تراجع لبنان عن حدوده البحرية.. تسوية داخلية أم صفقة بنووي إيران؟

الاثنين 21 فبراير 2022 09:27 ص

شكّل إعلان لبنان تراجعه عن الخط الحدودي البحري 29 إلى 23 مفاجأة كبيرة قد تمهد لإتمام مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة الموفد الأمريكي "آموس هوكشتاين" إلى بيروت.

وزار "هوكشتاين" لبنان في 8 فبراير/ شباط الجاري، حيث التقى مسؤولين لبنانيين، وقال في أحد اللقاءات الصحفية إن مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل "في نهايتها" وإن التفاوض هو بين الخط 1 و23.

وجاءت زيارة الموفد الأمريكي في محاولة لإعادة تحريك المفاوضات بين الجانبين التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين أول 2022، ثم جُمدت في مايو/ أيار 2021، عقد خلالها 4 جلسات محادثات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية، دون التوصل إلى اتفاق.

وما بين الخطين 1 و 23 منطقة بحرية متنازع عليها بين بيروت وتل أبيب، تبلغ مساحتها 860 كلم مربع وتعد غنية بالنفط والغاز، إلا أن الوفد اللبناني قدم خلال إحدى جلسات التفاوض خريطة تقول إن حدود بلاده هي الخط 29 وتدفع باتجاه 1430 كلم إضافي لصالح لبنان.

الموقف اللبناني المستجد جاء وفق رئيس البلاد ميشال عون في 12 فبراير الجاري، حيث أعلن أن حدود لبنان البحرية هو الخط 23 وهو خط تفاوضنا الذي نتمسك به، وأن البعض طرح الخط 29 من دون حجج لبرهنته، وفق ما نقلت عنه صحيفة "الأخبار" اللبنانية (خاصة).

تبدّل الموقف اللبناني

موقف عون جاء مناقضا لما نُقل عنه سابقاً عن تمسكه بالخط 29، كما يخالف رأي الجيش اللبناني ووفده المفاوض الذي أصر سابقاً على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات، ما دفع برئيس الوفد المفاوض العميد الركن الطّيار "بسام ياسين"، في اليوم ذاته الى إصدار بيان ردّ حول ذلك.

وقال "ياسين"، في بيانه حينها، إن "الرئيس عون كان يؤكد دائماً خلال كافة الاجتماعات التي عقدها مع الوفد على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29، وكان يرفض حصر التفاوض بين الخط 1 و23 كما يطالب العدو الإسرائيلي".

كما اعتبر ياسين أن "الخط 23 غير تقني وغير قانوني وتشوبه الكثير من العيوب".

وما بين هذا وذاك، يرى مراقبون أن ثمة "تسوية إقليمية" تلوح بالأفق قد تكون وراء التبدل المفاجئ بالموقف اللبناني، فيما يرجح خبراء أن تكون المصالح السياسية الداخلية وراء هذا التطور الذي يأتي على أعتاب الانتخابات في لبنان.

مفاوضات فيينا

وقال العميد المتقاعد جورج نادر، من "جبهة 17 تشرين" المعارضة، إن موقف عون هو "إعلان رسمي بالتخلي عن 1430 كلم من المياه اللبنانية".

وأعرب نادر عن تخوفه من "صفقة أمريكية - إيرانية على حساب لبنان، تزامناً مع المفاوضات النووية في فيينا".

وأشار إلى أن "الجيش بحرفيته وتقنياته العالية رسم الخط 29 كحد فاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهذا كان رأي المعهد البريطاني للعلوم ومياه البحار، وكذلك اتفاقية بوليه نيوكومب (الحدودية) بين فرنسا وبريطانيا عام 1921، واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949".

موقف حزب الله

ولفت نادر إلى أن "التنازل للعدو الإسرائيلي عن أرض يعد خيانة وطنية"، واصفاً "موقف حزب الله حيال هذا الملف بالملتبس والمشبوه، خصوصا أن حليفه هو رئيس الجمهورية ميشال عون، وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري".

واعتبر أن "لبنان ليس لديه حرية القرار ولا يمكننا مفاوضة إسرائيل وقتما نشاء، ولا حتى القدرة على ذلك، لأننا دولة خاضعة لإيران، سواء رضينا بذلك أم لا".

وعن موقف "حزب الله"، قال نادر إن "الحزب أعلن أنه يقف خلف الحكومة بهذا الملف، لكن السؤال لماذا لم يقف خلفها عندما تدخل في الحرب السورية (لصالح نظام الأسد)، وفي البحرين، والعراق، وعندما راح يصنع المسيرات والصواريخ".

تأكيد التراجع

موقف عون الأخير، كرره وزير الخارجية اللبناني "عبد الله بو حبيب"، الجمعة، عندما قال لصحيفة "الجمهورية" المحلية إن "خط 23 هو الذي يحقق مصلحة لبنان، وأن التمسك بالخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة".

ونقلت الصحيفة عن "بو حبيب" أنه تواصل مع مسؤولين في "حزب الله" قبل زيارة هوكشتاين الأولى إلى لبنان في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وسمع منهم أن "ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة".

وأكثر من مرة، أكد أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، أن جماعته لا تتدخل بعملية ترسيم الحدود، وتمضي بما تقرر الحكومة اللبنانية بهذا الشأن.

وفي 8 فبراير/شباط الجاري، قال نصرالله في حديث تلفزيوني: "نحن کمقاومة لا نتدخل في موضوع ترسيم الحدود، لأنه ‏بالنسبة لنا، لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، ‏لنذهب ونکون جزءاً من الترسيم معها".

وأضاف حينها أن "موضوع ترسيم الحدود تقرره الدولة اللبنانية، ونحن كمقاومة نلتزم بهذه الحدود التي تقبل بها وتقررها مؤسسات الدولة".

الترسيم مقابل الطاقة

من جانبه، اعتبر المحلل والكاتب السياسي "منير الربيع"، أن حصول لبنان على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، سيكون مرتبطاً بإتمام عملية ترسيم الحدود البحرية.

وكان وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر وسوريا اتفقوا مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، على "خريطة طريق" لإمداد لبنان بالكهرباء، لحل أزمة طاقة حادة يعاني منها منذ شهور.

ولفت "الربيع" إلى أن إعفاء لبنان والدول المصدرة للطاقة أي مصر والأردن من عقوبات قانون "قيصر" (تفرضه واشنطن على النظام السوري) مرتبط بإتمام ملف ترسيم الحدود.

وقال "الربيع" إن "الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين، أبلغ بطريقة أو بأخرى المسؤولين اللبنانيين موقفا واضحا مفاده، أن ترسيم الحدود يؤدي إلى تسهيل إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان".

وعن تراجع لبنان عن الخط 29، لفت "الربيع" الى أن حسابات سياسية داخلية قد تكون خلف ذلك، لتسريع ترسيم الحدود، خصوصاً أننا على مشارف الانتخابات النيابية والرئاسية في لبنان.

واعتبر الربيع أن "ثمة همّ أساسي للرئيس عون، وهو أنه يريد أن ينجز عملية ترسيم الحدود في عهده (ينتهي أواخر أكتوبر 2022)، كي يعلن إطلاق عمليات التنقيب عن النفط والغاز".

عقوبات باسيل

كما أن لرئيس البلاد "همٌّ أساسي آخر وهو رفع العقوبات الأمريكية عن (صهره) جبران باسيل، واستعادة عدد من الأوراق القوية داخلياً قبيل موعد الانتخابات"، على حد قول منير "الربيع".

ولفت المتحدث إلى أن "التيار الوطني الحر (حزب عون) يسعى للحفاظ على مقاعده ووجوده في الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، أو حصول تمديد للمجلس النيابي ولولاية رئاسة الجمهورية، أي أنها حسابات ومصالح سياسية بحتة خلف ذلك".

لكن "الربيع" استبعد أن "تكون التسوية قد اقتربت حالياً، ويربطها بمسار المفاوضات في فيينا، والاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران".

وقال: "لا حل لهذا الملف قبل الوصول الى اتفاق إقليمي يتعلق بالاتفاق النووي الذي سينعكس على الداخل اللبناني وعلى ملف ترسيم الحدود".

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

لبنان حزب الله ميشال عون إسرائيل

3 رسائل سياسية واقتصادية وراء زيارة عبداللهيان إلى لبنان