حذر أمريكي من مرحلة «ما بعد الحرب الباردة» مع روسيا

يهم الأمريكيين كثيرا حساب «تكلفة» أي مواجهة اقتصادية وسياسية وارتدادتها عليهم.

الأمريكيون يعتقدون أن بوتين مستعد للتصعيد لأبعد مدى في سبيل حماية ما يقول إنه أمن بلاده القومي المهدد من الناتو.

قواعد اللعب التي كانت بيننا وبين روسيا في الحرب الباردة لم يعد لها الآن وجود، وبوتين يرى أن الغرب دمّر هذه القواعد وبالتالي فهو في معركة غير مقيدة بحدود.

على واشنطن إيجاد طريقة لإنهاء الصراع بأوكرانيا دون استسلام الكرملين فنهاية مرحلة «ما بعد الحرب الباردة» قد لا تشهد بالضرورة انتصار الغرب وحذار من مواجهة دولة نووية تتعرض لـ«إذلال».

هل فكرنا في أمريكا برد الفعل الروسي وجيوش بوتين في الحرب السيبرانية وما يمكن أن تلحقه من أذى بمحطاتنا للطاقة والبورصات والبنوك والأقمار الصناعية واستخدام ضربة نووية تكتيكية؟

* * *

لعل أحد التفسيرات للموقف الأمريكي المتردد والحذر من الانغماس في النزاع الروسي الأوكراني، هو الخشية من تبعات صراع ما بعد الحرب الباردة مع موسكو، فالأمريكيون يهمهم كثيرا حساب «تكلفة» أي مواجهة اقتصادية وسياسية وارتدادتها عليهم.

أحد الأصوات التي ارتفعت للتحذير من ثمن المواجهة مع موسكو، صوت جورج بيب مدير تحليل شؤون روسيا وأوراسيا بالمخابرات الأمريكية سابقا. يقول بيب في موضوع مهم كتبه في مجلة «ناشيونال إنتريست» الرصينة، إنه من الواجب على واشنطن البحث عن طريقة لإنهاء الصراع في أوكرانيا، لكن من دون استسلام الكرملين.

ويفسر ذلك بأن نهاية مرحلة «ما بعد الحرب الباردة» قد لا تشهد بالضرورة انتصار الغرب، كما يتصور كثيرون، ويحذر من مواجهة دولة نووية تتعرض لـ«الإذلال»،

ويشرح ذلك بالشكل الآتي: «في ظل غضبنا من هجوم روسيا الدموي هناك قلة قليلة في الغرب تعتقد أن علينا البحث عن طرق لإنهاء الصراع، من دون استسلام الكرملين، وما لم نفعل ذلك فمن غير المرجح أن نجد أنفسنا في حرب باردة جديدة، بل قد نكون في حالة حرب ساخنة للغاية.

أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى نهاية فترة «ما بعد الحرب الباردة»، وبات كثيرون مقتنعين بأننا قد دخلنا عصرا جديدا من الحرب الباردة مع روسيا، ويبدو أن معظمهم واثق من أن الغرب سوف يسود، لكن هذا التصور غير صحيح في مواجهة قوة نووية متعثرة يتم تعريضها للإذلال الوطني».

يعتبر المسؤول السابق في المخابرات الأمريكية أن القياس على مرحلة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي أمر غير صحيح ، فهو يعتقد أن السوفييت لم يواجهوا أبدا من قبل هذه المعارضة، ويشكك في ما اعتبر نصرا أمريكيا في عهد كينيدي بالقول: «لم يواجه السوفييت مثل هذه المعضلة الحالية لروسيا.

وعلى عكس الأسطورة الشائعة، لم يجبر كينيدي خروشوف على التراجع عام 1962، لقد ربط تهديده بالاستعداد لعقد صفقة، وأنهى الزعيمان الأزمة من خلال مقايضة تقضي بسحب الصواريخ الأمريكية في تركيا وإيطاليا، والتعهد بعدم غزو كوبا أبدا.

قواعد اللعب كافة التي كانت بيننا وبين روسيا في الحرب الباردة، لم يعد لها الآن وجود، وبوتين يرى أن الغرب هو من دمّر هذه القواعد، وبالتالي فهو في معركة غير مقيدة بأي حدود، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية، أو الهجوم على دولة عضو في «الناتو»، فالمعركة إذن بحسب بيب باتت مقيدة بضوابط جديدة ومختلفة عن مرحلة الاتحاد السوفييتي.

ومن هذه المنطلقات يستنتج مدير تحليل شؤون روسيا وأوروسيا في المخابرات الأمريكية سابقا، أن هزيمة مذلة لبوتين قد تكون مؤذية أيضا للإدارة الأمريكية، ويحذر مما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الأمريكي من تركيز على هزيمة روسيا، من دون تفكير في العواقب.

ويتساءل جورج بيب في مقاله عن ردود الفعل الروسية معددا المجالات التي يمكن لموسكو إزعاج واشنطن فيها قائلا:

«هل فكرنا في أمريكا برد الفعل الروسي، وجيوش بوتين في الحرب السيبرانية، وما يمكن أن تلحقه من أذى بنا وبمحطاتنا للطاقة والبورصات والبنوك والأقمار الصناعية، وكذلك استخدام ضربة نووية تكتيكية، وهل لدينا تصور لكيفية الرد على كل هذه التحديات؟

ما يحدث الآن خطير وغير مسبوق وليس مجرد جولة وصراع يمكن أن يخرج فيه منتصر ما أو مهزوم، وينبغي لقادة القوى العظمى أن لا يخيروا بعضهم ما بين خسارة ماء الوجه أو خوض حرب نووية».

ومن هنا فإنه يبدو مفهوما تماما سبب التعامل الأمريكي المحسوب بدقة مع روسيا، وإعلانهم المتكرر بأننا لن ندخل في حرب مع روسيا بسبب أوكرانيا، فالنخبة الأمريكية لديها حذر من التكلفة والمخاطر المترتبة (وان لم تكن جميعها متفقة على ذلك)، ومن الواضح انهم يعتقدون أيضا أن بوتين مستعد للتصعيد لأبعد مدى في سبيل حماية ما يقول إنه أمن بلاده القومي المهدد من الناتو.

* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني