القضاء والنيابة.. 5 اختبارات غامضة تحكم أكبر مؤسسة "عائلية" في مصر

الأربعاء 6 أبريل 2022 01:38 م

"مؤسسة عائلية ستارها اختبارات غامضة".. هكذا يقدم تحقيق أجرته شبكة "الجزيرة" خلاصة حالة يعيشها القضاء والنيابة في مصر استنادا إلى جمع وثائق لـ7 متقدمين لمنصب "معاون نيابة"، تم رفض طلبهم لاحقا رغم تفوقهم العلمي.

ويستعرض التحقيق مراحل قبول طلب التعيين في النيابة بمؤسسة القضاء المصرية، مشيرا إلى 5 اختبارات "غامضة" تحكم قبول أو رفض الطلبات، دون معايير واضحة، ما اعتبره خبراء بمثابة "ستار" لتمرير توريث المناصب القضائية في البلاد.

ويكشف التحقيق أن نسبة المُعينين من أبناء القضاة بلغت 27% خلال السنوات من 2012 حتى 2021، إذ عُيِن 1035 معاونا للنيابة العامة من أبناء وأقارب القضاة من بين إجمالي 3833 معاونا جديدًا للنيابة العامة تم تعيينهم، وذلك عبر مراجعات بالأسماء لكل من تم تعيينهم خلال تلك السنوات.

وخلال المراجعات، التي استمرت لأشهر، يركز التحقيق، المدعوم من شبكة "أريج" للصحافة الاستقصائية، على البحث عن أقارب المتقدم من الدرجة الأولى فقط (الأب، والأم، والأشقاء، والأعمام) تم خلالها توثيق اسم المتقدم حتى الجد الخامس للتأكيد على روابط الصلة مع القضاة.

وكان عام 2021 الأكثر في معدل تعيينات أقارب القضاة بنسبة 34.1%، أما الأكثر عددا فكان عام 2015 حيث بلغ عدد المُعينين وقتها 182 معاونا جديدا للنيابة العامة، وفقًا لمراجعات التحقيق.

ويسلط التحقيق الضوء على "دورة قبول أو رفض طلبات التعيين بالنيابة العامة المصرية"، عبر 5 اختبارات، أولها يتمثل في مقابلة يُطلق عليها "التفتيش"، يقوم بها أحد القضاة المُشرفين، ليتأكد من استيفاء ملف المُتقدم للمستندات والوثائق المطلوبة.

ووظيفة قاضي التفتيش في مصر هي التأكد من المستوى "المادي والاجتماعي" للمتقدم من خلال الاطلاع على المؤهل التعليمي للوالد وسندات الملكية ومصادر الدخل، إضافة للمهن التي يعمل بها أخوة المُتقدم ومؤهلاتهم التعليمية، وكذلك الأعمام والعمات والأخَوال والخالات، ثم يُدون كل ما يراه في تقرير يرفعه للجنة المشرفة، وفيه يُحدد الموقف من المُتقدم إما بالقبول وإما بالرفض.

الاختبار الثاني يتمثل في "المقابلة الشخصية"، إذ تتم مواجهة المُتقدم بلجنة قضائية، يُطلق عليها "اللجنة السباعية"، وهي لجنة تتشكل من 7 مستشارين هم: "النائب العام، ورئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس محكمة النقض، ورئيسا محكمة استئناف الأسكندرية وطنطا، إضافة إلى أقدم 3 مستشارين بمحكمة النقض".

غالبا ما يوجه القضاة السبعة سؤالا واحدا يتم تمريره على جميع المتقدمين من دون تغيير، يتعلق بإحدى المواد القانونية، وكل ذلك جرى في غضون دقيقتين أو 3، إذ لا يتخطى الزمن المُحدد للمُتقدم الثواني.

وتتمثل المرحلة الثالثة بعملية الاختيار في "الاختبار النفسي"، التي يُجريها طبيبان متخصصان في المخ والأعصاب. حيث يُوجّه كل منهما أسئلة للمتقدم مثل "لماذا التحقت بكلية الحقوق؟ ولما تريد أن تكون قاضيًا؟.. وهكذا".

ولا يصل إلى هذه المرحلة إلا عدد محدد، "فالاختيارات انتقائية، وغالبًا ما تلعب فيها الواسطة دورا، إذ يتم تجاهل أغلب المتقدمين لصالح أبناء القضاة والمستشارين" بحسب التحقيق.

وبعد اجتياز الاختبار النفسي، يتم إرسال ملف المُتقدم لمديرية الأمن التابع لها، لتبدأ مرحلتان من التحريات الأمنية، أولها جنائي، حيث تُوضع بيانات المتقدم وأسرته حتى الدرجة الثالثة على جهاز تنفيذ الأحكام للكشف عليها في حال وجود قضايا.

أما مرحلة التحري الأمني الثانية فهي دور جهاز الأمن الوطني، الذي يتحرى عن انتماءات أسرة المُتقدم وميولها السياسية.

ويرى المحامي في محاكم النقض والدستورية "غلاب الحطاب" أن النظام المتبع في التحريات الأمنية يُعطيها دورا مؤثرا بسبب التوسع فيها، وعدم قصرها داخل نطاق الأسرة الصغيرة (الأب والأم والأخوة فقط)، لأن التوسع في عملية التحريات يضر بالمُتقدم.

ويستند "الحطاب" على الأحكام الصادرة من مجلس الدولة التي أيدت قصر التحريات الأمنية على الأسرة الصغيرة فقط، وعدم الالتفات إلى التحريات الخاصة بالأعمام والأخوال وأبنائهم أو ما يُطلق عليها "الأسرة الكبيرة".

ويكشف "الحطاب" أن اللجنة المشرفة على اختيارات النيابة العامة ترفض دوما إطلاع أو المتقدم الطاعن على قرار استبعاده على محضر المقابلة الشخصية، مشيرا إلى أن الرد غالبا ما يكون "المحضر ادشت" أي تم تمزيقه وإتلافه، رغم أن المحامي يطعن خلال 60 يومًا من تاريخ ظهور النتيجة.

كما تدعي اللجنة أحيانا أن هناك الكثير من الطاعنين الموجودين في المحضر الواحد ولا تستطيع تقديمه لمحام وحرمان الباقي، وفقًا لـ"الحطاب"، مضيفا: "نطلب منهم نسخ 5 أو 6 صور رسمية من المحضر وختمهم وتقديمهم للطاعنين، لكنها ترفض، وأمام الإلحاح والإصرار، قد توافق هذه اللجنة على إعطاء الطاعن إفادة فقط".

ويلفت "الحطاب" إلى أنه خلال السنوات الأربع الأخيرة ابتدع قضاء مجلس الدولة معيارا جديدا للفصل في قضايا الطعن على الاستبعاد من تعيينات النيابة العامة، يقضي بالحكم لصالح الطاعنين إذا كان من أصحاب العشرة الأوائل على دفعته بالكلية سواء الحقوق أو الشريعة والقانون فقط، واستبعاد أي طعن آخر، حتى لو كان صاحبه حاصلا على امتياز مع مرتبة الشرف.

ويصف "الحطاب" إجراء المقابلة الشخصية وفقًا للنظام المتبع في مدة زمنية قصيرة بأنه "كلام يُجافي المنطق"، قائلا: "لا بد من مراعاة فجائية السؤال والموقف، فلا يمكن تقييم شخص حاصل على درجات علمية بتقديرات تتنوع بين امتياز وجيد جدًا، بشهادة أساتذة جامعيين على مدار 4 أعوام في ثوان".

ويعتقد "الحطاب" أن لجنة المقابلة الشخصية ليست جهة لتقييم الطالب، فلا هم أساتذة جامعيون ولا أطباء نفسيون للحكم والتقييم، مشيرًا إلى أن كل شاب مُتقدم اجتاز ما يزيد على 20 امتحانا تحريريا وشفويا خلال فترة دراسته، وهذا دليل على تفوقه العلمي.

وفي السياق، يعيب المحامي "حازم صبري" على اللجنة السباعية عدم وجود "معايير واضحة" أثناء إجراء عملية الاختيار بين المُتقدمين، مدللاً على ذلك بحرمان متقدمين ذوي تقديرات مرتفعة من الاختيار، مقارنة بآخرين أقل منهم في التقدير العام وقع عليهم الاختيار.

ويرى الباحث بالمعهد المصري للدراسات "رجب عزالدين" أن "نظرة التوريث لمسألة التعيين في القضاء تبدو مترسخة في وجدان قطاع كبير من القضاة (المصريين) بشكل لافت حتى صار التصريح بما يدعمها علنيا وبلا مواربة".

ويستدل "عزالدين" على ذلك، بتصريح لوزير العدل الأسبق "أحمد الزند"، حين قال: "تعيين أبناء القضاة سيظل سنة بسنة ولن تستطيع قوة في مصر إيقاف هذا الزحف المقدس إلى قضائها".

وتؤكد الباحثة في القانون "منّة عمر" أن "توريث القضاة لأبنائهم وعائلاتهم لا ينم فقط عن رغبتهم في ضمان وظيفة لذويهم، بل يعكس أيضا رؤية القضاة لمهنتهم وشعورهم بالعلو والتباهي، ورفضهم أن يُعين بالمهنة كل من هب ودب" حسب تعبيرها.

وتشير الباحثة إلى أن توريث القضاء في مصر استقر في منتصف الألفية، حين وجد نظام الرئيس الراحل "حسني مبارك" رغبة القضاة في توريث أبنائهم المناصب وسيلة ناجحة للانقضاض على القضاة المعارضين له في "تيار الاستقلال"، والذين تولوا قيادة نادي القضاة في مصر بين أعوام 2001 و2009.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصر القضاء التوريث الموالاة

لماذا حظرت مصر الظهور الإعلامي للقضاة؟