مرحلة جديدة.. العلاقات القطرية الإيرانية تتوسع وسط مساعي خفض التصعيد الإقليمي

السبت 12 مارس 2022 06:14 م

تواصل دول الخليج نشاطها الدبلوماسي اللافت تجاه إيران، فقد انخرطت السعودية وإيران في عدة جولات من المحادثات خلال العام الماضي، وتبادلت الإمارات وإيران الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى في نهاية 2021، ومؤخراً استضافت قطر الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" في أول زيارة رسمية له إلى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت هذه أيضًا أول زيارة لرئيس إيراني لقطر منذ 11 عامًا.

وعندما التقى "رئيسي" بأمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" في فبراير/شباط، وقّع الزعيمان 14 مذكرة تعاون في مجالات الطيران والتجارة والشحن والكهرباء والتعليم والثقافة. وقال "رئيسي": "نعتقد أن مستوى التعاون القائم بين دول المنطقة لا يتناسب مع العلاقات المحتملة". وتابع: "إيران تسعى إلى تعزيز هذه العلاقات لأن هدفها خلال المرحلة المقبلة هو التقارب الإقليمي".

وتعكس زيارة "رئيسي" إلى الدوحة بعض التفاؤل بشأن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، ورفع بعض العقوبات الأمريكية، وتحسين العلاقات بين إيران وبعض دول الخليج العربية.

وتسعى إيران إلى ضمان مكاسب اقتصادية أكبر من خلال تحسين علاقاتها الإقليمية. وتشير زيارة "رئيسي" إلى الدوحة، والمحادثات السعودية الإيرانية، والزيارات رفيعة المستوى بين المسؤولين الإماراتيين والإيرانيين في 2021، إلى درجات متفاوتة من الزخم باتجاه تحسين العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أصدرت مجموعة العمل الخليجية الأمريكية الخاصة بإيران بيانًا يدعم تحسين العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج العربية وإيران، ولكن "بعد رفع العقوبات الأمريكية بموجب الاتفاق النووي". ويشير هذا إلى أن زخم التقارب الخليجي يعتمد بشكل كبير على نجاح محادثات فيينا.

جهود التقارب

كان هناك تواصل بين إيران وبعض دول الخليج قبل مرحلة خفض التصعيد الحالية. وفي ذروة حملة "أقصى ضغط" التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في عام 2019، انخرطت الإمارات في محادثات أمنية بحرية مع مسؤولين إيرانيين في أعقاب سلسلة من الحوادث التي استهدفت السفن في الممرات المائية الاستراتيجية في الخليج.

وخلال الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على قطر من يونيو/حزيران 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2021، توسعت علاقات قطر مع إيران. وبعد فترة وجيزة من بدء الحصار، أرسلت إيران عدة طائرات محملة بالمواد الغذائية إلى قطر لتخفيف تداعيات نقص الغذاء الناتج عن المقاطعة التجارية. كما استخدمت الخطوط الجوية القطرية المجال الجوي الإيراني للتغلب على قيود المجال الجوي التي فرضتها السعودية والإمارات والبحرين.

وخلال الحصار، زادت واردات قطر من إيران من أقل من 100 مليون دولار سنويًا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 400 مليون دولار في عام 2018. وقبل زيارة "رئيسي" للدوحة، قال رئيس منظمة ترويج التجارة الإيرانية "علي رضا بيمانباك" إن "من المحتمل زيادة التجارة بين إيران وقطر إلى مليار دولار العام المقبل".

وبعد فترة وجيزة خلال اجتماع بين رابطة رجال الأعمال القطريين والوفد الإيراني على هامش منتدى الدول المصدرة للغاز، أعلن "رئيسي" عن هدف زيادة التجارية الثنائية بين قطر وإيران إلى مليار دولار وتوثيق الروابط بين إيران وقطر. وتعتبر القيمة الحالية للتجارة بين قطر وإيران منخفضة نسبيًا مقارنة بالعلاقات التجارية القوية لإيران مع الإمارات، التي تعد الشريك التجاري الأكبر لطهران في دول مجلس التعاون الخليجي. بلغت قيمة التجارة الإماراتية الإيرانية في الفترة من مارس/آذار إلى أغسطس/آب 2021 وحدها، أكثر من مليار دولار.

وتحاول قطر استغلال العلاقات الدبلوماسية مع إيران في لعب دور أوسع كوسيط. وقد عرضت قطر المساعدة في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران فيما يتعلق بالمحادثات النووية. وتستطيع الدوحة تسهيل المناقشات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، فضلاً عن تقديم الدعم في قضايا محددة مثل تبادل المعتقلين.

وتبادل وزيرا خارجية قطر وإيران الزيارات والمكالمات الهاتفية في الأشهر الأخيرة ما يشير إلى مستوى متزايد من التواصل والتعاون بين القيادة القطرية والنخبة الجديدة في طهران. وجاءت زيارة "رئيسي" للدوحة لتؤكد هذا الاتجاه.

وعود بتعاون أكبر بين قطر وإيران

خلال زيارته إلى الدوحة، شارك "رئيسي" أيضًا في منتدى الدول المصدرة للغاز في الدوحة في الفترة من 21 إلى 22 فبراير/شباط، وسط تصاعد التوترات بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا وتزايد المخاوف بشأن استقرار أسواق الطاقة العالمية في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية. 

وستوفر العودة إلى الاتفاق النووي فرصة لزيادة صادرات إيران من النفط والغاز. وتشترك قطر وإيران في أكبر حقل غاز في العالم (حقل الشمال في قطر وحقل بارس الجنوبي في إيران). وقد تعثرت خطط مشاريع الغاز الطبيعي المسال الإيرانية إلى حد كبير بسبب العقوبات الأمريكية. ومع ذلك، لدى إيران ثاني أكبر احتياطيات غاز طبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطيات نفط.

وخلال زيارة "رئيسي"، تم توقيع اتفاقيات تعاون بين إيران وقطر لربط شبكات الكهرباء وتحسين التنسيق بين مناطق التجارة الحرة وتعزيز التجارة والاستثمار والسياحة. وإلى جانب القطاعات الاقتصادية الرئيسية، ركزت الاتفاقيات الأخرى على  تعزيز التبادلات التعليمية، لا سيما في مجال العلوم والتكنولوجيا. وقد ناقش المسؤولون الإيرانيون والقطريون أيضًا مشاريع في البنية التحتية مثل بناء نفق بين البلدين، والذي سيكون الأطول في العالم وسيضم طريق وسكك حديدية، مما سيسهل حركة أكبر للأشخاص والبضائع.

هل يمكن الاستمرار في خفض التصعيد الإقليمي؟

من غير الواضح ما إذا كانت هذه اللحظة الحالية من التقارب الإقليمي مستدامة. وبالنظر إلى التقارب بين دول الخليج العربية وإيران وتركيا والصراعات المجمدة في ليبيا وسوريا، من الصعب تحديد كيف ستصبح جهود التعاون الإقليمي هذه مؤسسية.

ويتواصل القتال في اليمن مما يديم حالة من عدم الاستقرار الإقليمي. وغالبًا ما يهدد الحوثيون وغيرهم من الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك قوات الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان، جهود الحوار الإقليمي. لكن ليس من الواضح إذا كانوا سيتخذون مثل هذا الإجراء لو كانت طهران  تعارضه بشكل مباشر.

وشن الحوثيون هجمات صاروخية على أبوظبي ودبي في يناير/كانون الثاني مما أثار تساؤلات عن جهود التقارب الإماراتية الإيرانية. ويشير المشككون في جهود التقارب الإيرانية إلى اعتماد الحوثيين على الدعم الفني الإيراني المطلوب لإطلاق تلك الصواريخ بدقة من هذه المسافات، وهو مؤشر على أن إيران تتلاعب بدرجات التصعيد.

لكن العلاقات بين قطر وإيران مسألة مختلفة نوعًا ما. وكان دور إيران في دعم قطر خلال الحصار خطوة مهمة في تحسين العلاقات الثنائية بعد أن حذت قطر حذو السعودية وخفضت علاقاتها مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016، في أعقاب الهجمات على البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران.

وكانت قطر في موقف حساس بشكل خاص خلال حملة "أقصى ضغط" التي شنتها إدارة "ترامب" ضد إيران بالنظر إلى أن قطر ليست فقط جارة إيران ويجب أن تحافظ على مستوى معين من التعاون فيما يتعلق بحقل الغاز المشترك، ولكنها تستضيف أيضًا القيادة المركزية الأمريكية وهو مقر متقدم ويمكن أن يصبح هدفًا إذا تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

وأصدرت مجموعة العمل الخليجية الأمريكية الخاصة بإيران بيانًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 يشير إلى أن إيران "يمكنها المساهمة في منطقة أكثر أمنًا واستقرارًا". وأشار إلى أن "دول مجلس التعاون الخليجي كانت تعمل على لبناء قنوات دبلوماسية فعالة مع إيران لمنع أو حل أو تهدئة النزاعات".

وأضاف البيان: "دول الخليج تأمل في تطوير الجهود الدبلوماسية بمرور الوقت لتعزيز العلاقات السلمية في المنطقة على أساس تاريخ طويل من التبادلات الاقتصادية والثقافية". وتابع: "أكدت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي أن تعميق العلاقات الاقتصادية بعد رفع العقوبات الأمريكية بموجب الاتفاق النووي يصب في المصلحة المشتركة للمنطقة".

وإذا لم يتم إحياء الاتفاق النووي، فقد تتردد دول الخليج العربية في مواصلة التواصل مع إيران. ومع ذلك ستظل إيران جارًا مهيبًا وستضطر دول الخليج العربية إلى الحوار والدبلوماسية لأسباب منها التعب من الصراع، والتداعيات الاقتصادية لوباء فيروس "كورونا"، وتقليص الولايات المتحدة التزاماتها في الخليج، وتزايد التهديدات الأمنية الناشئة من تغير المناخ ومخاوف الصحة العامة.

المصدر | آنا جاكوبس - انسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي العلاقات الإيرانية القطرية العلاقات الإيرانية السعودية رئيسي تميم بن حمد مجلس التعاون الخليجي

هل أصبح الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا على الأبواب؟

على رأس وفد سياسي واقتصادي.. وكالة: أمير قطر يزور إيران