غزو أوكرانيا وحصار قطر.. الطموح الإمبراطوري لدى بوتين وبن سلمان

الجمعة 25 فبراير 2022 02:25 م

يحمل الصراع بين روسيا وأوكرانيا تشابها لافتا مع الموقف الذي كان محتملا للغاية بين السعودية ودول أخرى في الخليج العربي. وفي كلتا الحالتين، هناك قوة إقليمية كبرى تبذل جهودا لاستعادة سيطرتها على الحلفاء التابعين سابقا والمصممين الآن على الانفصال عن قبضتها الإمبريالية.

وفي حالة روسيا، يحلم الرئيس "فلاديمير بوتين" باستعادة بعض مجد الاتحاد السوفيتي السابق عندما حكمت موسكو 15 "جمهورية" أصبحت جميعها الآن دولا مستقلة، بالاسم على الأقل.

وبالمثل، يريد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" إعادة ترسيخ الهيمنة السعودية على مجلس التعاون الخليجي الذي يتكون من 6 ممالك عربية يتجه أعضاؤها بشكل متزايد إلى التصرف باستقلالية.

وبالفعل، رسمت اثنتان من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الإمارات وقطر، سياسات خارجية مستقلة بشكل كبير عن سياسات السعودية. وتبنت دولتان أخريان، وهما عُمان والكويت، موقفا محايدا في الصراع من أجل الهيمنة الإقليمية بين السعودية وإيران. وظلت البحرين وحدها حليفا مخلصا إلى حد كبير للمملكة بسبب امتنان الأسرة السنية الحاكمة في المنامة للتدخل العسكري السعودي الذي أنقذها من انتفاضة شيعية عام 2011.

وفي حين لم يتعرض مجلس التعاون الخليجي للانهيار تماما كما حدث مع الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكنه بقي مجرد هيكل لا معنى له بالنظر إلى الهدف الطموح المتمثل في تحويله إلى نسخة خليجية من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" مجتمعين.

وخلال الأسابيع الماضية، كان حشد "بوتين" للقوات الروسية حول أوكرانيا مشابها للحصار البري والبحري والجوي الذي قادته السعودية ضد قطر. وفي كلتا الحالتين كان هناك لجوء إلى تكتيك متطرف ومحفوف بالمخاطر.

ومن يونيو/حزيران 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2021، تعرضت قطر لضغوط هائلة للاستسلام للوصاية السعودية على سياستها الخارجية، كما سعت الرياض للإطاحة بحاكم قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني". وبالمثل، فإن "بوتين" عازم على الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي للغرب "فولوديمير زيلينسكي".

وأصبح سعي ولي العهد لاستعادة القيادة السعودية في مجلس التعاون الخليجي أكثر إلحاحا بينما يشاهد جارا آخر، وهو اليمن، يتفلت أيضا من الفلك السعودي إلى الفلك الإيراني.

وحتى الآن، أدت 7 أعوام من الحرب الأهلية بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والقوات اليمنية المدعومة من السعودية إلى زيادة نفوذ إيران بشكل كبير وإزاحة السعودية كقوة مهيمنة هناك.

ومثل روسيا في وسط أوروبا، تبرز السعودية كقوة إقليمية عظمى بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، مع عدد سكان أكبر من جميع الممالك الأخرى مجتمعة وأكبر اقتصاد في العالم العربي بأسره.

كما أن السعودية قوة نفطية ومالية رائدة في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن المملكة هي مهد الإسلام وموطن أقدس مسجدين في الإسلام، ما يمنحها قوة ناعمة هائلة.

وتعد السعودية هي أقدم دولة بين دول مجلس التعاون الخليجي. ويعود تاريخ المملكة الحالية إلى عام 1932، بينما استقلت الكويت عام 1961، واستقلت الدول الأخرى بعد عقد من الزمن.

نجاحات وإخفاقات سعودية

وفي البداية، كانت باقي الدول الخليجية راضية عن اتباع خطى "الأخ الأكبر" السعودي، أو على الأقل تجنب تحديها بشكل مباشر. لكن بدأ هذا يتغير في منتصف التسعينيات، عندما اتخذت قطر خطواتها الأولى في بناء دور مستقل لنفسها عن السعودية.

وتسارع هذا الاتجاه بشكل كبير مع انتفاضات الربيع العربي عام 2011، حيث اتخذ أعضاء مجلس التعاون الخليجي مسارات مختلفة تجاه الصراعات الداخلية على السلطة في أماكن أخرى من العالم العربي.

وانعكست رؤية ولي العهد السعودي لمجلس التعاون الخليجي الموحد بقيادة سعودية في "إعلان الرياض" الختامي للقمة الخليجية الأخيرة التي عُقدت في العاصمة السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ودعا "بن سلمان" إلى "التكامل الاستراتيجي" للسياسات الاقتصادية والدفاعية والأمنية لجميع الأعضاء، كما دعا المجلس الأعلى للكتلة إلى مضاعفة جهوده لتحقيق "الوحدة الاقتصادية الكاملة" بحلول عام 2025.

وقام "بن سلمان" بجولة في دول الخليج الأخرى لتقديم نفسه كرجل دولة جدير بقيادة مجلس التعاون الخليجي قبل القمة مباشرة، ومن ثم ذهب إلى قطر لمداواة جراح الحصار الذي دام 42 شهرا.

وتتمتع القيادة السعودية بسجل متقلب منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981 لمواجهة الثورة الإسلامية الإيرانية التي سعت علانية إلى الإطاحة بالنظم الملكية العربية.

وواجه الملوك السعوديون مقاومة مستمرة في سعيهم لتأسيس سوق وعملة مشتركة على النمط الأوروبي ووضع هيكل دفاعي مشترك تحت قيادة المجلس. ودعمت الولايات المتحدة خططا خاصة لنظام دفاع جوي متكامل ضد الصواريخ الإيرانية، لكن ذلك لم يحدث أبدا.

وكان العائق الرئيسي أمام كل جهود الوحدة التي تقودها السعودية هو عدم استعداد الملكيات العربية الأخرى للتنازل عن صنع القرار والسيادة لصالح الحكام السعوديين.

ومع ذلك، فقد نجحت دول مجلس التعاون الخليجي، في بعض الأحيان، في العمل معا تحت القيادة السعودية. وتم اقتراح مبادرتي سلام من جامعة الدول العربية تجاه سرائيل، واحدة عام 1981 والأخرى عام 2002، وخرجت المبادرتان من ملوك سعوديين بدعم من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

وكذلك توسط السعوديون فيما يسمى بـ"اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية بين الفصائل اللبنانية المتحاربة عام 1989. كما قاد السعوديون جهود مجلس التعاون الخليجي لكسب الدعم الدولي للإطاحة بـ "معمر القذافي" عام 2011؛ انتقاما لتورط الزعيم الليبي في مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي الراحل "عبدالله بن عبد العزيز".

لكن منذ أن أصبح "بن سلمان" وليا للعهد في يونيو/حزيران 2017، شهدت السعودية محاولات متكررة لإظهار القوة والنفوذ على حساب جيرانها.

وبعد 7 أعوام من الغزو الذي قادته السعودية في اليمن، لا تزال العاصمة صنعاء في أيدي الحوثيين، وكذلك الشمال المكتظ بالسكان. وأثبت حصار قطر، حتى بدعم من الإمارات والبحرين ومصر، أنه كان خيارا فاشلا. وربما كانت الضربة الأكثر تدميرا للطموحات السعودية هي فشل "بن سلمان" في إقناع معظم شركائه في مجلس التعاون الخليجي بتبني سياسة المواجهة، بدلا من التكيف أو التعاون، تجاه إيران.

وتفضل قطر، التي تشترك في حقل غاز ضخم مع إيران، التعاون. بينما أظهرت الكويت وسلطنة عُمان تفضيلا واضحا للهدوء. بل حتى الإمارات، التي لديها نزاع إقليمي طويل الأمد مع إيران على 3 جزر في الخليج، لم تظهر رغبة كبيرة في المواجهة.

واستخدم "بوتين" و"بن سلمان" تكتيكات مختلفة تماما، حيث استخدم الأول القوة العسكرية ولجأ الثاني إلى الحصار، في محاولة لمعاقبة وإخضاع حليف تابع سابقا. وبالرغم أن مجلس التعاون الخليجي له تاريخ مختلف تماما عن تاريخ الاتحاد السوفيتي، لكن هذين "المستبدين" متشابهان في موقفهما الإمبريالي القاسي تجاه جيرانهما الأصغر.

لقد فشل "بن سلمان" في محاولته كبح جماح قطر، فيما يحقق "بوتين" نجاحا أكبر. لكن لا يبدو أن الأمور تسير لصالح بناة الإمبراطوريات الجدد في أوروبا أو الشرق الأوسط.

المصدر | ديفيد أوتاواي/مركز ويلسون - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصراع الروسي الأوكراني حصار قطر محمد بن سلمان فلاديمير بوتين مجلس التعاون الخليجي الاتحاد السوفيتي الاتحاد الأوروبي الإمبريالية

صفقة بين السعودية وبولندا لتقويض نفوذ النفط الروسي

حبل دقيق تسير عليه دول الشرق الأوسط في التعامل مع الأزمة الأوكرانية

حمد بن جاسم يدعو دول الخليج للاستفادة من درس أوكرانيا

رفضا تسييس الطاقة.. اتصال هاتفي بين بوتين وبن سلمان