الأسد في الإمارات.. تعاون بلا قيود وتحد علني لواشنطن

السبت 19 مارس 2022 10:26 ص

"ضوء أخضر لتعاون بلا قيود وإعلان من الطرفين أن تعاونهما المشترك لم يعد رهينة حسابات إقليمية ودولية".. هكذا بدت زيارة رئيس النظام السوري "بشار الأسد" إلى  الإمارات، الجمعة، ولقاؤه مع نائب رئيس البلاد رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، وولي عهد أبوظبي الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان".

الزيارة التي جرى الترتيب لها قبل وقت طويل، منذ استقبال وزير الخارجية الإماراتية "عبدالله بن زايد"، في دمشق خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2021، من شأنها دفع العلاقة السورية - الإماراتية إلى بعد جديد.

وهذه هي الزيارة الأولى لـ"الأسد"، إلى دولة عربية، منذ اندلاع الثورة السورية، وتعليق عضوية دمشق بالجامعة العربية، كما أنها تأتي في وقت يحيي فيه معارضوه ذكرى اندلاع الثورة السورية على نظامه في مارس/آذار 2011.

وتأتي ضمن خطوات لكسر عزلة النظام السوري من قبل الإمارات، إذ سبق أن تلقّى "الأسد" اتصالاين في مارس/آذار وأكتوبر/تشرين الأول، من "بن زايد"، وكان أول اتصال مباشر بين زعيم الإمارات ورئيس النظام السوري منذ عام 2011.

هذه الزيارة وصفها مراقبون للشأن السوري بـ"المفاجئة"، ولكنها اكتسبت أهميتها لكونها أول زيارة لـ"الأسد"، إلى دولة عربية بعد عقد من الصراع الداخلي عاشته البلاد، تخللها زيارات أعوام (2015 - 2017 - 2021) إلى موسكو الحليف الاستراتيجي لدمشق طوال فترة الحرب.

حلحلة الموقف العربي

ويبدو جليا أن الإمارات تقود محاولات جديدة لحلحلة الموقف العربي من نظام "الأسد"، بما يمهد لإنهاء تجميد عضوية بلاده منذ 2011، وعودتها إلى الجامعة العربية.

وجال "الأسد"، الذي وصلت طائرته إلى مطار دبي الدولي، مع الوفد المرافق له على استراحة المرموم في دبي، حيث التقى "بن راشد"، ونائبه "منصور بن زايد"، ومستشار رئيس الإمارات "أنور قرقاش"، وشخصيات أمنية.

ومن ثم انتقل إلى قصر الشاطئ في العاصمة أبوظبي، حيث التقى "بن زايد"، ومستشار الأمن الوطني الإماراتي "طحنون بن زايد"، ووزير الخارجية "عبدالله بن زايد".

ورافق "بن زايد"، ضيفه "الأسد" إلى مطار البطين في أبوظبي، حيث غادرت الطائرة التي أقلّته إلى دمشق.

البيانات الرسمية التي خرجت عن اللقاءين ركّزت في معظمها على إظهار الزيارة "فاتحة" لتعزيز التعاون بين الطرفين، غير أن اللافت فيما نقلته وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية "وام"، عن لقاء "الأسد" و"بن زايد"، كان تأكيد الطرفين "الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية، إضافة إلى دعم سوريا وشعبها الشقيق سياسياً وإنسانياً للوصول إلى حل سلمي لجميع التحديات التي يواجهها".

الحديث عن دعم إماراتي سياسي وإنساني لسوريا، والإشارة إلى انسحاب القوات الأجنبية الموجودة على أراضيها، يحمل في طيّاته "رسالة تمرّد" إماراتية على موجة إعلامية أمريكية تحاول الضغط على دمشق و"الأسد"، من بوابة تموضعه خلف موسكو، في ظل استقطاب دولي كبير بعد التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

هذا المسار الإماراتي بدأ قبل مدة طويلة، لكنه بقي خجولاً، غير أن تموضع الرياض وأبوظبي، إزاء الصراع الأمريكي الروسي الحالي من جهة، والدخان "شبه الأبيض" في محادثات فيينا من جهة أخرى، أفسحا مجالاً أوسع لمثل هذه الخطوة.

وعدّ سياسيون في دمشق أهمية تلك الخطوة كونها تكسر طوق العزلة، بين دمشق ومحيطها العربي، متوقعين تكرار تلك الزيارات على المدى المنظور، لا سيما أن الحرب الروسية الأوكرانية فرضت ترتيب قواعد عمل دولي جديدة، خاصة بعد اتساع الشرخ بين أوروبا والولايات المتحدة من جهة وروسيا من جهة ثانية.

وتأتي زيارة "الأسد" مع حديث عن عودة بلاده إلى الجامعة العربية، حيث يتسلم لبنان رئاسة الدورة 157 لوزراء خارجية العرب، لكن لم يحسم بعد قرار العودة، ولم يدرج كذلك على جدول الأعمال.

وتعارض واشنطن جهود تطبيع العلاقات مع "الأسد"، لحين إحراز تقدم صوب حل سياسي للحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف، بعد أن تطورت من ثورة على حكمه.

وعقب الزيارة، عبرت الولايات المتحدة في بيان، عن شعورها بـ"خيبة أمل كبيرة وبقلق"، من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على "الأسد".

تحد علني لأمريكا

وتشير هذه التطورات أيضا إلى أن الإمارات تتحدى علنا الولايات المتحدة و"قانون قيصر" الذي يفرض عقوبات على الحكومات التي تتعامل مع دمشق.

ويبدو أن توقيت الزيارة، وفق مراقبين، متزامن مع تصاعد الخلافات بين الولايات المتحدة من طرف، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، بسبب رفض الدولتين الخليجيتين الطلب الأمريكي الغربي، زيادة إنتاج النفط.

وحسب المراقبين، فإن الزيارة بمثابة اصطفاف آخر تجاه روسيا خليفة "الأسد"، في مواجهة الولايات المتحدة والغرب.

وعلى خلاف الزيارات الأخيرة التي أجراها "الأسد" إلى طهران وموسكو وسوتشي، كان لافتاً حجم الوفد السوري المرافق له في الإمارات، إذ ضم وزير الخارجية "فيصل المقداد"، ونائبه "بشار الجعفري"، ووزير شؤون رئاسة الجمهورية "منصور عزام".

وجاءت الجولة الرئاسية بعد زيارة وفود حكومية عدّة الإمارات، تزامناً مع معرض "إكسبو 2020" في دبي، وافتتاح جناح سوري ضمن المعرض بدعوة من الجانب الإماراتي وتسهيله وتمويله.

وأعادت الإمارات فتح بعثتها الدبلوماسية في دمشق أواخر عام 2018 في محاولة لمواجهة نفوذ أطراف فاعلة غير عربية مثل إيران، تدعم "الأسد" إلى جانب روسيا.

ولم يصدر أي تعليق عن هذه الزيارة من قبل قوى المعارضة السورية، والتي تتخذ من الشمال الغربي السوري مقراً لها، وتسيطر على مساحة واسعة بدعم تركي.

وأفاد مراقبون معارضون بأنهم لا يشجعون على هذا التقارب السوري العربي، قبل إيجاد حل سياسي قائم على قرارات مجلس الأمن الدولي (2254)، الصادر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، الذي يفضي إلى وقف إطلاق نار وإيجاد تسوية بين أطراف النزاع.

ويرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السوري "بطرس مرجانة"، أن العلاقات الاقتصادية تطورت بين دمشق وأبوظبي، ولا يستبعد دوراً رائداً للإمارات في المشاركة في إعادة الأعمار.

ويلفت إلى ما بحثه وزير الخارجية السوري في زيارة سابقة له ناقش فيها قضايا وملفات عديدة منها الإنساني.

ويضيف أن "هذه الزيارات تندرج ضمن سياقها الطبيعي لبناء مصالح مشتركة بين الدول العربية".

ويعد حديث "مرجانة"، بوابة لأحد أهداف الزيارة الرئيسية، حيث تسعى أبوظبي للاستثمار في السوق السورية في قطاعات البنى التحتية والتطوير العقاري والنقل، وكذلك الاستثمار في ميناء اللاذقية، والنفط.

كعكة الإعمار

وتطمح أبوظبي إلى نيل حصة ثمينة من كعكة إعمار سوريا، التي  قدّرها ممثل الأمم المتحدة السابق في سوريا "ستيفان دي ميستورا" بما يتراوح بين 250 إلى 400 مليار دولار.

وتشمل الكعكة الثمينة، إعادة بناء كل شيء في سوريا تقريبا، من المرافق الأساسية المادية إلى المساكن إلى رأس المال البشري والزراعة والصناعة والطاقة ومؤسسات الدولة، ومن ثم فهي تستحق العناء والصبر، لأن الفائز سيحصل على مكافأة ضخمة، حسب "القدس العربي".

وإلى جانب كعكة الإعمار، يبرز ميناء اللاذقية السوري كأحد أبرز أولويات أجندة الاستثمار الإماراتية، حيث عرضت شركة "موانئ دبي العالمية" قبل نحو عام، رسمياً رغبتها في استثمار وتشغيل ميناء اللاذقية، وفق صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

وهناك النفط والغاز السوريان في محافظات الحسكة ودير الزور وتدمر وبالقرب من دمشق، ومناجم الفوسفات في حماة وحمص، وهي كعكة ثانية تثير لعاب قوى إقليمية ودولية كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة وإيران.

وأمام ذلك، أسست الشركات السورية، كيانات خارجية في دبي وأبوظبي في الأشهر الأخيرة لإخفاء أصولها، والتهرب من العقوبات الأمريكية والأوروبية، ومواصلة الاتجار في السلع التي تتراوح بين المنتجات النفطية والإلكترونيات والملابس، حسب "وول ستريت جورنال".

كما بدأت شركة "شام وينجز" رحلات منتظمة بين دمشق وأبوظبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

ومؤخرا، زار ممثلون عن البنك المركزي السوري الإمارات، لإنشاء قناة مالية تستخدم البنوك الخاصة لدعم التجارة بين البلدين، حسبما ذكر رجال أعمال سوريون اطلعوا على المحادثات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي خطوة لتعزيز التعاون بين الجانبين، صدر قرار بتشكيل مجلس الأعمال السوري الإماراتي بهدف تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين في مختلف المجالات.

وفي الشهر ذاته، توصلت أبوظبي ودمشق إلى اتفاق على خطط مستقبلية لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، على هامش لقاء جمع وزير الاقتصاد الإماراتي "عبدالله بن طوق المري" مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بالنظام السوري "محمد سامر خليل"، خلال فعاليات معرض "إكسبو دبي 2020".

وتعد الإمارات شريك سوريا التجاري الأول عربيا والثالث عالميا، وتحوز 14% من تجارة سوريا الخارجية.

ومن الممكن أن مكاسب الإمارات الاقتصادية من سوريا سترتفع بمقدار نصيبها من كعكة إعادة الإعمار.

كما أن هناك جملة من المآرب السياسية والاستراتيجية، تقف وراء التقارب الكبير بين أبوظبي ودمشق، مدفوعا بضوء أخضر من تل أبيب والقاهرة، اللتين يشاركان الإمارات آمالها في أن يستعيد نظام "الأسد" عافيته.

فيرى مركز "ستراتفور" الاستخباراتي الأمريكي، أن إحياء العلاقات مع النظام السوري بعد عقد من المحاولات الفاشلة للإطاحة بـ"الأسد"، يخدم توجهات الدول المناوئة للربيع العربي، والتي تأتي على رأسهم الإمارات.

وتستخدم الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية، الحرب الأهلية السورية ليس كتحذير فقط ولكن كنموذج لمواجهة التمرد القادم حتما، وسط احتفاء متعمد بأن الاستبداد قد خرج منتصرا في الشرق الأوسط.

وتفضل الإمارات دعم الشخصيات الاستبدادية، لا سيما أولئك الذين يستهدفون الإسلام السياسي، لذلك فإن "الأسد" هو المرشح المثالي لأبوظبي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق تطلعاتها الاستبدادية.

كما تقف أسباب وتحولات استراتيجية وراء النهج الإماراتي المتسارع للتطبيع مع "الأسد"، تتمثل في خفض الإمارات التصعيد مع إيران، أحد الداعمين الرئيسيين لـ"الأسد"، فضلا  عن استهداف تركيا.

وأخيرا، ترى أبوظبي أنها إذا نجحت في إعادة تأهيل نظام "الأسد"، وإنهاء الصراع السوري، فإن ذلك سيجعلها أقوى قوة إقليمية عربية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمارات النظام السوري بشار الأسد بن زايد مواجهة تركيا نفوذ إيران دعم روسيا أمريكا

ف. بوليسي: الإمارات ومصر تدعمان الأسد لهذه الأسباب

الأزمة الاقتصادية تدفع الأسد للترحيب بدور إماراتي أوسع في سوريا

الائتلاف الوطني السوري عن زيارة الأسد للإمارات: استخفاف بدماء مليون شهيد

انتقادات لمنصور بن زايد بعد لقائه الأسد.. ما علاقة مانشستر سيتي؟

الأسد في أبوظبي.. ماذا تريد الإمارات من استقبال رئيس النظام السوري؟

خبراء: الأسد زار الإمارات بعد ضوء أخضر من إيران وروسيا

جيوبوليتكال: نظام الأسد يسعى للخروج من فلك إيران

تطبيع الإمارات مع الأسد يفرض على أمريكا مراجعة سياستها تجاه سوريا