هل تسرع حرب أوكرانيا الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط؟

الجمعة 18 مارس 2022 02:45 م

مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من أسبوعها الرابع، تتزايد احتمالات بعض العواقب غير المقصودة والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي في الشرق الأوسط.

وتعتبر روسيا وأوكرانيا من موردي القمح المهمين لبعض دول المنطقة وعلى رأسها مصر. وقد تتسبب صدمة إمدادات القمح في حدوث اضطرابات في القاهرة وعواصم إقليمية أخرى.

فيما ترتفع أسعار النفط بشكل كبير مع إصرار كل من السعودية والإمارات على تجاهل الضغط الأمريكي لزيادة إنتاجهما للمساعدة في خفض الأسعار.

وحتى الاتفاق النووي الإيراني الذي طال انتظاره، والذي كان في مراحله النهائية، ربما يتأجل أو حتى يفشل تماما بسبب مجموعة المطالب الجديدة التي أضافتها روسيا.

وفي مثل هذا السياق، تزداد أهمية السؤال الذي تردد منذ عقد من الزمان، وهو هل تنسحب الولايات المتحدة عسكريا من الشرق الأوسط؟.

  • تحدي الصين

في أغسطس/آب 2010، أعلن الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" انتهاء المهمة القتالية في العراق والتي كان قد وافق عليها سلفه "جورج دبليو بوش". وفي 2011، طلب "أوباما" على مضض من حلف "الناتو" التدخل في ليبيا للإطاحة بـ "معمر القذافي"، لكنه رفض عام 2013 اتخاذ الإجراء نفسه ضد الرئيس السوري "بشار الأسد".

وبالطبع، لم يستطع "أوباما" تجنب مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" عندما كان على وشك السيطرة على العراق وسوريا، لكنه فعل الحد الأدنى حيث قدم التدريب والدعم الجوي الوثيق للقوات المسلحة العراقية والسورية والمليشيات الكردية.

وفي النهاية، كانت إدارة "أوباما" مهتمة بالتركيز على آسيا أكثر من اهتمامها بالشرق الأوسط. وكان الاستثناء من هذه القاعدة هو الاتفاق النووي مع إيران.

وفي عام 2019، حاول الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" سحب القوات الأمريكية من سوريا لكنه فشل، حيث واجه معارضة شديدة من مؤسسة السياسة الخارجية والأمنية في واشنطن.

وأكمل الرئيس الحالي "جو بايدن" أخيرا الانسحاب من أفغانستان الذي وافق عليه "ترامب"، لكن مع نتائج كارثية، وقد فعل ذلك باسم الحاجة إلى التركيز على التحدي الأمني ​​الرئيسي للولايات المتحدة في القرن الـ 21، ألا وهو الصين.

وتشعر واشنطن في الحقيقة بقلق بالغ من صعود بكين بسرعة هائلة. لكن في هذا السياق، يعد انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط أمرا مثيرا للجدل، حيث تستورد الصين نحو نصف احتياجاتها من النفط من المنطقة؛ وبحلول عام 2030، ستستورد 80%، وسيستمر وصول الكثير منه من الشرق الأوسط.

ويثير اعتماد الصين على نفط المنطقة، التي تحرص الولايات المتحدة على مغادرتها، العديد من الأسئلة؛ لأن استمرار التواجد الأمريكي قد يمّكن واشنطن من ممارسة قدر كبير من النفوذ على منافستها العالمية الرئيسية.

  • خوف يلوح في الأفق

وفي بيئة استراتيجية عقلانية، يجب أن تدرك واشنطن أن الصين حريصة على الالتزام بالشرق الأوسط الذي ترغب الولايات المتحدة في الانسحاب منه. لكن على مدى 3 عقود على الأقل، لم يكن هناك الكثير من الأدلة على التفكير الاستراتيجي السليم في واشنطن.

وهناك خوف يلوح في الأفق بين حلفاء أمريكا في المنطقة من أن هزيمة الولايات المتحدة في اللعبة الكبرى بآسيا الوسطى قد يتبعها انسحاب أوسع من الشرق الأوسط. ولم تكن التطمينات التي قدمها وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن"، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خلال المنتدى السابع عشر للأمن الإقليمي "حوار المنامة" كافية لتبديد هذه الشكوك.

وتخشى دول المنطقة أن يتسبب الانسحاب الأمريكي في حدوث فراغ يغري إيران وروسيا والصين. وقد يفسر هذا جزئيا سبب اندفاع عدد من الدول العربية للتوقيع على ما يسمى بـ "اتفاقيات إبراهيم" مع إسرائيل التي يُنظر إليها على أنها القوة العسكرية الأكثر فاعلية في المنطقة.

ويمكن القول إن مضمون هذه الاتفاقيات هو إسناد دور تمويل إسرائيل إلى دول الخليج، بينما تحل إسرائيل تدريجيا محل الولايات المتحدة في دور الضامن الأمني. ومن السابق لأوانه الجزم بأن هذا النمط سيكون كافيا لتهدئة مخاوف الدول التي وقعت على الاتفاقات.

ومع ذلك، قد يكون من السابق لأوانه أيضا الجزم بأن الولايات المتحدة حسمت قرارها بفك الارتباط بالمنطقة. ويمكن لواشنطن ببساطة أن تعيد الانتشار في المنطقة على نطاق أصغر. فبعد كل شيء، قد ترى المؤسسة الأمنية في واشنطن أن الانسحاب سيكون علامة غير مقبولة على الضعف.

  • المشهد الاستراتيجي الإقليمي

عند النظر إلى المشهد الاستراتيجي الإقليمي، قد يكون للصراع في اليمن نتيجة غير مواتية للسعودية والإمارات. ويمكن للبنان أن ينزلق في أي لحظة إلى الفوضى الكاملة، في حين أن القوة العسكرية الوحيدة القادرة على تولي السيطرة على البلاد هي "حزب الله".

وتعزز حكومة "الأسد" ببطء سيطرتها على سوريا. وبغض النظر عن نتائج الانتخابات ونوايا الزعيم الشيعي "مقتدى الصدر" (صاحب الكتلة البرلمانية الفائزة في البرلمان)، فلن يتخلص العراق بسهولة من النفوذ الإيراني.

وإذا نجحت محادثات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، فلن تشعر إسرائيل وبعض الدول العربية بالارتياح. ومن ناحية أخرى، من المرجح أن تتصاعد التوترات في حال فشل المحادثات في فيينا.

لكن التطور المفاجئ هو تزايد وتيرة الحوار الإقليمي مع تصاعد المخاوف من الانسحاب الأمريكي. وبدأت دول المنطقة في إدراك أن الأمن الإقليمي قد يتحقق على وجه أفضل من خلال الحوار مع بعضها البعض بدلا من البحث عن الملاذ لدى القوى العظمى التي لا يمكن الاعتماد عليها في بعض الأحيان.

  • السعودية وإيران

ومنذ بضعة أشهر، انخرطت السعودية في محادثات مع إيران لتحسين علاقتهما الثنائية وإيجاد مخرج لحفظ ماء الوجه من اليمن. لكن هذا الحوار تعرض للتعطيل بسبب الموجة الأخيرة من الإعدامات التي نفذتها المملكة بحق نشطاء شيعة هذا الأسبوع.

وإذا كان الإيرانيون أذكياء، فعليهم اغتنام الفرصة الحالية، فمهما كانت كارثة السعودية في اليمن مغرية للقيادة الإيرانية، فليس من الحكمة أبدا إذلال الخصم. وإذا كانت الرياض مستعدة للتعامل مع طهران في الملف اللبناني أيضا، فيمكن تفادي كارثة أخرى وشيكة.

وكانت الإمارات أسرع وأكثر ذكاء، حيث تلعب النخبة الحاكمة في أبوظبي بشكل فعال على عدة حبال، وتتواصل في الوقت نفسه مع تركيا وإيران وسوريا. وبعد فترة طويلة من الخلاف مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، زار ولي العهد "محمد بن زايد" أنقرة للمرة الأولى منذ عقد، وسرعان ما رد الرئيس التركي الزيارة.

كما أرسل "بن زايد" وزير خارجيته إلى دمشق ومستشاره للأمن القومي للقاء نظيره في طهران. وتصر الإمارات على الحفاظ على التعاون مع الصين، كما امتنعت عن إدانة التوغل الروسي في أوكرانيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وإذا أدت أفكار انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى مثل هذه الفورة من النشاط الدبلوماسي، فما الذي يمكن أن يحدث إذا أصبح حقيقة واقعة؟.

  • الأقل أفضل

وتستند ركائز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، حتى الآن، على "الكتالوج الأمريكي" بما في ذلك النفوذ والقيادة الأمريكيين. ولفترة طويلة، كان هذا معيارا صالحا، ولكن بعد متابعة العقدين الأخيرين من السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة، يبدو أنه لم يصبح كذلك.

وقبل 3 أعوام، كنت أدافع عن بنية أمنية جديدة للشرق الأوسط، وفي ذلك الوقت كان دور القوى العظمى يعتبر حتميا. ولكن اليوم يوجد دافع قوي للادعاء بضرورة السماح للجهات الفاعلة المحلية بالتحرك بمفردها، فمن المرجح أنها لن تتسبب بأضرار أكثر مما أحدثته بالفعل القوى العالمية.

وماذا لو بدأت الكتلتان الرئيسيتان، الدول التي تعترف بإسرائيل وتلك التي تقودها إيران، استكشاف إمكانية الوصول إلى أرضية مشتركة والتخلي عن المناورات المتبادلة والسامة؟.

وعاجلا أم آجلا، ستواجه الجهات الفاعلة المتنافسة تحديات وتهديدات جديدة، مثل تغير المناخ وزيادة التصحر وتحولات الطاقة وتدفقات الهجرة، وقد تدرك دول الشرق الأوسط عندئذ، ولحسن الحظ، أن الأوان لم يفت، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل مع تلك التحديات هي التعاون الإقليمي.

المصدر | ماركو كارنيلوس/ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حرب أوكرانيا الغزو الروسي غزو أوكرانيا انسحاب الولايات المتحدة فك الارتباط النفوذ الصيني الجهات الفاعلة المباحثات النووية فراغ السلطة التعاون الإقليمي

3 تداعيات للصراع العسكري بين أوكرانيا وروسيا على منطقة الشرق الأوسط

حرب أوكرانيا تثير قلق حكام الشرق الأوسط من السياسة الأمريكية