التدوير.. السجناء السياسيون في مصر بلا نهاية في الأفق

الثلاثاء 15 فبراير 2022 01:31 ص

"ليس هناك إحصائيات دقيقة بعدد المحبوسين احتياطيا في مصر، لكن الكثير منهم يتم تدويرهم في قضايا أخرى بعد انتهاء مدة السنتين".. بهذه الكلمات تحدث الحقوقي المصري "حسام بهجت" عن تدوير المعتقلين على ذمة عدة قضايا خلال السنوات الأخيرة.

فتدوير القضايا، يحدث عندما توجه للمحتجزين اتهامات وجرائم مختلقة بزعم ارتكابها من محبسهم، لمزيد من التنكيل بهم وضمان تمديد فترات تجديد الحبس الاحتياطي أو كإجراء استباقي، حال أقرت المحكمة إخلاء سبيلهم.

ولم يعد الهدف الوحيد من الظاهرة، رفع مستويات التنكيل بعدد محدود من المحبوسين، مثل الناشطين السياسيين البارزين الذين يرفض الأمن الوطني أو الاستخبارات العامة إخراجهم من السجون، حتى بعد انتفاء الأسباب القانونية لذلك.

بل أصبح الهدف الرئيسي من عمليات التدوير المتتابعة، الالتفاف على الرأي العام الخارجي تحديداً، وخداع السفارات الأجنبية المتابعة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، وفق ما ذكر مراقبون.

ويشير المراقبون، إلى أن أغلب من يتم تدويرهم، يكون عبر قضايا جديدة، تدور أحداثها المزعومة، في تحريات الأمن الوطني، داخل السجون.

وتدعي هذه التحريات، أن هؤلاء المعتقلين يعقدون اجتماعات تنظيمية داخل السجن، ويتفقون على "أنشطة إجرامية"، ترمي إلى "قلب نظام الحكم".

وتمثّل هذه الاتهامات التي تدور وقائعها داخل السجن، ظاهرة جديدة متصاعدة في تحريات الأمن الوطني، وتحقيقات نيابة أمن الدولة العليا.

وينسف ذلك مصداقية وجدّية النظام المصري في إبداء أي بادرات لتقليل أعداد المعتقلين والإفراج عن المحبوسين، سواءً كانوا ناشطين سياسيين أو غير منتمين لأي تيار سياسي.

وفي طريقة أخرى للتدوير، دأبت السلطات، على إخلاء سبيل المعتقل على الورق فقط، ثم يقدم للنيابة العامة بمحضر جديد، وتحريات تفيد بتورطه في تهمة جديدة.

وفي هذه الطريقة، يتعمد الأمن الوطني، تغيير ملابس وأحراز المخلى سبيله، وتحرير محضر له في منطقة جغرافية ثانية، وذلك لخداع النيابة العامة والرأي العام، وإيهامهم بأنه عاد لممارسة نشاطه "الإجرامي والتخريبي"، بعد الإفراج عنه، حسب دعاوى الجهاز.

وهناك طريقة ثالثة، للتدوير، حيث يتم الإفراج عن المعتقل فعليا لعدة أيام أو أسابيع، ونشر خبر إطلاق سراحه في وسائل الإعلام، ثم القبض عليه مجددا، وتلفيق تهم جديدة له، على ذمة قضية جديدة.

وكانت هذه العمليات في البداية محصورة في السياسيين والناشطين المعروفين، أو الذين يتخذ النظام موقفاً عدائياً، وكان مفهوماً كذلك أن يتم افتعال قضايا بمثل تلك الاتهامات لهم، ليضمن النظام بقاءهم في السجون لأطول فترة ممكنة.

لكن تعميم تلك الاتهامات بوقائع "غير منطقية"، وفق مراقبين، على معظم المتهمين في القضايا ذات البعد السياسي، ينذر باستمرار حبس الآلاف من المواطنين غير المؤدلجين، والذين لا تساندهم منظمات حقوقية، إلى أجل غير مسمى.

كما أن مثل تلك الاتهامات تتناقض مع واقع أن معظم المتهمين الذين تمّ تدويرهم في القضايا الجديدة، محبوسون في سجون شديدة الحراسة، وبالأخص مجمع سجون طره (جنوبي القاهرة) وسجن الوادي الجديد (جنوبي البلاد).

ولكن مراقبين، قالوا إن السبب الوحيد للإبقاء على هذه الأعداد الضخمة من المعتقلين، هو إصرار النظام على توجيه رسالة إرهاب وتخويف للمحيط الاجتماعي للمعتقلين والامتدادات الاجتماعية لجماعة الإخوان والناشطين اليساريين.

ويوجد نحو ألفي سجين داخل السجون المصرية على الأقل، تخطوا المدة القصوى للحبس الاحتياطي، المقدرة بعامين، وفق تقارير حقوقية.

وتخشى مديرة الإدارة القانونية في مركز التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن "مي السعدني"، أن يكون تمديد الحبس الاحتياطي "إجراء عقابيا" تلجأ إليه السلطات لإسكات المعارضين منذ تولي الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، السلطة في العام 2014.

وتقول "السعدني": "يمكن لسجين يتوقع أن يتمّ الإفراج عنه بعد انتهاء فترة حبسه الاحتياطي أو على الأقل إحالته الى القضاء وبدء محاكمته، أن يتعرض في الواقع لإعادة تدوير الاتهامات الموجهة إليه في قضايا جديدة بدون حدود (..) لا نهاية في الأفق".

وتشعر "السعدني" بالقلق على السجناء المحبوسين وفقا لهذا النظام الذي لا يوجد آلية قانونية للاعتراض عليه.

وتقول "السعدني": "أصبح (طبيعيا) أن يتم حبس المتهمين احتياطيا بعد توقيفهم بدلا من إخلاء سبيلهم إلى حين محاكمتهم، وأصبح (طبيعيا) أن يُمنع المحامون من الاطلاع على ملفات القضايا والأدلة والتحقيقات، وأصبح (طبيعيا) أن يتم تمديد الحبس الاحتياطي".

ويشير مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعي "حسام بهجت"، إلى أن أزمة المحبوسين احتياطيا تحتاج إلى تطبيق القانون الموجود بالفعل الذي ينص على أن المدة القصوى للحبس الاحتياطي عامان، "ما يعني خروج الكثير من المعتقلين".

ويضيف "بهجت" أن "القانون لا يتم تطبيقه لأسباب سياسية.. الحبس الاحتياطي يتم استخدامه كأداة لغلق المجال العام ومعاقبة كل المعارضين".

ويرى "بهجت" أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يقوم بجهود فعلا لحل أزمة المحبوسين احتياطيا، "لكن للأسف النتيجة متواضعة للغاية، وإذا استمر هذا المنوال بالإفراج أو العفو عن 10 أشخاص كل سنة، فنحن سنحتاج 50 أو 60 عاما حتى يتم حل هذه الأزمة".

ويشير أيضا إلى أن إحالة المحبوسين احتياطيا إلى بدائل أخرى ينص عليها القانون بالفعل، مثل المتابعة أو منع الحركة على مستوى المحافظة أو متابعة مراكز الشرطة التابعين لها.

ويقول: "هناك بدائل للحبس الاحتياطي منصوص عليها بالفعل في القانون لكن كل هذه البدائل، لا تستخدمها النيابات او المحاكم، يتم استخدام الحبس الاحتياطي كأداة للعقوبة وليس للغرض الأصلي وهو حماية وسلامة التحقيقات أو منعهم من الهرب".

من جانبه، يقول عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان "محمد أنور السادات"، إن "الدولة كلها تعمل على حل موضوع ملف المحبوسين احتياطيا، سواء لجان البرلمان أو المجلس القومي لحقوق الإنسان".

ويضيف: "كلنا نعمل على إنهاء أوضاع الناس المحبوسين احتياطيا، إما بتحويلهم إلى المحاكم حتى تنظر في أمرهم وقضاياهم، أو بدائل حديثة يتم تطبيقها في دول أخرى مثل الاحتجاز في المنزل أو الأساور الإلكترونية، أو عدم مغادرة المحافظة المقيم فيها بعد الإفراج عنه أو الذهاب لقسم الشرطة التابع له وإثبات تواجده كل أسبوع".

ويعزو "السادات" عدم استخدام هذه البدائل خلال الأعوام الماضية، إلى ظروف وتوترات سياسية كانت ربما تحول دون تطبيقها.

ويوضح قائلا: "لكن حاليا الأوضاع مستقرة وأصبحت الأمور لا تحتمل تأخير هذا الملف".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر التدوير معتقلون مصريون سجون مصر السيسي

الأمن المصري يلجأ إلى تدوير القضايا لقمع المعارضين

مصر.. معتقلون يضربون عن الطعام احتجاجا على ظروف الاحتجاز القاسية

تقرير حقوقي مصري: تدوير 1764 محبوسا في قضايا جديدة خلال 4 سنوات