان الذي كان رمزا لها.

وعلى خلاف حالة النشوة والانتصار الذي شهده الميدان في 11 فبراير/شباط 2011، فلا يزال مشهد القمع وتردّي الأوضاع الاقتصادية والسياسية على حاله، فمن طاغية إلى آخر ينتقل الحكم في مصر، قافزاً عن فترة بسيطة عاشت فيها مصر حياة ديمقراطية إثر فوز الرئيس الراحل "محمد مرسي" بالانتخابات بعد الثورة.

وبدا "مبارك" بهيئة الحاكم القوي الذي لا يزعزع عرشَه شيء، واحتفظ بالسلطة لفترة أطول من أي حاكم آخر منذ عهد "محمد علي باشا"، مؤسس الدولة المصرية الحديثة.

وكشفت الثورة، أن ما بناه "مبارك" كان هشاً ومؤقتاً، لأن أساس حكمه كان مزيجاً من القبضة القوية والفساد والتحالف مع الغرب، يعتمد على مبادئ توجيهية لنظامه تقوم على الأمن والاستقرار، ودعائم دولته هي الشرطة وأجهزة المخابرات وشخصه.

لذلك وضع وطنه، والغرب، أمام خيارين، إما أن أبقى في السلطة، وإما أن تسود الفوضى، وكان تركيزه على الأمن يقتصر على أمن النظام.

واعتقد "مبارك" خلال حكمه، أن الاستقرار أهم من أي تطور، ولم يكن لديه أي رؤية خاصة ولا إنجاز ملحوظ، وكل ما فعله كان الحفاظ على الوضع الراهن، دون محاولة تحسينه.

وكانت مساهمته في حل المشكلات المزمنة التي تعاني منها مصر، مثل الأمية والفقر والمرض، "ضئيلة للغاية"، حسب الثوار الذين خرجوا للثورة ضده في ميدان التحرير.

ومع أن "مبارك" رحل، فإن بعض مَن قامت ضدهم الثورة عادوا ليتصدروا المشهد، بعد تبرئتهم من التهم التي وُجهت ضدهم وإلغاء التحفظ على أموالهم فيما بعد، في الوقت الذي بقي فيه رموز الثورة بين السجون والمنافي والملاحقات القضائية.

وهذا الأمر أدى إلى إحباط عامّ لدى كل المؤمنين بالثورة، خاصة أن الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والسياسية "عادت أسوأ" مما كانت عليه قبل هذا التنحي، حسب منظمات حقوقية وخبراء ومراقبين.

وعلى الرغم من موت "مبارك"، فإن المحاكمات "الوهمية" له ولنجليه ولعديد من قيادات الشرطة، على خلفية قتل المتظاهرين إبان الثورة، ما زالت عالقة في أذهان المصريين.

ولعل أبرز هذه الأحكام هو صدور الحكم المبدئي بالحبس المؤبد لـ"مبارك" ووزير داخليته "حبيب العادلي"، وبراءة باقي المتهمين، ثم إلغاء القرار والحكم لهم بالبراءة أمام محكمة أخرى في عهد الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي".

والأكثر أهمية من صدمته بدخوله السجن، ثم تنعُّمه بالهدوء النسبي قُبيل وفاته، أنه "عاش حتى شهد زوال الثورة التي أطاحت به"، وكان هذا بمثابة "ترضية قاسية"، على حد قول صحيفة "واشنطن بوست".

ويروى "حسام بدراوي"، آخر أمين عامّ للحزب الوطني المنحل، في كتابه "رجل العاصفة"، بعض الملابسات التي أحاطت بقرار "مبارك" بالتنحّي وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد.

وقال "بدراوي"، إنه "اجتمع بمبارك وعرض عليه رؤيته بإجراء انتخابات مبكرة ونقل السلطة، وهو ما رفضه الرئيس الأسبق، وأكد أنه سيخرج بعد 8 أشهر، ولن يترشح".

وأكد "بدراوي"، أن الخيارات أمام "مبارك" كانت ضئيلة، ولم يملك منها سوى إعلان تنحيه، لكنه لم يوافق على قراءة بيان التنحي بنفسه، وطلب من نائبه "عمر سليمان"، إلقاء الخطاب بدلاً منه.

صعود "تلميذ لمبارك"

ويسير "السيسي" على خطى "مبارك"، وإن لم تجمع بينهما علاقة قوية، فقد أجاب الرئيس الراحل عن سؤال المذيع المصري "ممتاز القط"، عندما زاره في المشفى بأيامه الأخيرة، بأنه "لم يلتقِ السيسي بشكل مباشر".

لكن جميع التقارير التي كانت تأتيه عندما كان رئيساً للجمهورية، تُجمِع على أن "السيسي" الذي كان يعمل آنذاك في جهاز المخابرات المصرية، كان شخصاً هادئاً جداً وصارماً وصاحب رؤية جيدة.

وكان "السيسي"، في عهد "مبارك"، نادراً ما يظهر على وسائل الإعلام، وكان أول ظهور له بطريقة مباشرة، عندما عيّنه "مرسي" وزيراً للدفاع في أغسطس/آب 2012.

وعلى الرغم من ذلك، تعلم "السيسي" الدرس الخطأ من "مبارك"، برأي الصحفي "فرانسيسكو سيرانو"، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، قال فيه إن "السيسي يبدو كتلميذ لمبارك".

ويعتقد "سيرانو"، أن "السيسى" يخشى عودة المتظاهرين إلى الشوارع، بالنظر إلى "مستوى العنف الذي يمارسه ضد المصريين في السنوات الماضية".

ويشير إلى أنه رغم حكم "مبارك" المستبد، فإنه كان يترك بعض المساحات الصغيرة للسيطرة على المعارضة، و"فهم رغم غياب الرؤية السياسية أهمية وجود صمامات ضغط".

لكن "السيسي"، حدّ من كل أشكال المعارضة على اعتقاد أن هذه الأشكال مهما كان حجمها، كانت الخطأ الفادح الذي ارتكبه "مبارك".

واختار الحاكم "الديكتاتوري" الحالي لمصر طريقاً آخر؛ وهو محو أي مساحة للنقاش العام.

وبينما تمتلئ السجون المصرية بعشرات آلاف المعتقلين السياسيين، تشنّ القاهرة حرباً على الأطباء والعاملين في الصحة، إذ مات مئات الأطباء والعاملين في الطواقم الصحية منذ بداية فيروس "كورونا".

ويعتقد الكاتب أن قمع "السيسي" للأطباء المصريين، هو أبعد من كونه محاولة لإخفاء ضعفه وقصوره، فالحكومة تلاحق تحديداً الأطباء لأنهم كشفوا للعالم عيوب الحكومة المصرية عموماً.

كما أن المشاريع التي تعبّر عن الغرور مثل بناء عاصمة جديدة أمر بها "السيسي" في الصحراء بكلفة 66 مليار دولار، لن تساعد على تغيير حياة الناس العاديين في مصر.

بل ويكشف المشروع عن غياب القدرة وسوء توزيع المصادر المالية، مما يجعل نظام "السيسي" تكراراً ولكن بشكل أعنف لسنوات "مبارك".

والغريب أن "السيسي"، يرفض الاعتراف بأن الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بـ"مبارك" كانت نتيجة الاضطهاد.

((3))

قبضة أمنية تغطي الفساد

ورغم ذلك، يبث في نفوس المصريين قمعا غير مسبوق جعلهم يعيشون في خوف يكمم الأفواه، لدرجة لم يعرفوها خلال عهدي الرئيسين الراحلين "جمال عبدالناصر" أو "مبارك".

ووفق تقديرات حقوقية، يقبع في مصر ما لا يقل عن 60 ألف سجين سياسي.

يقول "محمد لطفي"، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي إحدى آخر المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان الموجودة في مصر: "بالتأكيد، يتجاوز الرقم الحقيقي هذه الإحصائيات بكثير".

وكما كان الحال في نظام "مبارك"، فإن نظام "السيسي"، يركز اعتماده على أجهزة الأمن، وتفعيل العنف من قبل أفراد الشرطة تجاه المواطنين المصريين، وبات لا فرق بين أجهزة الأمن السائدة في عهد "السيسي"، وتلك التي كانت حاكمة زمن "مبارك".

ولم يقف الأمر عند القبضة الأمنية، بل سار "السيسي" على خطى "مبارك" في الفساد أيضا، حسب تقرير سابق لصحيفة "معاريف" العبرية، التي قالت إن المصريين "الذين كان يرون في السيسي مصدرا لحفظ الدولة المصرية، وصلوا إلى قناعة أنه يواصل مسيرة الفساد القديمة الجديدة في البلاد".

وتناول التقرير وصفا لحالة مصر يرى أن "الانتقادات القاسية الموجهة إلى السيسي وصلت ذروتها، ولا سيما في المجال الاقتصادي، وأن هناك اعتقادا سائدا في مصر بأن عهد الفساد الذي كان منتشرا في زمن مبارك آخذ بالعودة في عصر السيسي".

كما أن رجال النظام القديم لـ"مبارك" بدؤوا يعودون للمواقع الرئيسة في الدولة، والاستقلال الذي تريده الصحافة المصرية يتم المس به يوما بعد يوم، وهو ما يؤكده كتاب ومفكرون مصريون كبار، كانوا يرون في "السيسي" ضوءا في آخر النفق، لكنهم باتوا اليوم يحذرونه من "مستقبل أسود" قد ينتهي بفقدانه سلطته.

وأوضحت الصحيفة أن كثيرا من المصريين يرون أن الأوضاع الداخلية في البلد آخذة في التدهور، لكن الملفت أن تحذيرات الخبراء المصريين من سوء هذه الأوضاع "لا تصل الغرف المغلقة للسيسي ومستشاريه، في ظل استمرار لجوء مصر للاقتراض الخارجي، مع أنها لا تعرف كيف ستعيدها"، حسب الصحيفة.

تمسك بالغرب وإسرائيل

وعلى الصعيد الخارجي، حاول "السيسي" الحفاظ على علاقته بالدول الغربية والولايات المتحدة وإسرائيل، كما فعل "مبارك" الذي احترمه الغرب لحفاظه على معاهدة السلام مع إسرائيل.

رغم أن "مبارك" كان صاحب الضربة الجوية الأولى ضد إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، إلى حين وصوله إلى سدة الرئاسة بعد حادثة اغتيال سلفه "أنور السادات"، حصل على دعم الغرب من خلال التزامه بمعاهدة السلام مع إسرائيل التي وقّعها سلفه، والضغط من أجل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

وكان "مبارك" رجلاً بخلفية عسكرية، لكنه أكّد التزام بلاده السلام الدولي، بما في ذلك وساطته بين إسرائيل والفلسطينيين، ودوره في حرب الخليج، وكذلك حرصه على بناء علاقات قوية مع القادة العرب.

ونتيجة لتشابه الاستبداد في عهدي "مبارك" و"السيسي"، كان لا بد من حلّ، لكن حتى الآن لم يستطِع الشعب المصري التوحُّد مرة أخرى ضد "السيسي"، فقد باءت المظاهرات التي خرجت احتجاجا على الانقلاب الذي قاده "السيسي"، ومن بعدها التي دعا إليها المقاول والفنان المصري "محمد علي"، خلال العامين الماضيين بالفشل.

لكن لم يكتنف اليأس بعض المعارضين المصريين في الخارج، لقدرتهم على التحرك، إذا أعلنوا تشكيل اتحادات وتحالفات لقوى معارضة للنظام المصري، والتحرك أمام الجهات الدولية والإقليمية.

وعززت مشاهد إعادة تشكيل الواقع الدولي والإقليمي من جديد آمال شركاء الثورة، خاصة أن حالة الانقسام بينهم لا تنفي الحلم في التغيير، وإعادة إحياء مشروع وطني جامع في مواجهات النظام العسكري الحاكم.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر ثورة يناير ميدان التحرير حسني مبارك السيسي رحيل مبارك

الجارديان: مصير مبارك يطارد السيسي ويعطي الأمل للشعب

سيناتور أمريكي: لهذا السبب أكافح لإلغاء صفقة الأسلحة الأخيرة إلى مصر

المفوضية الأوروبية تطالب فرنسا بالكشف عن بيعها أنظمة تجسس لمصر

أكاديمية إسرائيلية: السيسي ينمي هوية مصر الفرعونية لشرعنة حكمه الاستبدادي

كيف تقاعس نظام السيسي في استرداد أموال مبارك المهربة؟ (وثيقة)

تجاهل السيسي زيارة قبر مبارك.. هل هي نصيحة عباس كامل؟