الإمارات وصربيا.. علاقات متنامية وارتباط جيوسياسي بين البلقان والشرق الأوسط

الخميس 24 فبراير 2022 06:21 م

في يناير/كانون الثاني الماضي، منح رئيس الإمارات الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان" وسام الاستقلال من الطبقة الأولى للسفير الصربي لدى الإمارات "ستانيمير فوكيفيتش" تقديرًا لمساهماته في تعزيز العلاقات الإماراتية الصربية. ولا يعد ذلك مفاجأة للمراقبين الذي يتابعون تطور العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية بين البلدين لدرجة أن الإمارات تعتبر الآن "الصديق الأفضل لصربيا في العالم العربي".

تاريخ من العداوة

منذ وقت ليس ببعيد، لم تكن صربيا والإمارات أفضل الأصدقاء؛ فخلال حرب 1992-1995 في البوسنة والهرسك، دعمت الإمارات المسلمين في البوسنة في خضم دفاعهم عن أنفسهم ضد المتمردين الصرب المدعومين من صربيا المجاورة.

وساهمت الأسرة المالكة الإماراتية بسخاء في القضية البوسنية، وتبرع الرئيس الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان" بأكثر من 10 ملايين دولار، وساهم وزير الدفاع الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" بنحو 15 مليون دولار.

وبعد 3 سنوات، شنت القوات الصربية هجوما عسكريا ضد ألبان كوسوفو الساعين إلى الاستقلال في عام 1998. ومرة أخرى، وجدت صربيا والإمارات نفسيهما على جانبين مختلفين؛ حيث دعمت الإمارات بقوة حملة قصف الناتو ضد صربيا.

وأرسلت الإمارات حوالي 1500 جندي إلى مقاطعة كوسوفو كجزء من بعثة قوات حفظ السلام. وعندما أعلنت كوسوفو الاستقلال عام 2008، أصبحت الإمارات أول دولة عربية تعترف بالجمهورية، مما أغضب صربيا وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية الناشئة بين بلغراد وأبوظبي.

تقارب المصالح

إذن، ما الذي يفسر علاقاتة البلدين الوثيقة اليوم؟ انقلبت العلاقات بشكل دراماتيكي في عام 2013 بعد زيارة قام بها ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات "محمد بن زايد" إلى بلجراد.

في ذلك الوقت، كانت صربيا تعاني من الديون ومعدلات البطالة المرتفعة، مع تخلف الصناعة لديها عن الاتحاد الأوروبي، وكانت صربيا متعطشة للاستثمارات الأجنبية لدعم اقتصادها المريض.

وفي الوقت نفسه، كانت الإمارات تبحث عن طرق لتنويع اقتصادها وعرضت صربيا فرصة لكسب موطئ قدم في السوق الأوروبية وتأمين الوصول ​​إلى صناعة الأسلحة اليوغوسلافية التي كانت عظيمة ذات يوم.

وسرعان ما اعترف البلدان بالفوائد المتبادلة التي سيجلبها تحسن العلاقات. وفي فترة زمنية قصيرة نسبيًا، توسعت شراكتهما المتنامية إلى الطيران والبناء والزراعة والدفاع. وارتفعت الاستثمارات الإماراتية في صربيا من 300 ألف يورو في عام 2010 إلى 180 مليون يورو في عام 2018.

واشترت شركة "طيران الاتحاد" الإماراتية المملوكة للدولة 49% من شركة الطيران الصربية "آير صربيا"، وحصلت على عقد إداري مدته 5 سنوات. واستفادت "الاتحاد" من الطرق الجوية الخاصة بـ"آير صربيا" في وسط وشرق أوروبا من خلال اتفاقيات تشارك الأكواد.

وبالرغم أن حصة الإمارات في "آير صربيا" انخفضت من 49% إلى 18% خلال الوباء، إلا أن أبوظبي لا تزال لاعبًا مهمًا.

فرص متبادلة

في عام 2015، قامت شركة إماراتية بعقد صفقة لتطوير مشروع عقاري بقيمة 3.5 مليار يورو على طول أراضٍ مجاورة لنهر في بلجراد، وتم تقديم القروض التي يبلغ مجموعها أكثر من مليار دولار إلى صربيا مع شروط سداد سخية.

وبما أن الأمن الغذائي كان دافعًا رئيسيًا خلف استثمارات الإمارات، استثمرت شركة "الظاهرة" التي تتخذ من أبوظبي مقرًا لها 400 مليون دولار في العديد من مزارع الحقبة الاشتراكية المفلسة في جميع أنحاء صربيا لإنتاج القمح والأعلاف.

أما بالنسبة لقطاع الدفاع، ففي عام 2013 أبرمت شركة "يوجو امبورت اس دي بي ار"، وهي أكبر شركة دفاع في صربيا، وشركة "الإمارات للأبحاث والتكنولوجيا القابضة" اتفاقية بقيمة 267.8 مليون دولار للتطوير المشترك لنظام الصواريخ الهجومي المتقدم  "ALAS"، وهو نظام دفاع صاروخي مضاد للدبابات.

وارتفعت التجارة الثنائية بين البلدين من 31.2 مليون دولار عام 2014 إلى 83.2 مليون دولار عام 2017 ثم 184 مليون دولار عام 2018.

وبين عامي 2010 و 2019، كانت الإمارات رابع أكبر مصدر أجنبي للاستثمار مباشر في صربيا بعد الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.

ويحاول رئيس صربيا "ألكساندر فوتشيتش" محاكاة نهج رجل الدولة اليوغوسلافي القوي "جوسيف بروز تيتو" بعدم الانحياز في الشؤون الخارجية من خلال مغازلة جميع الجهات الفاعلة العالمية الرئيسية.

وبالنسبة إلى صربيا، تشكل الشراكات مع لاعبين غير غربيين مثل الإمارات وتركيا والصين وروسيا جزءًا من سياستها الخارجية التي تركز على التحوط في رهاناتها والسعي إلى تدفقات رأس المال الأجنبي لدعم اقتصادها المضطرب.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، سافر رئيس صربيا "فوتشيتش" إلى البحرين وأعرب عن رغبته في ترسيخ علاقات سياسية وتجارية أقوى مع المملكة علي غرار الإمارات. وبالتالي، فإن علاقة صربيا مع أبوظبي تفتح أبوابًا جديدة لبلغراد وتقدمها لشركاء اقتصاديين جدد في الشرق الأوسط.

أهداف جيوسياسية

اشترت الإمارات كميات كبيرة من الأسلحة من صربيا وقد انتهى بعضها إلى سوريا واليمن. وتربح صربيا من خلال بيع أسلحتها في أسواق الشرق الأوسط، بينما تستفيد الإمارات من مصدر لأسلحة يمكن  توزيعها على حلفائها في مختلف النزاعات الإقليمية.

أما مع الأسلحة الأوروبية، فإن قواعد إعادة التصدير تكون أكثر صرامة، وهو ما أوقع الإمارات في مشاكل في الماضي، مثلما تجلى عام 2012 عندما أوقفت سويسرا لفترة وجيزة جميع تراخيص تصدير الأسلحة إلى أبوظبي بعد أن كشفت تقارير أن القنابل اليدوية المصنعة في سويسرا والتي تم بيعها إلى الإماراتيين، تم العثور عليها في أيدي الجماعات المتمردة في سوريا.

أما رجل الظل الذي يقف خلف تدفق الاستثمارات الإماراتية فهو رئيس الأمن الوقائي السابق في غزة "محمد دحلان"، وهو عنصر حيوي في تجديد العلاقات بين البلدين، وكان دوره مهمًا لدرجة أن حكومة صربيا منحته الجنسية.

وفي أبريل/نيسان 2013 قام الرئيس الصربي السابق "توميسلاف نيكوليتش" وهو حليف رئيسي لـ"فوتشيتش" بمنح "دحلان" ميدالية العلم الصربي "لمساهمته في تنمية العلاقات الودية بين صربيا والإمارات".

وأعلن المسؤولون الصرب بفخر أن اهتمام الإمارات بصربيا دليل على أن البلاد أصبحت لاعبًا إقليميًا رئيسيًا. ومع ذلك، فإن العوائد المالية أو المناورة السياسية ليست الدافع الوحيد لاهتمام الإمارات بصربيا.

صحيح أن هناك علاقات شخصية جيدة بين القادة الصرب والإماراتيين، إلا أن المراقبين ذكروا أن هناك أهدافًا جيوسياسية تكمن وراء انخراط الإمارات في صربيا، وفي منطقة البلقان بشكل عام.

منافسة تركيا

ومن أهداف انخراط الإمارات في صربيا هو تركيا؛ فلطالما كانت أنقرة لاعبًا رئيسيًا في البلقان. وتسعى أبوظبي لمنافسة أنقرة في هذه المنطقة. ففي ظل حكم حزب "العدالة والتنمية"، استثمرت تركيا موارد كبيرة لكسب نفوذ سياسي واقتصادي وثقافي في البلقان. واستعادت أنقرة العشرات من مواقع التراث الثقافي العثماني، وقدمت مئات المنح الدراسية الجامعية، ودشنت مشاريع كبيرة في البنية التحتية. كما افتتح رجال الأعمال والجمعيات التركية الخاصة العديد من الجامعات والمدارس والشركات.

وبالرغم من العداوات القديمة ودعم أنقرة القوي لاستقلال كوسوفو، أصبحت تركيا واحدة من أهم الشركاء التجاريين لصربيا. وفي 2019، أصبحت صربيا أكبر شريك تجاري لتركيا في غرب البلقان، وقفز عدد الشركات التركية العاملة في صربيا من 130 في عام 2015 إلى 800 في عام 2020.

وتسعى الإمارات إلى استخدام علاقاتها الوثيقة واستثماراتها الاستراتيجية في صربيا لمنع منافستها من إنشاء موطئ قدم لبسط نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في البلقان. ويمكن القول أن أنماط العداوة والتقارب التي تهيمن على معظم الشرق الأوسط تتسرب إلى البلقان.

وهكذا، يطرح تزايد النشاط الإماراتي في البلقان، وخاصة في صربيا،استنتاجا مهما وهو أن الأهداف الجيوسياسية خلقت روابط عميقة بين البلقان والشرق الأوسط.

المصدر | هارون كارشيتش/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صربيا الإمارات العلاقات الإماراتية الصربية منافسة الإمارات وتركيا دحلان البلقان المنافسة الرماراتية التركية

طرد صحفية يسلط الضوء على تواطؤ الإمارات مع الهند في قمع المسلمين

شراكة صربيا وG42.. هل انتهى شهر العسل بين الإمارات والصين؟

بن زايد ورئيس صربيا يبحثان سبل تعزيز العلاقات الثنائية

توقيع شراكة استراتيجية شاملة و5 اتفاقات بين الإمارات وصريبا

تنافس تركي سعودي على البلقان.. من يمتلك الأفضلية؟