أوكرانيا مقابل الحوثيين.. صفقة إماراتية روسية ومآرب أخرى

الأربعاء 2 مارس 2022 10:04 ص

يثير الموقف الإماراتي من الغزو الروسي لأوكرانيا، العديد من علامات الاستفهام، حول توجهات أبوظبي تجاه الأزمة المتصاعدة أوروبيا وعالميا.

وإلى الآن لم يشارك البلد الخليجي الغني بالنفط في أية عقوبات ضد روسيا، كما لم يدل بأية تصريحات مناوئة لموسكو، وسط إشارات نحو التزام الصمت، أو الظهور في صورة الحياد تجاه الحرب الدائرة هناك.

وتقف أسباب عدة وراء الموقف الإماراتي، لاسيما في ظل فتور كبير يشوب العلاقات بين أبوظبي وواشنطن، منذ قدوم إدارة الرئيس "جو بايدن" إلى سدة الحكم في البيت الأبيض.

دبلوماسية إماراتية

أشبه بمن يحاول مسك العصا من المنتصف، امتنعت الإمارات، عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، وحثت على إنهاء العنف من خلال الحوار.

ولاحقا، حذر مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية "أنور قرقاش"، من أن الاصطفاف والتموضع لن يفضي إلا إلى مزيد من العنف، قائلا عبر "تويتر"،  إن أولويات بلاده إزاء الأزمة الأوكرانية، تشجيع جميع الأطراف لتبنّي الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة.

وفي إشارة ذات مغزى، جاء اتصال ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، الأسبوع الجاري، مؤكدا له حق روسيا في ضمان أمنها الوطني، وفق بيان صادر عن الكرملين.

وطالبت صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية، محرريها بعدم الإشارة إلى العملية العسكرية في أوكرانيا بالغزو.

كذلك امتنعت أبوظبي عن المشاركة في حملة العقوبات ضد موسكو، بل إنها أعلنت عزم شركات الطيران بها على مواصلة تسيير رحلاتها إلى المدن الروسية، كما أعلنت شركة "موانئ دبي" العالمية، مواصلة العمل في روسيا.

وفي محاولة لتقليل حدة الانتقادات الموجهة للموقف الإماراتي، دعت بعثة الإمارات في الأمم المتحدة، إلى ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار فوري في أوكرانيا والسعي لإيجاد حلول سلمية بما يخدم الأمن والاستقرار الدوليين والإقليميين.

وخصصت الإمارات 5 ملايين دولار لدعم عمليات الإغاثة الإنسانية في أوكرانيا، ودعت لإيصال المساعدات للمحتاجين وتسهيل خروج المدنيين، وفق المندوبة الإماراتية لدى الأمم المتحدة السفيرة "لانا نسيبة".

فيتو روسي

الموقف الإماراتي من الغزو الروسي لأوكرانيا، لم يمر مرور الكرام، وجاء الثمن الروسي سريعا، الإثنين الماضي، عبر تأييد موسكو قرارا في مجلس الأمن الدولي، يمدد حظر الأسلحة المفروض على جماعة "الحوثي" في اليمن، حتى 28 فبراير/شباط 2023.

ووفق دبلوماسي غربي تحدث لـ"أ ف ب"، فإن الموقف الإماراتي تجاه حرب أوكرانيا، كان بهدف تجنب استخدام روسيا حق النقض (الفيتو)، ضد العقوبات الجديدة على جماعة "الحوثي" التي استهدفت أبوظبي بهجمات مسيرة، يناير/كانون الثاني الماضي.

ويصف دبلوماسي أوروبي تحدث للوكالة ذاتها، الموقف الإماراتي والروسي، بأنه "صفقة قذرة" أبرمتها أبوظبي وموسكو، مرتبطة بالحوثيين وأوكرانيا.

ويوسع القرار الجديد الحظر على إيصال الأسلحة إلى اليمن ليشمل جميع المسلحين الحوثيين، بعدما كان مقتصرا على أفراد وشركات محددة، كما يصنف الحوثيين "جماعة إرهابية"، وذلك للمرة الأولى.

ووفق البعثة الإماراتية لدى الأمم المتحدة، فإن القرار "سيحد من القدرات العسكرية للحوثيين، ويدفع نحو وقف تصعيدهم في اليمن والمنطقة، كما أنه سيمنع أنشطتهم العدائية ضد السفن المدنية والتهديدات لخطوط الشحن والتجارة الدولية".

أسباب اقتصادية

يصعب اختزال الموقف الإماراتي من حرب أوكرانيا، في الحصول على دعم روسي في مجلس الأمن لقرار ضد جماعة "الحوثي"، خاصة عند النظر إلى طبيعة العلاقات التي تربط أبوظبي وموسكو، وكونهما من اللاعبين الرئيسيين في سوق النفط.

وتعد الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، بحصة تبلغ 55% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع موسكو، كما تحتل المرتبة الثانية عربيا بعد مصر.

وتستحوذ الإمارات على 90% من الاستثمارات الروسية في المنطقة، كما أنها أكبر مستثمر عربي في روسيا بحصة تفوق 80% من إجمالي الاستثمارات العربية في روسيا.

وتمتلك الإمارات أصولا في روسيا بمليارات الدولارات في استثمارات استراتيجية طويلة الأمد، ومن غير المرجح أن تفكك شركة "مبادلة"، الذراع الاستثمارية لإمارة أبوظبي، شراكتها مع صندوق الاستثمار المباشر الروسي، والتي لا تقل عن 3 مليارات دولار، بحسب "بلومبرج".

وارتفع حجم التبادل التجاري بين الإمارات وروسيا مسجلا نحو 5 مليارات دولار خلال العام 2021، كما أن إمارة دبي تعتبر نقطة جذب للاستثمارات الروسية، ووجهة النخب الروسية لقضاء العطلات السياحية.

معطيات سياسية

سياسيا، تتبنى أبوظبي نهجا في دبلوماسيتها الخارجية، لا يركن إلى واشنطن فقط، في ظل معطيات تفيد بأن الولايات المتحدة تتخلى تدريجيا عن التزاماتها تجاه المنطقة (الانسحاب الأمريكي من أفغانستان نموذجا)، وأن الاعتماد الحصري عليها قد لا يوفر الضمانات الأمنية الكافية للبلد الخليجي المهدد بضربات حوثية مؤثرة.

في ضوء ذلك، وبالنظر إلى علاقات روسيا مع إيران الداعم الرئيس لجماعة "الحوثي"، وتخلي الولايات المتحدة عن تقديم الدعم للحلفاء الخليجيين في حرب اليمن، تسجل الإمارات منحنى متصاعدا في تطوير علاقاتها مع روسيا إلى جانب الصين وتركيا وإيران، وهو ما يفسر براجماتية الموقف الإماراتي تجاه الحرب في أوكرانيا، وفق "الجزيرة".

وتعلق "راشيل زيمبا" من مؤسسة شركة الاستشارات "زيمبا إنسايتس" (مقرها نيويورك)، بالقول، إن دول الخليج تحاول الموازنة بين مخاطر العقوبات الثانوية وعلاقاتهم طويلة الأمد مع روسيا.

وتفسر صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، حياد السعودية والإمارات تجاه أزمة أوكرانيا إلى عمق العلاقات مع روسيا مقابل فتورها مع الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن "بوتين" كان أحد القادة القلائل الذين احتضنوا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بعد أن تم إلقاء اللوم عليه في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" عام 2018.

ووفق المعلق السعودي "علي الشهابي"، فإن "روسيا أثبتت أنها تتذكر أصدقاءها وأيضا أعداءها"، مضيفا أن التحالف مع الولايات المتحدة لم يعد علاقة يمكن أن تعتمد عليها الرياض، ومن هنا تجب بناء تحالفات مع القوى الكبرى الأخرى، لا سيما الصين وروسيا.

وتجري كذلك قراءة مواقف أبوظبي في ضوء التقارب الأيدلوجي بينها وبين موسكو، عندما يتعلق الأمر بالمنطقة، فكلاهما معاد للثورات وحريص على احتواء الإسلام السياسي، وفق المحاضر في "كينجز كوليدج" في لندن، "أندرياس كريج".

بلغة المصالح، يتناغم الموقف الإماراتي تجاه أوكرانيا مع سياق مصالح أبوظبي مع موسكو في ليبيا وسوريا، بحسب الباحثة بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو".

أوكرانيا مقابل الحوثيين، لم تكن فقط مجرد صفقة سياسية بين الإمارات وروسيا، بقدر ما هي براجماتية تعبر عن روابط أقوى بين البلدين ربما قد تتطور إلى تحالف أمني واقتصادي وعسكري، يلبي طموحات أبوظبي التي تشعر أنها لم تنل الدعم الأمريكي الكامل، رغم فتحها باب التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي على مصراعيه.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات روسيا بن زايد بوتين الغزو الروسي لأوكرانيا الحوثي مجلس الأمن الولايات المتحدة

الإمارات تعلق دخول الأوكرانيين بدون تأشيرة

الإمارات تصحح موقفها وتمنح الأوكرانيين تأشيرة عند الوصول

اتصال مع رئيس أوكرانيا.. بن زايد يوجه رسالة لبوتين وزيلينسكي

الإمارات بعد السعودية تسعى للوساطة في أزمة أوكرانيا.. هل تنجح؟