العلاقات الإماراتية الصينية.. إبحار هادئ وسط أمواج أمريكية عاتية

الأربعاء 23 فبراير 2022 08:50 م

بخطى ثابتة ومحسوبة، تمضي الإمارات والصين في تطوير علاقاتهما السياسية والاقتصادية والعسكرية، دون الالتفات إلى إشارات الغضب الأمريكية التي تصدر بين الحين والآخر من أجل تحجيم وربما إفساد تلك العلاقات.

فمنذ سنوات لم تتوقف محاولات التنين الصيني لأن يجد موطأ قدم في منطقة الشرق الأوسط وخاصة بالخليج العربي حيث نفوذ أمريكا الواسع بأوراقها السياسية المتنوعة وقواعدها العسكرية المنتشره في مياه الخليج.

وبالفعل تمكنت الصين في السنوات القليلة الأخيرة من التسلل رويدا رويدا إلى المنطقة لا سيما في الجانبين الاقتصادي والعسكري، مستغلة عوامل عدة، أبرزها محاولة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" رفع يده عن المنطقة تزامنا مع انشغاله بمعاركه الجانبية التي لم تتوقف يوما ما خلال مدته الرئاسية التي دامت 4 سنوات.

ورغم أن الرئيس الحالي "جو بايدن" حاول منذ توليه السلطة أوائل العام الماضي، أن يعيد للولايات المتحدة هيبتها وسطوتها في الشرق الأوسط وخاصة الخليج، إلا أن مساعيه جاءت بعد أن رسخت الصين أقدامها في المنطقة، عبر التعاون في مجالات عدة مع كل من السعودية والإمارات.

تعاون عسكري

أحدث تلك الخطوات كان إعلان وزارة الدفاع الإماراتية، الأربعاء، اعتزامها التعاقد مع شركة "كاتيك" الصينية لشراء 12 طائرة من طراز "إل 15"، إضافة إلى وجود خيار لإضافة 36 طائرة من نفس الطراز في المستقبل، ما يعني أن الإجمالي قد يصل إلى 48 طائرة.

وفي إشارة إلى جدية الصفقة، قال الرئيس التنفيذي لمجلس التوازن الاقتصادي "طارق عبدالرحيم الحوسني"، إن بلاده وصلت إلى المراحل النهائية في المفاوضات مع الجانب الصيني، حيث سيتم إبرام اتفاق نهائي قريبا.

وأكد أهمية تلك الصفقة لحصول الإمارات على أفضل القدرات التي تتلاءم مع احتياجاتها وتحقق أهدافها الاستراتيجية.

وتأتي الصفقة رغم إعلان أمريكا نشر بارجة ومقاتلات في أبوظبي لمساعدة الدولة الإماراتية، على التصدي لهجمات الحوثيين المدعومين من إيران والذين شنوا ثلاث هجمات استهدفت الإمارات في يناير/كانون الثاني 2022، بينها هجوم في السابع عشر منه نفّذ بواسطة طائرات مسيّرة وصواريخ وأوقع 3 قتلى في أبوظبي.

وفي ذلك إشارة من الإمارات إلى أن تعاونها مع الصين ماض في طريقه رغم محاولات أمريكا تعويض أبوظبي عن صفقة مقاتلات "إف-35" التي لم تتم إلى اليوم.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت الدولة الخليجية الغنية تعليق المباحثات مع الأمريكيين بشأن الحصول على حوالي 50 طائرة من طراز "إف-35"، وذلك احتجاجاً على شروط اعتبرتها أبوظبي شديدة الصرامة.

وصفقة الطائرات ليست التعاون العسكري الأول بين الإمارات والصين، ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقعت أبوظبي اتفاقا مبدئيا مع شركة "نورينكو" الصينية لصناعة الطائرات بدون طيار على هامش معرض إكسبو.

كما أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن وكالات الاستخبارات الأمريكية اكتشفت، أن الصين كانت تبني سرا ما يشتبه منشأة عسكرية في ميناء في الإمارات.

وقادت "صور الأقمار الصناعية السرية التي حصل عليها المسؤولون الأمريكيون، الربيع الماضي، إلى استنتاج أن الصينيين كانوا يبنون منشآت عسكرية في الميناء".

وبعد جولات من الاجتماعات والزيارات لمسؤولين أمريكيين إلى الإمارات، توقف البناء في تلك المنشأة تحت وطأة الضغوط الأمريكية.

ورغم توقف البناء في المنشأة، إلا أن الكشف في حد ذاته بين أفق التعاون العسكري الإماراتي الصيني، إذ وصل إلى بناء قواعد عسكرية تضاهي وتنافس القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج.

تعاون اقتصادي

وبالإضافة إلى التعاون العسكري، تضاعف حجم التعاون الصيني العربي والخليجي، وتحديدا مع السعودية والإمارات في السنوات الأخيرة، ما يكشف رغبة بكين في تواجد متعدد الأبعاد والمجالات بالمنطقة.

إذ باتت الصين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية في النصف الأول من عام 2020؛ إذ تجاوز التبادل التجاري بين الجانبين 115 مليار دولار، منها شراكات استراتيجية شاملة مع 12 دولة عربية.

وجعلت الحكومة الصينية "مبادرة الحزام والطريق" جزءا رئيسيا من خطة انتشارها الإقليمي في المنطقة، وهي المبادرة التي تهدف إلى توسيع التجارة العالمية من خلال إنشاء شبكات من الطرق والموانئ والمرافق الحيوية الأخرى عبر دول عديدة في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا.

ووفق تقرير نشرته وكالة "بلومبرج"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، باتت المخاوف من إجبار دول الخليج، وخاصة الإمارات والسعودية، على الاختيار بين الولايات المتحدة، شريكها الاستراتيجي الرئيسي، والصين، أكبر زبون لها في مجال الطاقة، تضاهي التهديدات المنبثقة من إيران والجماعات الإسلامية التي تتراوح من "الإخوان المسلمون" إلى تنظيم "القاعدة".

وتكشف هذه المخاوف الكثير عن الحقائق غير المؤكدة حول النفوذ في منطقة تعد بمثابة المركز لقطاع الطاقة في العالم.

ففي الوقت الراهن، وفق "بلومبرج"، تحتاج دول الخليج إلى دعم أمني خارجي، والولايات المتحدة فقط يمكن أن توفره بشكل فعال؛ لذلك تظل ملتزمة بالحفاظ على واشنطن كشريك استراتيجي رئيسي لهم.

لكن هناك ضرورات أخرى؛ فدول الخليج تحتاج إلى الصين كزبون رئيسي لنفطها، ومن أجل خططتها التنموية المتصاعدة، كما تحتاج أيضا إلى التأكد من أن إيران، التي تعمل على ترسيخ شراكة مع بكين، لن تطور علاقة حصرية مع الصين في المستقبل.

غضب أمريكي

ولا شك أن هذا التغلل الصيني أغضب الولايات المتحدة التي تسعى لمنع صعود الصين بشكل عام وفي منطقة الخليج بشكل خاص، وهي مهمة تأمل واشنطن في تحقيقها من خلال إقناع أو إجبار أصدقائها، بما في ذلك الإمارات، بتقليص تعاملاتهم مع بكين.

وكانت العلاقات بين واشنطن وأبوظبي توترت عندما ذكرت وكالات الاستخبارات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن الصين كانت تبني سرا منشأة عسكرية في ميناء في الإمارات، مما دفع إدارة "جو بايدن" لـ"إرسال تحذير" للمسؤولين الإماراتيين بأن الوجود العسكري الصيني في الإمارات يمكن أن يضر بشكل دائم بالعلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات، مما اضطر الأخيرة لوقف البناء في المنشأة.

كما يشعر المسؤولون الأمريكيون بقلق متزايد بشأن تقارب الصين مع دول الخليج خصوصاً في مجال تقنية المعلومات، حيث تعدّ الدولة الآسيوية بالفعل أكبر شريك تجاري في المنطقة الغنية بموارد الطاقة.

وأواخر العام الماضي، طلب الكونجرس الأمريكي من وكالة المخابرات المركزية (CIA)، تقديم تقرير عن التكنولوجيا الدفاعية والأمنية وأشكال التعاون الأخرى بين الصين والإمارات.

كما طلب النواب الأمريكيون من الاستخبارات تقييما ربع سنوي للإجراءات التي اتخذتها السلطات الإماراتية لحماية التكنولوجيا الأمريكية من الانتقال إلى الصين، وما إذا كان يمكن الاعتماد على أي ضمانات تقدمها أبوظبي في هذا الصدد.

وفي يونيو/حزيران الماضي، كشفت وكالة "بلومبرج" الأمريكية أن الإدارة الأمريكية تضغط على الإمارات لدفعها إلى التخلي عن الاستعانة بشركة "هواوي" الصينية في شبكتها للاتصالات، ملوحة بحرمان أبوظبي من صفقة مقاتلات "إف-35".

وأشار التقرير إلى أن وجود "هواوي" في الإمارات من شأنه أن يتيح للصين التجسس على الطيارين وسواهم في القواعد التي توجد فيها الطائرات.

والولايات المتحدة والصين على خلاف بشأن النفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادي وممارسات بكين الاقتصادية، وفي ما يتعلق بهونج كونج وتايوان وحقوق الإنسان في إقليم شينجيانج الصيني.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الخليج الإمارات الصين السعودية التعاون العسكري صفقة طائرات

أسلحة التحكم في الدماغ الصينية قد تصل للإمارات.. وعلى الولايات المتحدة أن تتصدى لهذا الخطر

صفقة هواوي.. هكذا تضغط الإمارات على أمريكا بتعميق التعاون مع الصين

الإمارات: التجارة غير النفطية مع الصين زادت 78.5% في 10 سنوات