بعد 60 عاما.. 4 ملفات تاريخية عالقة بين الجزائر وفرنسا

السبت 19 مارس 2022 09:38 ص

يصادف 19 مارس/آذار من كل عام، ذكرى اتفاق وقف إطلاق النار بين الجزائر وفرنسا في 1962، حيث يخيم عليها هذه المرة الانسداد الحاصل بين البلدين بشأن تسوية ملفات الذاكرة، والذي يقف حجرة عثرة أمام تحسن العلاقات بينهما.

تطلق الجزائر رسميا على هذا اليوم "عيد النصر" وتقيم له احتفالات، فيما يوصف في فرنسا بـ"يوم الذكرى"، والمقصود به انتهاء الحرب في الجزائر.

وتوج هذا اليوم، 7 سنوات من انطلاق الكفاح المسلح الجزائري ضد فرنسا مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وسبقته مفاوضات إيفيان بسويسرا، وأفضت لتوقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الجزائري، في 3 يوليو/تموز 1962.

وفي 5 يوليو/تموز 1962، أنهى الاستعمار الفرنسي وجوده في الجزائر، وهو اليوم ذاته من عام 1830 الذي استعمرت فيه فرنسا الجزائر.

وبينما ترفض الجزائر، بقيادة الرئيس "عبدالمجيد تبون"، تقديم أدنى تنازلات بشأن مطالبها الرئيسية، يصر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، على الاكتفاء بخطوات يصفها "بالرمزية" دون تقديم اعتراف أو اعتذار عن جرائم الحقبة الاستعمارية.

الجزائر لن تفرط بحقها

قال الرئيس الجزائري "تبون"، الجمعة، في رسالة وجهها لشعبه، بالمناسبة، إن بلاده لن تفرط في حقها حيال جرائم الاستعمار الفرنسي، معتبرا أنها "لن تسقط بالتقادم".

وأضاف "تبون"، أن "ذلك اليوم بدأ فيه الجزائريون مجابهة آثار خراب شامل فظيع، يشهد على جرائمِ الاستعمار البشعة، التي لن يطالها النسيان ولن تسقط بالتقـادم".

وأردف: "سَنواصل بدون هوادة وبلا تفريط، استكمال مساعينا بالإصرار على حق بلادنا في استرجاعِ الأرشيف، واستجلاء مصير الـمفقودين أثناء حرب التحرير الـمجيدة".

ومضى قائلا: "سنطالب بتعويض ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا الـمتعلقة بهذا الملف من فرنسا".

وأعاد الرئيس "تبون"، منذ انتخابه وضع محددات أخرى لملف الذاكرة، أكثر شمولية، تبدأ من عام 1830 بدل 1954، حيث أرادت بعد النخب اختصارها في سنوات الثورة وما خلفته من مليون ونصف مليون ضحية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالت الرئاسة الجزائرية، إن "عدد ضحايا الاستعمار الفرنسي، يقدرون بـ5 ملايين و630 ألف شهيد"، حيث يعلن هذا الرقم للمرة الأولى.

جاء الإعلان، على خلفية استدعاء الجزائر سفيرها لدى باريس للتشاور، بعد تصريحات مسيئة صدرت عن الرئيس "ماكرون"، شكك فيها "بوجود الأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي" واتهم "النظام السياسي العسكري الجزائري بالانتفاع من ريع الذاكرة".

4 ملفات

ومنذ سنوات، تتفاوض الجزائر وفرنسا حول 4 ملفات تاريخية عالقة، أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسلميه، فيما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية (موجودة بمتحف الإنسان بالعاصمة باريس).

أما الملف الثالث، فهو تعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والرابع يخص استجلاء مصير المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200، حسب السلطات الجزائرية.

والعام الماضي، طالب رئيس أركان الجيش الجزائري "سعيد شنقريحة"، فرنسا بتسليم بلاده خرائط الأماكن التي أجريت فيها التجارب النووية في ستينيات القرن الماضي، لتطهيرها من الإشعاعات.

ولم تتجاوب فرنسا، مع أي من المطالب الجزائرية، ماعدا تسليم أول دفعة من جماجم ورفات، رموز المقاومة الشعبية الجزائرية ضد الاستعمار، في 2020.

باريس تناور

رغم بعض الآمال التي علقت على الرئيس الفرنسي "ماكرون"، للدفع باتجاه تسوية الملف، لكنه تسبب في أزمة غير مسبوقة مع الجزائر الخريف الماضي، بسبب تهجمه على الأمة الجزائرية.

ورأى مراقبون، أن سبب تصريحات "ماكرون"، يعود إلى "حزم الجانب الجزائري" في ملف الذاكرة، ورفضه التفاعل مع بعض الخطوات الرمزية التي قام بها كالاعتراف بمسؤولية فرنسا عن مقتل المناضل الجزائري "علي بومنجل" تحت التعذيب في 1957، وعالم الرياضيات الفرنسي الشيوعي، المساند للقضية الجزائرية "موريس أودان" (عام 1957 بالجزائر).

ورفضت الجزائر التعليق على التقرير الذي أعده المؤرخ "بنجامين ستورا" للرئاسة الفرنسية، العام الماضي، والذي يقترح "مصالحة الذاكرات" و"كتابة مشتركة للتاريخ".

وأفاد السفير الفرنسي السابق، لدى الجزائر، "كزافيي دريانكور"، الأربعاء، بانزعاج الفرنسيين من صلابة الموقف الجزائري، في حوار مع صحيفة "سود واسث" عشية إصدار كتابه المعنون: "اللغز الجزائري".

وذكر "دريانكور"، أن الرئيس "ماكرون" "قام بسلسلة من الخطوات بشأن حرب الجزائر، ولكنها لم تجد صد لدى الجزائر".

انقلاب "ماكرون"

وفي حديث للأناضول، قال المؤرخ الجزائري "رابح لونيسي"، إن "الرئيس الفرنسي يتحمل مسؤولية الانسداد الحاصل بين البلدين، جراء انقلابه على التزاماته".

وأضاف: "نعلم جميعا أن ماكرون جرم الاستعمار قبل وصوله للسلطة، وقال إنه من جيل الشباب ولا علاقة له لا بالاستعمار ولا بحرب التحرير الجزائرية، لكن بعد وصوله للسلطة كنا نعتقد أنه سيقدم تنازلات وسيطوي ملف الذاكرة ويقدمه خطوات، لكن توقف عن ذلك".

وتابع: "لقد تذرع (ماكرون) باللوبيات (مجموعات الضغط) والضغوط التي لاقاها في قصر الإيليزي، وقد تفهمه تبون في ذلك، وصرح به حتى أمام وسائل الإعلام".

وأردف: "لكن غرابة الأمر هو انقلاب ماكرون تماما منذ أشهر وتحوله لاستفزاز الجزائر في مسائل الذاكرة لدرجة نفيه حتى وجود الأمة الجزائرية وتكريم الحركى (جزائريين قاتلوا بصفوف الجيش الفرنسي بالجزائر) والأقدام السوداء (المستوطنين الأوروبيين في فترة الاستعمار)".

وأوضح أن "ماكرون يريد مقايضة تنازلات في ملف الذاكرة لصالح الجزائر مقابل تقديم هذه الأخيرة تنازلات كبيرة جدا في المجالات الاقتصادية والاستراتيجية".

واستدرك قائلا: "ومنها إبقاء السوق الجزائرية حكرا على السلع الفرنسية، وتخلي الجزائر عن تنويع علاقاتها، وعن مشروع بناء اقتصاد وطني مبني على ثورة صناعية تخرجها من أي تبعية اقتصادية".

واستطرد: "هذه الأمور رفضتها الجزائر لأنها تعني البقاء على مصالح القوة الاستعمارية السابقة وبتعبير آخر هو تحقيق أهداف الاستعمار الجديد، وهذا ما أوصل ملف الذاكرة إلى الانسداد".

وبعد قطيعة استمرت 3 أشهر، استأنفت الجزائر وفرنسا اتصالاتهما نهاية يناير/كانون الثاني الماضي.

وتحدثت تقارير إعلامية، عن قرب انعقاد اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين، في الجزائر، قبل نهاية مارس/آذار الجاري، برئاسة رئيسي وزراء البلدين "أيمن بن عبدالرحمان"، و"جان كاستاكس".

وتعنى هذه اللجنة التي لم تنعقد منذ ديسمبر/كانون الأول 2017، بمسائل الشراكة الاقتصادية والتعاون الحكومية، بينما يظل مصير الحوار بشأن ملف الذاكرة، مجهولا.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

ملف الذاكرة يوم الذكرى عيد النصر فرنسا الجزائر تبون ماكرون

الجزائر.. منظمة حقوقية تستعد لمقاضاة فرنسا عن جرائمها النووية

ماكرون يعد باستكمال مسار الاعتراف بحقيقة ما جرى في الحرب الجزائرية

تبون يهنئ ماكرون بالولاية الرئاسية الثانية ويدعوه لزيارة الجزائر

تبون لشعب الجزائر: مجازر فرنسا لا يطويها النسيان